العقاب الإلهي" أم "نتيجة للواقع السياسي؟".. جدل حول الحرائق في كاليفورنيا والحرب في غزة

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما تحترق أحياء كاليفورنيا، وتحولت آلاف المباني في قطاع غزة إلى أنقاض، بدأ العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي بتداول مشاهد الدمار على أنها "عقاب إلهي" أو "انتقام السماء". 
تلك المشاهد التي تزامنت مع اشتداد الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023، أثارت موجة من الجدل والتعليقات، حيث انقسمت الآراء بين مؤيدين لهذا التصور ورافضين له، ما دفع البعض إلى إعادة النظر في هذه الرؤية.

883.jpg
نازحين فى لوس أنجلوس

التيار المؤيد "لعقاب إلهي"

في الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، برزت أصوات تعبّر عن السعادة لمصائب الآخرين، معتقدة أن هذه الكوارث هي عقاب من السماء للدول التي تشارك في الصراعات الشرق أوسطية. 
هؤلاء يرون أن الدمار الذي حل بكاليفورنيا، وكذلك ما يحدث في غزة، هو نتيجة مباشرة لدعم الولايات المتحدة وحلفائها للكيان الإسرائيلي في صراعاته مع الفلسطينيين، خاصةً في ظل الحرب الحالية بين إسرائيل وحركة حماس.

على منصة "إكس"، كتبت الإعلامية الأردنية إيمان تعليقاً على الأخبار التي ذكرت تدمير لوس أنجلوس وحرب غزة: "إنّ الله عزيزٌ ذو انتقام". وشاركت الإعلامية العسكرية اليمنية راشد معروف صورًا لدمار لوس أنجلوس مع تعليق: "مشهد عظيم يسر الناظرين، هنا كانت مدينة لوس أنجلوس، ثاني أكبر مدينة أميركية"، مشيرًا إلى الحرائق التي اجتاحت المدينة بعد خطاب ترامب الذي توعد بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم.

وكتب أستاذ الأمراض الصدرية المصري، د. محمد الدسوقي، على "إكس": "دمر الكيان الفاشي غزة بالسلاح الأميركي ولكن الله أراد أن يذيقهم من جنس عملهم فأرسل عليهم الأعاصير تحرق وتدمر ديارهم". 

884.jpg
مستودع لمن تم اجلاءه من لوس أنجلوس


كما أشار الإعلامي العماني حمد الصواعي إلى أن "ترامب يواجه الجحيم الذي وعد به غزة".

ردود الفعل المعارضة: "رؤية قاصرة"

في المقابل، قوبل هذا التيار برفض كبير من آخرين اعتبروا أن هذه الرؤية تتسم بـ"الجهل بالحقائق" و"تجيير تفسيرات دينية قاصرة". فقد عبّر العديد من الفلسطينيين، بما في ذلك من قطاع غزة نفسه، عن رفضهم لهذه النظرة، مؤكدين أن هذه التصورات لا تعكس الواقع بل هي مجرد محاولة لتفسير الهزائم والدمار بشكل سطحي وديني.

وأعرب بعض النقاد عن أن هذا النوع من الخطاب يساهم في نشر الكراهية ويغفل عن المسؤولية السياسية والعسكرية للدول التي تشارك في هذه الصراعات. 
وتساءل البعض عن جدوى الاستمرار في هذه النظرة الدينية عندما يكون الواقع السياسي والاقتصادي هو الأساس في تفسير هذه الكوارث.

نظريات المؤامرة في الولايات المتحدة

أما في داخل الولايات المتحدة، فقد ظهرت بعض نظريات المؤامرة التي تربط بين الكوارث الطبيعية والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. 
البعض اعتبر أن الحرائق في لوس أنجلوس هي نتيجة مباشرة لسياسات البيت الأبيض، بينما ذهب آخرون إلى اعتبارها جزءًا من "الانتقام الإلهي" ضد الولايات المتحدة.
لكن هذه الآراء لم تقتصر على المحللين والمواطنين العاديين، بل امتدت لتشمل بعض الشخصيات العامة التي استخدمت منصاتها الاجتماعية للحديث عن هذا الموضوع.


رفض واسع لـ"العقاب الإلهي" في حرائق كاليفورنيا: دعوات للتعاطف والتفكير العقلاني

في الوقت الذي اجتاحت فيه حرائق لوس أنجلوس مشاهد من الدمار، كانت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحًا لجدل حاد حول تفسير هذه الكوارث الطبيعية، حيث تداول البعض فكرة أن ما يحدث هو "عقاب إلهي" للمسؤولين عن الأزمات في الشرق الأوسط، في حين جاء رد آخر من فئات عديدة ترفض هذا الطرح بشكل قاطع.

رفض "الشماتة" والاتهامات بالجهل والتطرف

في قلب هذا الجدل، أبدى عدد من الشخصيات العامة في العالم العربي، من بينهم مدير مؤسسة "ويصا" العقارية المصرية، فيليب ويصا، استياءه من التعليقات التي ربطت بين الحرائق وعقاب السماء، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الأفكار يعكس "جهلًا" و"تطرفًا". وطرح تساؤلًا مستنكرًا: "من هو الإله الذي تعبدونه؟"، داعيًا إلى الدعاء للشفاعة والرحمة في مواجهة المصائب، بغض النظر عن الأسباب.

أما الصحفية الفلسطينية أسماء الغول، المقيمة في فرنسا، فقد اعتبرت أن ما كتبته هذه الفئات يمثل "نظرة قاصرة وظالمة" للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، مؤكدة أن الفلسطينيين لا يرغبون في أن يكون العالم كله ضحايا لمصيرهم، مضيفة أن هذه النظرة تتضمن خللاً نفسيًا ودينيًا وإنسانيًا.

نقد فكري: دعوات لتأسيس بنية تحتية لمواجهة الكوارث

من جانبه، أكد الكاتب الصحفي عصمت منصور على أن من يعتبر الحرائق عقابًا إلهيًا ينسى أن "إمكانات الولايات المتحدة الهائلة حدّت من وقوع ضحايا"، مشيرًا إلى أن هذه الحرائق، إذا حدثت في بلد إسلامي، كانت ستؤدي إلى مئات الآلاف من الضحايا دون أي تعويض. وأضاف منصور أن الأولى بالمجتمعات العربية والإسلامية، بدلًا من "الشماتة"، هو بناء بنية تحتية قادرة على مواجهة الكوارث البيئية المشابهة.

"تيار ثالث" يواجه الهجوم: رؤية مختلفة من لوس أنجلوس

وفي داخل لوس أنجلوس نفسها، ظهرت تعليقات مغايرة لهذا الجدل، حيث خاطبت سيدة مسيحية تدعى "الأم ماجي" عبر بث مباشر على فيسبوك، المسلمين "الشامتين" بالحرائق، معتبرة أن مدينة لوس أنجلوس تضم "فنانيين ومثليين وملحدين"، وبالتالي فإن "الخالق لا يُسأل عن حماية من يرفضه". 
وفي رد آخر، قال الكاتب العراقي الفضل أحمد، عبر حسابه في فيسبوك: "في لوس أنجلوس أكثر من 500 ألف مسلم و250 مسجدًا. إذ لا تميز النيران بين الأديان والأشخاص، فقد أصابت الجميع". وأضاف أحمد أن تحميل "الانتقام الإلهي" مسؤولية الحرائق هو "تهرّب من الخسارات المتتابعة في الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تعكس عدم اعتراف بعض الأفراد بالهزيمة، وغياب المراجعة الحقيقية للمآسي.

رجال الدين: تباين في وجهات النظر حول تفسير الكوارث

كما انضم رجال الدين المسلمين إلى الجدل، حيث رفض العديد منهم هذه النظرة، واعتبروا أن الحرائق ليست "انتقامًا إلهيًا" أو "رد فعل لأمة ضعيفة". فقد أكد الدكتور حمادة القناوي، الأستاذ الأزهري، أن ما يحدث هو "سنن وأقدار احتفظ الله بتوقيتها وأسرارها"، مشيرًا إلى أن تفسير الكوارث بطرق دينية قاصرة قد يؤدي إلى الخلط بين "الابتلاء" و"العقوبة".

النظرة العقلانية للحرائق: تفسير علمي ومفاهيمي

وفي نهاية المطاف، استند كثير من المنتقدين لفكرة "العقاب الإلهي" إلى الحقائق الجغرافية والبيئية حول كاليفورنيا، مؤكدين أن الحرائق في هذه المنطقة تحدث بشكل دوري نتيجة لعوامل طبيعية وسلوكية محددة، أبرزها الظروف الجوية الحارة والجفاف. 
وقد اعتبر البعض أن التفسير الديني للكوارث في دول غير إسلامية ككاليفورنيا هو تناقض مع التفسير الذي يُقدم في دول إسلامية وعربية، حيث تُعتبر الكوارث في هذه الأخيرة "ابتلاء واختبارًا من الله".


واخيرا وليس آخر، يستمر الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي حول تفسير الكوارث الطبيعية مثل حرائق كاليفورنيا وحرب غزة،  ولكن يبقى السؤال الأهم: هل هذه الكوارث "عقاب إلهي" كما يراها البعض، أم أنها نتيجة لعوامل طبيعية أو سياسية تتطلب منا تفكيرًا عقلانيًا ونقدًا بناءً؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق