"نبيل لحلو يحكي نبيل لحلو".. بوح مسرحي يمدح الحرية ويأمل "تغيير المنكر"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وحيدا على الركح إلا من ذكريات من كانوا، يحكي “نبيل لحلو نبيلاً لحلو”، أمام جمهور مسرح محمد الخامس بالرباط، منذ تفتّق وعيه الأول، وغذّت عينيه الأفلام، وراقه المسرح، ومنذ مسّته الرقابة المجتمعية أول مرة، فالإداريةُ مرات، ومنذ عرف الحب، والتقى رفيقة الجزء الثاني من العمر، وصولا إلى يومه وهو على بعد شهور من سنة عيشه الثمانين على دنيا الناس.

في هذه المسرحية التي اختار لها المخرج عنوان “نبيل لحلو يحكي نبيل لحلو”، مسرحٌ فردي، يسرد سيرة الذات تشخيصا، عابرا للأزمنة والجغرافيا واللغة أيضا، من المْسِيد “دار القرآن”، وأوّلِ المسرح، وأول الشغب فوق الركح الذي ألقم أحذية و”بْلاغي” بفاس إثر كلمة وحركة يد رافقتها، وصاحبها لم يجاوز عمره الخامسة عشرة.

لحلو يحكي في المسرحية أول الوعي بالظلم، أو مغربته “الحكرة”، بعدما طُوي ملف أخ سبقه إلى الحياة، وغادرها طري العود، بطيش سيارة شابة، قبل أن تغادر حقوقه أيضا بطيش قلم جانَب النزاهة.

ويرافق المسرحيةَ حديث نبوي حفظه لحلو طفلا: “من رأى منكم منكرا فليغيره…”، وتعود إليه في تفسير مواقف بعض مراحل العمر: رفض الرشوة، فنيةً أو في يوميّ الحياة، رفض الخضوع لما يعتبره أناسٌ طبيعيا، رفض التضحية بالحرية في سبيل الاستقرار الاجتماعي.

لكن، يحضر في المسرحية بوحٌ لا يخلو من سخرية، حين توجّس لحلو أن يكون وراء وجوهٍ، وشواربِها الكثّة، مخبرون، ولو تسمّت الملامح باتحاد كتاب ليبيا في بدايات عهد معمّر القذافي، فكان أن مارس رقابة ذاتية آلمته ولم ينسها: خفّف حدة الحديث عن الظلم الواحد، سواء كان الظالم في مَلكية أو جمهورية.

ذاكَ البوحُ. أما السخريةُ، فسقف الرقابةِ الذي يزيد انحناء مع تفشّي داء الرقابة الذاتية، وهو ما عاينه في أداء لمسرحيتِه بعد ترجمتها من الفرنسية؛ فهوى الحديث عن الظلم من مستوى “الملكية” و”الجمهورية”، إلى “المجلس البلدي” و“المجلس الإقليمي”.

نبيل لحلو في هذه المسرحية شيخٌ يَسنِد حركتَه عكازٌ. هو الجد، الذي عاش ما لم يعشه مخاطَبوه، ويرى ما لا يرون، يحكي، ويحكي، يتأسف، يضحك، يبسط، يبكي، يقرأ، ويستند إلى تسجيلات مسرحية، وبيانات دُبّجت ضدّه، وأرشيف أفلام وأقوال، ليسند الشهادة، ويسند أحقيته في اختيار الموقف الذي اختاره.

في هذه المسرحية أحاديث عن المغرب، الذي لم يُسقِط ملكيته انقلابان عسكريان مسلَّحان، ويظنّه البعض هشّا يُخاف أن تمسَّ أركانَه كلمةٌ، أو حريةٌ. وفيها حديث عن الخوف تحت الأحذية العسكرية لمّا درّس نبيل لحلو في الجزائر مطلع السبعينات، ولمّا حطّ مسرحيا بليبيا، وأحاديث عن تونس، ومصر، وسوريا، والعراق، ولبنان التي كانت تحت القصف.

في المسرحية “اتهام” لأمريكا وإرهابها، و“الاحتلال الإسرائيلي”، فيتساءل لحلو، كما تساءل آخرون في بلدان غير البلدان ذات السطوة: “من يحاسب ويحاكم من سفكوا دماء العراقيين بمئات الآلاف؟” كما تسفك اليوم دماء الفلسطينيين واللبنانيين.

في المسرحية تحضر فرنسا وسياستها الثقافية، والمغرب ولجان دعمه، والمبادرون الاستثنائيون ورعايتُهم، ويحضر الموقف من الفساد، والانتصار للتقدير الشخصي، ولدور الفن الذي وُئد، وفق لحلو، منذ السنوات الأولى بعد استقلال المغرب، ويحضر أيضا الاحتفاء والعرفان برفيقة جزء معتبر من العمر، المشخّصة صوفيا هادي، التي اقتطع من المسرحية مشهدا ليبارك لها عيد ميلادها الستين، بعدما عرفها، يوما، كانت فيه بالكاد ابنة ثمانية عشر ربيعا.

“نبيل لحلو يحكي نبيل لحلو” مديحٌ للحرية، والموقف، مديحُ “مَن قالوا لا في وجه من قالوا نعم”، واعترافٌ بالخيبة، والأمل المجهض في إمكانيات لإخراج “العمل” كما تطمح لإبداعه ذات فنية لها رؤية وتصوّر ورسالة، وهي فعل “تطهير ذاتي” علَني، وتبرئة للذمة من مسرحيّ، أُخِذ بالعبث وفنونه: “من رأى منكم منكرا فليغيره”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق