تقليص الهوة بين الإيمان والسلوك اليومي يشغل المجلس العلمي الأعلى

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يقدّم دليل مرجعي صادر عن منشورات المجلس العلمي الأعلى تفاصيل تأصيل وفهم وتنزيل “خطة تسديد التبليغ” التي هي مشروع “تسعى من خلاله مؤسسة العلماء، برعاية أمير المؤمنين، إلى النهوض بأمانة العلماء في واجب تبليغ الدين من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة في المعيش اليومي للناس، حيث تكون لإيمانهم وعباداتهم ثمرات تنعكس على نفوسهم بالتزكية وصلاح الباطن وعلى سلوكهم بالاستقامة وصلاح الظاهر”.

وتسعى هذه الخطة إلى “تقليص الهوة بين فضائل الدين وبين أعمال كثير من الناس البعيدة عن تلك الفضائل، وإلى وصل ما انفصل في تاريخ المسلمين بين إيمانهم وتصديقهم الذي وقر في قلوبهم وبين أقوالهم وأفعالهم الصادرة عن جوارحهم، وكأنه لا علاقة لأحدهما بالآخر ولا تأثير لأحدهما في الآخر”.

بين الدين والتدين

يحضر الدين في هذه الخطة “باعتباره مصدر سعادة للناس في حياتهم الدنيا قبل الآخرة، كما يحضر فاعلا تنمويا داعما لبرامج النهوض والتنمية في قطاعات التربية والتعليم والاقتصاد والصحة والأسرة والمجتمع والبيئة… ومساهما في الحد من آفات تعاطي المخدرات، والوقوع في الجرائم، وحوادث السير، والارتشاء، والخيانة، والغش، والكذب، والكبر… ومنميا للوازع الذاتي في الوظائف والمهن والمسؤوليات المختلفة وفاء وإخلاصا، التزاما، وإتقانا… ذلك أن الالتزام بهذه القيم المادية والمعنوية كان ولا يزال عاملا حاسما في نهضة الأمم وتقدمها، كما كان للإخلال بها الدور الحاسم في سقوطها وانحدارها”.

وتنزل هذه الخطة عبر “وسائل التبليغ والتكوين المختلفة في خطبة الجمعة، ودروس الوعظ والإرشاد، وبرنامج ميثاق العلماء، والمحاضرات، والندوات الداعمة، وكذا في مقررات معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ومدارس التعليم العتيق، وفي دروس التوجيه والتوعية عبر وسائل الإعلام والتواصل السمعية والبصرية”.

وذكرت وثيقة المجلس العلمي الأعلى أنه “ينتظر أن يكون هناك تعاون مع المؤسسات المسؤولة عن قطاعات العمل المذكورة، حيث ستحضر خطة تسديد التبليغ داعمة لجهودها ومسندة لأعمالها بقيم الدين وأخلاقه الضرورية المخفضة للكلفة المادية والمعنوية عن الأفراد والأسر والدولة”.

وإذا كان الدين “من الحقائق الوجودية الكبرى التي خلق الله تعالى الناس من أجلها”، فإن المجلس العلمي الأعلى أردف أن “التدين كسب الأفراد والمجتمعات البشرية عبر التاريخ من تلك الحقيقة؛ وهذا التدين الفردي والاجتماعي هو الذي ينبغي أن يقوم باستمرار، فمتى أصابه الوهن وجب وصله بمعاني تلك الحقيقة من جديد لاستئناف دورة جديدة من الحياة”.

كما أن “طلب الأخلاق والفضائل قديما، ومطلب تخليق الحياة حديثا، الغاية الإنسانية الكبرى التي تنشدها النظم الفلسفية والتربوية والاجتماعية والسياسية؛ فبها تستقيم الحياة وتطيب، وبها يحصل الأمن والطمأنينة، وبها يتحقق التضامن والتعاون، وبها تدرأ المفاسد والآفات”.

وتروم الخطة، إذن، “تجاوز الفهم القاصر الذي يحصر نطاق التعبد لله تعالى في إقامة ظاهر بعض الشعائر، وفي التردد على مجال العبادة وحدها؛ ظنا من المتدين صاحب هذا الفهم أن أعماله الأخرى في الإدارات والمؤسسات والمتاجر والمهن وسائر المرافق العامة ليست مشمولة بالتعبد ولا يترتب عليها جزاء ثوابا كان أو عقابا؛ وهذا ما يبرر ازدواجية سلوك كثير من الناس في تمثلهم لأحكام الدين وقيمه، طاعة في أعمال ومعصية في أخرى، علما أن المتدين محوط بأحكام الشريعة والتكليف في جميع أحواله وفي كل أعماله حيثما كان”.

الخطة عمليا

خطة “تسديد التبليغ”، وفق دليلها المرجعي، “تجديد لمهنجية الاشتغال، التي ينبغي أن تكون مواكبة لتجديد التصور والرؤية للعمل؛ ذلك أنه ما لم يقع تجديد على هذا المستوى، تبقى قيم الدين، بمقاصدها وقدراتها الهائلة على الإصلاح والتغيير موقوفة ومعطلة، ما لم تلق استجابة وتفاعلا من المكلفين الحاملين لها”.

وتركز الخطة على التذكير بأخلاق الإسلام وآدابه في معاملات الناس وعلاقاتهم المالية والتجارية والاجتماعية والأسرية؛ ولا سيما فيما يتعلق بتجنب الغش والخيانة، وبالحرص على الوفاء بالعقود والعهود، والنظر في فرص التقليل من الفقر والحاجة من خلال استثمار الزكاة والإنفاق التطوعي والإحسان العام، والترغيب في الزواج متى تيسرت أموره، والتقليل من نسبة كلفته، والتدخل لإصلاح ذات البين في حالات النزاع والخصومة، والتوجيه والإرشاد في حالات شرود واضطراب بعض الأبناء، والرفع من مستوى الوعي بالتربية الجنسية السليمة في اتفاقها مع المبادئ الدينية والضوابط الأخلاقية، وفي مراعاتها لسن ورشد التكوين، ورصد حالات المشاكل الزوجية، مثل العنف ضد المرأة، ونسب الطلاق، ومعالجتها بالطرق الحكيمة التي تحافظ على شمل الأسرة واستقرار الأبناء فيها، والتحسيس بآثار الطلاق ومخاطره على الأولاد خاصة، وعلى المجتمع عامة، ومراعاة حقوق الجار بحسن معاملته”.

كما تعمل على إقناع أولياء الأمور بمواصلة دعم أبنائهم ومساعدتهم على التمدرس، ولا سيما الفتيات، والبحث عن مساعدات عينية لأولياء التلاميذ المعوزين، وصيانة بيئة دائرة الحي، والرفع من مستوى تفعيل إجراءات النظافة في المحيط، والوقاية من الأمراض وانتشار العدوى بين الناس، والتشجيع على ممارسة الرياضات المختلفة للكبار والصغار، وتنظيم المسابقات التحفيزية في ذلك.

وتروم الخطة “إحياء روح التضامن والتعاون بين الناس على أوجه الخير والبر المختلفة، بالتشجيع على البذل والعطاء وعلى الإحسان والتكافل عموما؛ لكن على وجه أخص، تنبيه الناس إلى وجوب إخراج زكاواتهم التي أمر الله تعالى بها لمستحقيها. ويمكن لكل حي أو قرية في خطة التجريب تنظيم أوجه الإحسان والتكافل بما يقلل من حالات الاحتياج، أو الأمراض المستعصية، وسائر الخدمات الأسرية والاجتماعية”. كما تهتم بـ”صون المساجد ووظائفها الثابتة، من جهة وقايتها من التشويش والمنازعة وأسباب الفتنة والخلاف، ومن جهة تنميتها عناية بكتاب الله، وبسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنشطة العلمية الأخرى المقررة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق