في قرار تنظيمي جديد، من المنتظر “دخوله حيز التنفيذ يوم فاتح أكتوبر 2024″، ذهب بنك المغرب في اتجاه تأطير أوضح وأدق للعلاقات والتعاملات التجارية بشأن “مصاريف التبادل النقدي الإلكتروني المحلي”.
وبحر الأسبوع المنقضي، أفاد البنك المركزي المغربي بأنه أصدر قرارا تنظيميا يؤطر مصاريف التبادل النقدي الإلكتروني المحلي، التي تمثل نسبة الحصة التي تتقاضاها البنوك ومؤسسات الأداء من التجار برسم عمولة الأداء عبر البطائق البنكية، حاصرا إياها في “البطائق البنكية الصادرة في المغرب”.
وجاء القرار التنظيمي لبنك المغرب المُحدد “مستوى سقف هذه المصاريف في نسبة 0,65 في المائة من قيمة عمليات الأداء النقدي المحلي عبر البطائق البنكية الصادرة في المغرب”؛ في وقت ما زال ارتفاع النقد المتداول بين المغاربة (المعروف عاميا بـ”الكاش”) يفرض تحديات متنامية على الاقتصاد الوطني، بشكل تكرر مرارا في ندوات والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري التي تعقُب اجتماعات مجلس بنك المغرب. وسجل الجواهري مسألة الانشغال الجدي وتعميق دراسة أسباب “التفضيل المستمر للمغاربة للأداء نقدا (الكاش) على حساب التعامل المالي الرقمي/الإلكتروني”.
“لا يمكن للتجار تحميل زبنائهم مصاريف الأداء بالبطاقات البنكية؛ وبالتالي فإن هذه المصاريف لا تؤثر على أسعار السلع أو الخدمات التي تؤدى بواسطة البطائق البنكية”، لفت البلاغ الرسمي لبنك المغرب، حاسما بذلك جدلا “متجددا” حول الموضوع.
وحسب ما استقته هسبريس عبر آراء خبراء ماليين واقتصاديين مختصين، فإن هذا الإجراء/القرار التنظيمي يساعد ويُسهم في حماية زبناء مؤسسات الائتمان، مشددين على دعمِه جهود بنك المغرب في تطوير سوق الأداء الإلكتروني”، بحكم أنه “جزء من صلاحيات بنك المغرب، التي تشمل ضمان أمن أنظمة ووسائل الأداء”.
“إيجابي بأثر محدود”
زكرياء كارتي، خبير ومحلل مالي دولي، أكد على “الانعكاس الإيجابي للقرار التنظيمي سالف الذكر”، معتبرا أنه يساهم في “تطوير أداء السوق التعاملات التجارية الإلكترونية لدى تجار المملكة عبر البطائق البنكية المغربية”.
ورأى كارتي، في تعليق مقتضب لجريدة هسبريس الإلكترونية، في إجراء تسقيف وتأطير مصاريف التبادل النقدي الإلكتروني المحلي، “بداية واعدة لمحاصرة السيولة النقدية الكاش”، مستحضرا أن “مصاريف التحويلات المرتفعة للعمولات كان موضوعا طالما شكل هاجسا للتجار الذين يرغبون في التعامل عبر أجهزة TPE”.
وأكد المحلل المالي ذاته أن الإجراء يمكنه فعلا أن يشكل أحد حلول التقليل من تعاملات “الكاش” في المعاملات التجارية الجارية، مع توضيح العلاقة سواء بالنسبة لمؤسسات الأداء والبنوك أو التجار أو الزبناء”.
قرار بنك المغرب له دور أساسي في حماية ودعم القدرة الشرائية للمستهلكين وحماية كذلك التجار في معاملاتهم مع مؤسسات القرض. كما أن هذا القرار يدعم سوق الأداءات الإلكترونية، وسيساعد لا محالة في دعم قطاع التجارة ودعم الاقتصاد الوطني.
“هيكلة وتشجيع المعاملات”
من جانبه، نسج أنس الزويتن، رئيس اللجنة الجبائية بالمجلس الجهوي لجهة الرباط- سلا- القنيطرة لـ”هيئة الخبراء المحاسبين”، على المنوال نفسه مؤكدا أن “بنك المغرب، عبر قراره التنظيمي المذكور، ذاهب نحو مزيد من تشجيع الأداء الإلكتروني خلال المعاملات التجارية”.
وذكر الزويتن مصرحا لـ هسبريس أن “هذا ليس أول إجراء لتأطير السوق والتعاملات بالمغرب”، مستحضرا مضامين “إجراء ضريبي على رقم المعاملات السنوي عبر استخلاص الأداء الإلكتروني كان قد أورده قانون المالية منذ حوالي أربع سنوات”، لافتا إلى أن “هاجس العمولات طالما شكل عائقا أمام بعض التجار المغاربة، خصوصا في تعاملاتهم مع البنوك التجارية عبر المركز المغربي للنقديات”.
وبالنسبة إلى الخبير المالي المحاسب، فإن “تسقيف مصاريف التبادل النقدي الإلكتروني المحلي يظل في صالح تشجيع وهيكلة المعاملات الإلكترونية المالية وجعلها تحت رادار السلطات المالية المغربية”، مفيدا بأن ذلك “سيجعل التاجر مهتما أكثر بفكرة أن يُدمج الأداء الإلكتروني بالحسبان؛ وهو ما يعني في الوقت نفسه التقليل من تداول النقود “الكاش”.
“هو إجراء في صالح التجار، كما من المرتقب أن يحاصِر انتشار السيولة النقدية وإن بشكل نسبي ومحدود”، خلص الزويتن لافتا في نبرة توصية: “وجب على الدولة مراجعة طبيعة التعاملات التجارية عبر فرض الأداء الإلكتروني على التجار الذين يتجاوز رقم معاملاتهم السنوي 1 مليون درهم، بشكل سيعود بالنفع على المنظومة الاقتصادية الوطنية عامة”.
“حماية المستهلكين والتنافسية”
بدوره، أورد محمادي اليعقوبي، أستاذ جامعي مختص في الشأن الضريبي وخبير اقتصادي، أن “قرار بنك المغرب له دور أساسي في حماية ودعم القدرة الشرائية للمستهلكين وحماية كذلك التجار في معاملاتهم مع مؤسسات القرض والائتمان”.
وقدر اليعقوبي، في تعليق لجريدة هسبريس، أن “هذا القرار يدعم، كذلك، سوق الأداءات الإلكترونية”، مبرزا أنه “سيُساعد لا محالة في دعم قطاع التجارة ودعم الاقتصاد الوطني”.
وعلى صعيد آخر، اعتبر الخبير الاقتصادي أن “هذا القرار، الذي اتخذه شُرطي السوق المالية المغربية، يأتي داعما لدينامية الموقف الأخير لمجلس المنافسة، ويذهب في اتجاه الحد من الممارسات غير التنافسية التي تضر بالأداء الطبيعي للسوق”.
وخلص المتحدث إلى أن “التدبير الجديد سيساعد على التقليص من الحجم الكبير الذي بلغته الأداءات النقدية التي تضر بشدة بأداء الاقتصاد الوطني”.
0 تعليق