توقف الغاز الروسي إلى أوروبا يفاقم التوترات الجيوسياسية (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • • المفوضية الأوروبية أبدت استعدادها لإنهاء عمليات تسليم الغاز عبر أوكرانيا
  • • سلوفاكيا قد تخسر 520.05 مليون دولار سنويًا إذا توقف عبور الغاز الروسي
  • • سلوفاكيا والمجر سعتا إلى بدائل للغاز الروسي لكن التقدم كان بطيئًا
  • • الاتحاد الأوروبي ككل حقّق خطوات كبيرة في الحد من الاعتماد على الطاقة الروسية

سيؤدي توقف الغاز الروسي المنقول بالأنابيب إلى أوروبا إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية المستمرة، على خلفية انتهاء مدة العقد الذي ينظّم مرور هذا الوقود عبر الأراضي الأوكرانية.

وفي ظل أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا، تسلّط الأرقام المثيرة للقلق من وكالة الطاقة الدولية الضوء على ارتفاع أسعار الجملة للكهرباء والغاز.

فقد ارتفع مؤشر أسعار الكهرباء بنسبة 14.2%، مقارنة بالشهر السابق، وبنسبة 26.9% على أساس سنوي. وعلى نحو مماثل، شهد مؤشر أسعار الغاز زيادة بنسبة 2.7% عن الشهر السابق، و26.4% مقارنة بالعام الماضي.

وتعكس هذه الزيادات في الأسعار التقلّبات المستمرة في قطاع الطاقة، التي ترجع أساسًا إلى التوترات الجيوسياسية المستمرة وانقطاعات إمدادات الطاقة.

وبالنسبة إلى الأسر، ارتفعت أسعار الطاقة بصورة متواضعة بنسبة 0.1% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن الأرقام تظل أقل بكثير مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، بانخفاض بنسبة 14.7%.

تفاقم الضغوط الاقتصادية في أوروبا

كان الديزل محركًا رئيسًا للأسعار، ما أدى إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية في جميع أنحاء أوروبا. ومن اللافت إلى الانتباه أنه في حين انخفضت أسعار الغاز والكهرباء للأسر على أساس شهري، فإن السياق الأوسع يظل مثيرًا للقلق، إذ يظل اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الخارجية، خصوصًا من روسيا، يشكّل نقطة ضعف حرجة.

ويسلّط هذا المسار الصاعد لأسعار الطاقة الضوء على المعضلة المستمرة التي تواجهها أوروبا؛ كيف توازن بين طموحاتها في تحول الطاقة وأمن الإمدادات، خصوصًا في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا؟

لسنوات، كانت أوروبا تعتمد بصورة كبيرة على الغاز الروسي، ولكن مع تبدُّل المشهد الجيوسياسي، أصبح هذا الاعتماد يشكّل تحديًا إستراتيجيًا واقتصاديًا.

بدورها، تهدّد الأسعار المتزايدة بعرقلة الاقتصاد الأوروبي، الذي يعاني من عواقب الحرب في أوكرانيا.

وأصبحت عوامل الجغرافيا السياسية عنصرًا محوريًا في المشهد العالمي الراهن، حيث تعمل تدفقات الطاقة بصفتها محركات اقتصادية وأدوات للتأثير الإستراتيجي.

ومن العناصر الأساسية لهذا التحول انتهاء صلاحية عقود الطاقة المهمة، وأبرزها عقد توريد الغاز بين أوكرانيا وروسيا، المقرر أن ينتهي في نهاية عام 2024.

وقد أثار هذا الوضع مخاوف في مختلف أنحاء أوروبا، خصوصًا في بلدان مثل سلوفاكيا والمجر، التي لا تزال تخضع لإرث الاعتماد الروسي على الطاقة.

خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي بالقرب من مدينة إيفانو فرانكيفسك في أوكرانيا
خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي بالقرب من مدينة إيفانو فرانكيفسك في أوكرانيا – الصورة من بلومبرغ نيوز

وفي الوقت نفسه، أعلنت مولدوفا حالة الطوارئ استجابة للمخاوف من الاضطرابات المتعمدة في مجال الطاقة من جانب روسيا، ما زاد من تعقيد أزمة الطاقة الإقليمية.

ويتناول هذا التحليل التداعيات الجيوسياسية لهذه التطورات، مع التركيز على التحديات التي تواجهها بلدان وسط وشرق أوروبا ومشهد الطاقة المتطور في مولدوفا، ويدرس الأزمات المتقاطعة والفرص التي تواجهها هذه البلدان وسط عالم متعدد الأقطاب في غياب أمن الطاقة.

تحديات الطاقة في سلوفاكيا والمجر.. معضلة جيوسياسية

مع اقتراب نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، تلوح في الأفق قضية جيوسياسية مهمة في أوروبا؛ وهي انتهاء صلاحية الاتفاق الذي ينظّم مرور الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية.

وصرّح رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، مؤخرًا، بأن العبور سينتهي في 1 يناير/كانون الثاني 2025، دون التوصل إلى اتفاق محدد بين كييف ومصدري الغاز الجدد المحتملين حتى الآن.

من ناحيتها، أبدت المفوضية الأوروبية استعدادها لإنهاء عمليات تسليم الغاز عبر أوكرانيا، على الرغم من أن المفوضية لا تسعى إلى تمديد اتفاقيات عبور الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن التكتل مستعد لإنهاء هذا الترتيب القائم منذ مدة طويلة.

وبالنسبة إلى معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يمثّل هذا التوقف تحولًا ضروريًا للحد من الاعتماد على الطاقة الروسية، وهي العملية التي تسارعت بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا.

رغم ذلك، تجد سلوفاكيا التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، نفسها في موقف صعب، إذ لا تستطيع براتيسلافا التي تعتمد على الغاز الروسي الذي يمر عبر أوكرانيا لتلبية جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة، أن تتحمل قطع العلاقات مع روسيا.

وحذّر رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، من أن سلوفاكيا قد تخسر 500 مليون يورو (520.05 مليون دولار) سنويًا إذا توقف عبور الغاز.

وفي خطوة غير عادية، ورد أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عرض على سلوفاكيا حافزًا ماليًا -نصف مليار يورو (520.05 مليون دولار) مأخوذ من الأصول الروسية المجمدة- إذا دعّمت البلاد عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي.

رغم ذلك رفض فيكو هذا العرض، مؤكدًا العوامل الجيوسياسية المعقّدة التي تواجهها سلوفاكيا.

وبصفتها طريق عبور رئيسًا للغاز الروسي، فإن سلوفاكيا معرضة لخسارة كبيرة من الإيرادات بمجرد توقف التدفق عبر أوكرانيا.

وقد تؤدي خسارة دخل العبور هذه، إلى جانب التكاليف الأوسع نطاقًا لإيجاد إمدادات غاز بديلة، إلى تأثر الاقتصاد السلوفاكي بشدة.

وفي حال توقف تدفقات الغاز عبر أوكرانيا، فمن المرجح أن تضطر سلوفاكيا إلى اللجوء إلى مصادر أخرى، مثل واردات الغاز المسال من الدول الساحلية مثل إيطاليا أو كرواتيا.

في المقابل، فإن هذا الخيار من شأنه أن تترتب عليه تكاليف إضافية كبيرة، إذ ستضطر سلوفاكيا إلى دفع ثمن عبور الغاز بدلًا من تلقي إيرادات العبور.

ومن شأن توقف عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا أن يؤدي إلى "نقص الغاز" في جميع أنحاء أوروبا. وسوف تشهد سلوفاكيا، إلى جانب دول أوروبية أخرى، ارتفاع أسعار الغاز مع انخفاض العرض وبدء استنزاف مرافق التخزين.

والواقع أن الضعف المالي الذي تعاني منه سلوفاكيا يُعد كبيرًا مقارنة بجيرانها الأكثر ثراءً مثل النمسا التي لديها مزيد من الموارد لإدارة مثل هذه التغيرات.

منشأة لتخزين الغاز تديرها شركة غازبروم ببلدة كاسيموف في روسيا
منشأة لتخزين الغاز تديرها شركة غازبروم ببلدة كاسيموف في روسيا – الصورة من بلومبرغ

التداعيات الجيوسياسية على سلوفاكيا والاتحاد الأوروبي

يُعد التحدي الذي تواجهه سلوفاكيا في مجال الطاقة نتيجة مباشرة للصراع الجيوسياسي بين سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي والمصالح الوطنية.

وعلى الرغم من أن قادة سلوفاكيا يسعون إلى حماية أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي لديهم، فإن موقفهم أدى إلى توترات مع كل من أوكرانيا والاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع.

وردًا على موقف أوكرانيا بشأن قضية عبور الغاز، اقترح رئيس لجنة الشؤون الدولية في سلوفاكيا، ماريان كيري، أن تُعيد سلوفاكيا النظر في مساعدتها لأوكرانيا.

وقد يشمل هذا وقف تسليم الكهرباء إلى أوكرانيا التي تمر حاليًا عبر سلوفاكيا. وتزداد التعقيدات الجيوسياسية في ظل السياق الأوروبي والدولي الأوسع نطاقًا.

وفي الوقت نفسه، فإن اعتماد سلوفاكيا على روسيا في مجال الطاقة ورفضها دعم تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي يضعها في خلاف مع العديد من شركاء الاتحاد الأوروبي.

وعلى وجه الخصوص، كانت بولندا صريحة في انتقادها لموقف سلوفاكيا، وحثت براتيسلافا على البحث عن بدائل للغاز الروسي.

رغم ذلك، فإن واقع الاقتصاد والطاقة في سلوفاكيا يجعل من الصعب على البلاد أن تتماشى بصورة كاملة مع أهداف تنويع الطاقة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات.

العلاقات الدبلوماسية بين سلوفاكيا وروسيا

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت اللقاءات المباشرة بين القادة الأوروبيين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين نادرة.

وتمثّل زيارة رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، إلى موسكو في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري الزيارة الأوروبية الثالثة رفيعة المستوى منذ اندلاع الحرب.

من ناحيته، كان المستشار النمساوي، كارل نيهامر، أول من التقى بوتين في أبريل/نيسان 2022، تلاه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في يوليو/تموز 2024.

ومثل أوربان، أعرب فيكو منذ فترة طويلة عن شكوكه تجاه عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا وانتقد توسع الناتو.

وركزت زيارة فيكو الأخيرة على قضايا الطاقة، وعلى السعي إلى إيقاف الحرب في أوكرانيا، على الرغم من أن محادثات السلام لم تكن الهدف الرئيس.

ويعكس موقف فيكو من عضوية أوكرانيا في الناتو ودعواته إلى تسوية سلمية اتجاهات أوسع في أوروبا الوسطى، إذ شكّكت دول مثل سلوفاكيا والمجر في نهج الاتحاد الأوروبي تجاه الغزو الروسي.

وعلى الرغم من أن سلوفاكيا تشارك المجر في ترددها في الانحياز الكامل لموقف الاتحاد الأوروبي المناهض لروسيا، فإن الحقائق السياسية والاقتصادية قد تجبرها على اتباع نهج أكثر واقعية.

وقد مهّد انتهاء صلاحية اتفاقية عبور الغاز الأوكرانية الروسية الطريق لأزمة طاقة محتملة في أوروبا الوسطى.

وتُعد النمسا وسلوفاكيا والمجر، من بين دول أخرى، عرضة للخطر بسبب اعتمادها طويل الأمد على الغاز الروسي.

واعتمدت هذه البلدان منذ فترة طويلة على إمدادات الطاقة من الشرق، ما يجعل التحول إلى مصادر بديلة معقدًا ومكلفًا.

وأنهت النمسا، مؤخرًا، عقدًا رئيسًا مع شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة غازبروم Gazprom، ما يشير إلى التحرك نحو التنويع، إلا أن موقفها ينطوي على تحديات اقتصادية وإستراتيجية كبيرة.

وسعت سلوفاكيا والمجر إلى بدائل للغاز الروسي، لكن التقدم كان بطيئًا، إذ علّقت الدولتان آمالهما على تدخل أذربيجان موردًا رئيسًا.

رغم ذلك، لا تزال تفاصيل مثل هذه الاتفاقيات غير واضحة، ولم تتحقق الصفقات الملموسة بعد.

ويعني الاعتماد الإقليمي على الغاز الروسي والافتقار إلى البنية الأساسية الكافية لمصادر الطاقة البديلة، أن أي خفض في الإمدادات الروسية، خصوصًا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية، من شأنه أن يؤدي إلى نقص حاد في الطاقة واضطرابات اقتصادية.

وأدى فرض ألمانيا رسوم "الحياد المتوازن"، التي تنطبق على كل من معاملات الغاز المحلية والعابرة للحدود، إلى تفاقم الوضع.

فقد أدت الرسوم، التي فُرضت في عام 2022 لتغطية تكلفة الحفاظ على احتياطيات الغاز الألمانية، إلى زيادة تكلفة واردات الغاز للدول المجاورة، بما في ذلك النمسا وسلوفاكيا والمجر، حتى نهاية عام 2024، وبدءًا من عام 2025، ستُلغى هذه الرسوم.

وقد أصبحت هذه البلدان، خصوصًا النمسا، التي تفتقر إلى محطات الغاز المسال، أكثر صراحة في مطالبها بإلغاء الرسوم، التي يُنظر إليها على أنها عائق أمام تنويع مصادر الطاقة.

وتؤدي الرسوم إلى تضخيم تكلفة الطاقة بصورة مصطنعة، وتعوق الجهود الرامية إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، ما يجعلها نقطة خلاف داخل الاتحاد الأوروبي.

وبالتالي، فإن النمسا وسلوفاكيا والمجر في مرحلة حرجة، إذ تواجه التحديات المزدوجة المتمثلة في تأمين إمدادات الطاقة وإدارة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع تكاليف الطاقة.

ومع اقتراب انتهاء عقد الغاز الروسي الأوكراني، يتعيّن على هذه الدول تسريع الجهود الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة وتأمين طرق إمداد بديلة، مثل استيراد الغاز المسال أو اتفاقيات خطوط الأنابيب الجديدة.

وقد دقت أكبر شركة للنفط والغاز في سلوفاكيا، شركة إس بي بي SPP، التي تسيطر على نحو 65% من السوق المحلية، ناقوس الخطر بشأن عواقب فقدان إمدادات الغاز الروسية.

وحذّرت الشركة، إلى جانب لاعبين آخرين في السوق، من أنه إذا كانت هناك حاجة إلى مصادر بديلة لسد الفجوة، فإن ذلك سيكلّف 150 مليون يورو (156.01 مليون دولار) إضافية في رسوم النقل.

وبالنسبة إلى سلوفاكيا ككل، فإن التكاليف الإضافية المترتبة على الحصول على الغاز ونقله من مصادر بديلة، مثل استيراد الغاز المسال عبر محطات في ألمانيا أو هولندا أو بلجيكا، قد ترتفع إلى نحو 220 مليون يورو (228.82 مليون دولار).

وتتفاقم هذه التكاليف بسبب الزيادة المتوقعة في رسوم العبور، مع استمرار تأثير عدم الاستقرار الجيوسياسي في أسواق الغاز الأوروبية.

ويُعد العبء المالي الذي تواجهه سلوفاكيا إذا فقدت القدرة على الوصول إلى الغاز الروسي كبيرًا.

ورغم أن سلوفاكيا تستطيع نظريًا تأمين احتياجاتها من خلال واردات الغاز المسال، فإن البنية الأساسية اللوجستية والنقل سوف تترتب عليها تكاليف إضافية هائلة.

وتُعد هذه البدائل، رغم إمكان تطبيقها، بعيدة كل البعد عن المثالية، وتفرض تحديات طويلة الأجل فيما يتصل باستقرار الأسعار وأمن الطاقة.

في هذا الإطار، لم تكن زيارة فيكو إلى موسكو تهدف إلى تعزيز جهود السلام، حسبما رأينا في الرحلات السابقة التي قام بها المستشار النمساوي كارل نيهامر أو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

تجدر الإشارة إلى أن فيكو كان يسعى إلى إيجاد حل عملي لأزمة الطاقة الوطنية.

ووفقًا لتقارير من مسؤولين روس، ناقش فيكو قضية إمدادات الطاقة بالتفصيل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وعلى الرغم من وصف المناقشات بأنها "بنّاءة"، فلم يتم التوصل إلى حل فوري.

ويوضح الرسم البياني التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)، أكبر مستوردي النفط والغاز والفحم من روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا حتى 21 ديسمبر/كانون الأول 2024:

أكبر مستوردي النفط والغاز والفحم من روسيا منذ بدء الحرب حتى 21 ديسمبر 2024

وانصبّ تركيز رئيس الوزراء السلوفاكي في المقام الأول على تأمين تدفق مستمر من الغاز الروسي، وهو شريان حياة لاحتياجات سلوفاكيا من الطاقة.

وعلى الرغم من موقفه المؤيد لروسيا مثل فيكتور أوربان، تمكّن فيكو من تجنب رد الفعل العنيف من الاتحاد الأوروبي الذي واجهه أوربان بسبب جهوده الدبلوماسية الأكثر صراحة التي تهدف إلى التوسط في السلام بين روسيا وأوكرانيا.

من ناحية ثانية، امتنع فيكو عن الدعوة إلى دور أوسع لحفظ السلام، وأكد حاجة سلوفاكيا إلى تأمين مستقبلها في مجال الطاقة.

وقد سمح هذا النهج الواقعي لفيكو بتجنب الإدانة التي وُجهت إلى انخراط أوربان في وقت سابق مع موسكو.

وعلى الرغم من أن بولندا التي كانت من أشد منتقدي النفوذ الروسي في مجال الطاقة في أوروبا، أقرت باعتماد سلوفاكيا على موارد الطاقة الروسية، فقد حثت براتيسلافا على البحث عن حلول بديلة.

وجاءت الزيارة على خلفية التحولات السياسية الداخلية داخل سلوفاكيا.

وكشف استطلاع رأي أجرته مؤخرًا وكالة "آكو" عن أن حزب المعارضة، سلوفاكيا التقدمية، كان متقدمًا بنسبة تأييد بلغت 22.8%، مقارنة بنحو 20.3% لحزب "سمير" الحاكم الذي ينتمي إليه فيكو، وهو ما يشير إلى تزايد الاستياء المحلي من سياسات الطاقة الحكومية.

بالإضافة إلى ذلك، جاءت زيارة فيكو وسط مخاوف أوسع نطاقًا من جانب الاتحاد الأوروبي بشأن أمن الطاقة. وكان الاتحاد يعمل على الحد من اعتماده على الطاقة الروسية، وهي العملية التي تسارعت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا ونظام العقوبات اللاحق الذي فرضه الاتحاد الأوروبي.

ويُنظر إلى اعتماد سلوفاكيا المستمر على الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب على أنه نقطة ضعف جيوسياسية، خصوصًا مع اقتراب انتهاء صلاحية عقد العبور.

وتجسّد هذه الزيارة معضلة الطاقة الأوسع التي تواجهها أوروبا في تخليها عن الطاقة الروسية.

وبالنسبة إلى سلوفاكيا، فإن هذه القضية وجودية، وتتطلّب حلولًا فورية لعبور الغاز وإستراتيجيات طويلة الأجل لتنويع الطاقة.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي ككل حقّق خطوات كبيرة في الحد من الاعتماد على الطاقة الروسية، لا تزال دول مثل سلوفاكيا تعتمد بصفة كبيرة على الإمدادات الروسية.

ومع اقتراب الموعد النهائي لاتفاقية عبور الغاز، من المرجح أن تضطر سلوفاكيا إلى التعامل مع التوترات المتزايدة بين احتياجاتها الوطنية من الطاقة والتزاماتها الأوسع في إطار الاتحاد الأوروبي.

أزمة الطاقة في مولدوفا

تُعد أزمة الطاقة في مولدوفا نتيجة مباشرة للصراع الجيوسياسي الأوسع بين روسيا وأوروبا.

ومع انتهاء اتفاقية عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا في نهاية عام 2024، تواجه مولدوفا وضعًا محفوفًا بالمخاطر.

وقد قطعت البلاد، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي لسنوات، خطوات كبيرة في الحد من هذا الاعتماد، وتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة في عام 2023.

من جهتها، استبعدت جهود مولدوفا إلى حد كبير إقليم ترانسنيستريا، وهي منطقة انفصالية تدعمها روسيا، وما تزال تشكّل عقبة كبيرة أمام الاستقلال الكامل في مجال الطاقة.

وحذّر وزير الطاقة في مولدوفا، فيكتور بارليكوف، من أن روسيا قد تقطع عمدًا إمدادات الغاز إلى البلاد، باستغلال الطاقة سلاحًا محتملًا لزعزعة استقرار الحكومة وتقويض جهود مولدوفا للابتعاد عن النفوذ الروسي. ويُزداد هذا الخوف في فصل الشتاء، عندما يرتفع الطلب على التدفئة والكهرباء.

نتيجة لذك، استجابت حكومة مولدوفا بإعلان حالة الطوارئ في قطاع الطاقة، وهي الخطوة التي تسمح باستجابات سريعة لنقص الطاقة وانقطاعاتها المحتملة.

ولا يزال إقليم ترانسنيستريا يشكل قضية بالغة الأهمية، إذ تستمر المنطقة في الاعتماد على الغاز الروسي المورد إلى محطة الكهرباء كوتشيورغان التي تمثّل نحو 70% من كهرباء مولدوفا.

وعلى الرغم من أن مولدوفا تسعى إلى إنهاء هذا الاعتماد المتبقي الأخير على الطاقة الروسية، فإنها تواجه تحديات كبيرة في إيجاد مصادر بديلة للمنطقة.

وتُعد المخاطر الجيوسياسية عالية؛ إذ يتشابك أمن الطاقة في مولدوفا مع هدفها الإستراتيجي الأوسع المتمثل في إبعاد نفسها عن النفوذ الروسي والاقتراب من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وبالتالي فإن توجه مولدوفا نحو استقلال الطاقة يُعد قضية محلية، وهو عنصر أساسي في إستراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع.

في مواجهة هذه الأزمة، بدأت مولدوفا مناقشات مع شركة غازبروم الروسية لتأمين إمدادات الطوارئ، ما يسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب على البلاد تحقيقه بين السعي إلى استقلال الطاقة والحفاظ على العلاقات الضرورية مع روسيا.

وستكون لنتائج هذه المفاوضات آثار كبيرة في مستقبل الطاقة في مولدوفا وتوافقها الجيوسياسي.

ويهدد هذا الاضطراب، إلى جانب قرار أوكرانيا بوقف عبور الغاز الروسي بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2025، بتصعيد أزمة الطاقة المستمرة.

الغاز الروسي عبر خطوط الأنايب

وأعلنت مولدوفا حالة الطوارئ لمدة 60 يومًا، وحذرت السلطات من أنه إذا قُطعت إمدادات الغاز إلى إقليم ترانسنيستريا، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة إنسانية تؤثر في نحو 300 ألف شخص.

ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع إذا لم تُؤمّن إمدادات الغاز البديلة، ما يزيد من الضغوط على البنية التحتية للطاقة في مولدوفا ومواطنيها.

إلى جانب ذلك، أعلنت شركة برميير إنرجي Premier Energy، أكبر مورد للكهرباء في جمهورية مولدوفا، تنفيذ برنامج انقطاع التيار الكهربائي المخطط له بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2025.

يأتي هذا الإجراء في إطار استجابة الشركة للوضع الصعب للطاقة في البلاد، خصوصًا خلال ساعات الذروة عندما يكون نقص الطاقة أكثر حدة.

وسيجري تنفيذ الانقطاعات فقط في حال وجود عجز في الكهرباء في النظام، وستُصمم الخطة بناءً على حجم النقص ومدته، وسيجري تطبيقها بطريقة غير تمييزية ومتناسبة لضمان العدالة بين المستهلكين.

وستُستثنى القطاعات الحيوية، مثل المستشفيات ورياض الأطفال والمؤسسات التعليمية وغيرها من الخدمات الأساسية، من الانقطاعات.

وأكدت شركة برميير إنرجي التزامها بمراقبة الوضع من كثب، والتعاون مع السلطات المعنية وهيئة تشغيل نظام الكهرباء، وإبلاغ الجمهور من خلال قنوات الاتصال لديها.

ويهدف النهج الاستباقي للشركة إلى التخفيف من تأثير أزمة الطاقة على السكان.

التداعيات الجيوسياسية

يسلّط الوضع المتعلق بالطاقة في سلوفاكيا ومولدوفا الضوء على الطبيعة المعقدة والمتشابكة للطاقة والجغرافيا السياسية والأمن الإقليمي في أوروبا.

ونتيجة لتراجع إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا، فإن هذه البلدان تُركت لتواجه التداعيات الاقتصادية والسياسية.

وسوف تكون قدرة الاتحاد الأوروبي على تنسيق تنويع مصادر الطاقة وتأمين طرق الإمداد البديلة بصورة فاعلة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

وتعكس التوترات المستمرة بين هذه البلدان وألمانيا بشأن رسوم "الحياد المتوازن" انقسامات أعمق داخل الاتحاد الأوروبي حول طريقة إدارة أمن الطاقة في عالم ما بعد روسيا.

بالنسبة إلى مولدوفا، يمثّل انتهاء عقد الغاز الروسي الأوكراني نقطة تحول محتملة في جهودها الرامية إلى تحرير نفسها من مجال النفوذ الروسي.

ويرتبط تحرك البلاد نحو استقلال الطاقة ارتباطًا وثيقًا بأهدافها الإستراتيجية المتمثلة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وسوف تؤدي أزمة الطاقة التي تواجهها دورًا كبيرًا في تشكيل مسارها الجيوسياسي في المستقبل.

ويزيد خطر استعمال انقطاع إمدادات الطاقة سلاحًا من جانب روسيا من تعقيد البيئة الأمنية في مولدوفا.

وفي الختام، تؤكد أزمات الطاقة التي تتكشف في أوروبا الوسطى ومولدوفا المخاطر العالية التي تهدد أمن الطاقة في عالم متعدد الأقطاب.

ومع تكيف البلدان مع حقائق الطاقة الجديدة، تتم إعادة رسم المشهد الجيوسياسي، إذ تؤدي تدفقات الطاقة دورًا محوريًا في تشكيل التحالفات الإقليمية والعالمية.

وستكون قدرة هذه الدول على تأمين إمدادات الطاقة المستقرة والتعامل مع شبكة العلاقات الجيوسياسية المعقدة ركيزة لتحديد مستقبلها الإستراتيجي.

وتتجاوز آثار هذه الأزمة الضغوط الاقتصادية، حيث تحمل قدرة أوروبا على التعامل مع معضلة الطاقة هذه عواقب جيوسياسية واسعة النطاق.

ووسط تسابق الدول على المصادر البديلة وتحالفات الطاقة، فقد تتصاعد التوترات داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا بين الدول الأعضاء ذات المستويات المتفاوتة من الاعتماد على الطاقة والقدرة على الوصول إلى الإمدادات البديلة.

وفي الوقت نفسه، ربما ترى الولايات المتحدة وغيرها من الدول المصدرة للطاقة في هذا الوضع فرصة لتعميق نفوذها في سوق الطاقة في أوروبا، وهو ما قد يُعيد تشكيل التحالفات في السنوات المقبلة.

وفي ظل هذا النظام العالمي المتشرذم، تشكل أزمة الطاقة قضية اقتصادية، بالإضافة إلى كونها مسألة أمن قومي. ويعود ذلك إلى أن اعتماد أوروبا على الموردين الخارجيين قد يجعلها عُرضة للضغوط السياسية، خصوصًا من جانب دول مثل روسيا، التي أثبتت قدرتها على استغلال الطاقة سلاحًا.

وسوف يتطلّب المسار المستقبلي إعادة التفكير الإستراتيجي في البنية الأساسية للطاقة في أوروبا، وإيجاد توازن دقيق بين استقلال وأمن الطاقة والنمو المستدام.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق