قال باحثون في الشؤون القانونية والقضائية إن “سرقة أغطية البالوعات المنتشرة منذ سنوات عديدة، التي تؤدي إلى آفات جمّة، لا تصل دائماً إلى التداول الإعلامي، صارت تتطلب تشديد العقوبات في حقّ كل من يتورط في انتشال الغطاء عن حفر الصرف الصحي”، معتبرين أن “من يقومُ بهذا الفعل الإجرامي يعي مسبقا بأن هناك كارثة من المرتقب أن تحدث بغض النظر عن طبيعتها ودرجة خطورتها”.
وبعد أيام من وفاة طفلة ببركان تداولت منابر وطنية لقطة مصورة للصّ يحاول نزع غطاء بالوعة في ممر للراجلين، ما يعني تهديد حياة وصحة كل المارين في هذه المنطقة؛ ولذلك أورد باحثون في القانون أنه “حان الوقت كي يتحرك الفصل 403 من القانون الجنائي حين يتسبب هذا الفعل عن وفاة أحد المواطنين”، منبهين إلى وجود قضايا يتابع فيها السارق بـ”تخريب ممتلكات عمومية”.
وينص هذا الفصل من قانون العقوبات المغربي على أنه “إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكب عمدا ولكن دون نية القتل، ومع ذلك ترتب عليه الموت، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة”، مضيفاً أنه “في حالة توفّر سبق الإصرار أو الترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة السجن المؤبد”.
“تشدد ضروري”
المختار أعمرة، أستاذ القانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، قال في هذا الصدد: “إذا كانت الجريمة متوقعة فيجب أن يتابع بها، فأحيانا تكون نتيجة القيام بالسرقة تعريض الناس للخطر، وبالتالي قتلهم دون نية إحداث ذلك”، مسجلا أن “سرقة أغطية بالوعات الصرف الصحي صارت متكررة وتؤدي إلى مآس حقيقية، منها ما لم يتعاط معها الإعلام، واتخذت طابعا محليا”.
وأورد أعمرة، ضمن تصريحه لهسبريس، أن “الأمر صار يتخذ صورة خطيرة بعد تكراره منذ سنوات نتيجة التهاون في العقاب”، مبرزا أن “فعل السرقة يقوض وسائل وضعتها السلطات لحماية الراجلين والمواطنين، فحين يتم اقتلاعها يتم ضرب أسس الحماية”، وزاد: “هذه ليست سرقة عادية، وأي حادثة ترتبت عليها، سواء كانت عاهة مستديمة أو عجزا دائما أو مؤقتا تجب متابعة الفاعل بالنتيجة المتحققة وليس بفعل السرقة في حد ذاته”.
وأشار الجامعي والباحث إلى أن “هذا يشمل بالضرورة القتل دون نية إحداثه، لكون المتهم ينتشل بالوعة ويعرف أن نتائج فعله غير متوقعة”، مشددا على أنه “عندما يقضي مواطن لسبب مشابه لابد من تكييف الجريمة ومتابعة المتهم بتعريض حياة شخص لخطر أدى إلى وفاته، وبالتالي نعتبره شريكا في جريمة القتل دون نية إحداثه، لأننا نعرف أن هناك الشريك والمساهم والفاعل المعنوي”.
“تكييف ممكن”
بشأن إمكانية تكييف القضية على أنها قتل دون نية إحداثه قال عبد العزيز خليل، باحث في القانون، إن “الفعلين الجرميين مستقلين”، مسجلا في الوقت ذاته أن “سقوط أشخاص في بالوعات سُلبت أغطيتها يسائل الفاعلين العموميين والشركات المدبرة بسبب التقصير؛ لكونها كانت بالضرورة على بينة بتعرض غطاء البالوعة للنهب من طرف مجهولين؛ وبالتالي هنا تقع المسؤولية”.
وأورد خليل، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الفعل الجرمي تم ارتكابه من طرف اللص، ويمكن للمتضرر أيضا تحريك الدعوة ضدّ المسؤولين والشركة المدبرة”، وزاد: “إنهم لم يتفاعلوا مع الوضعية لتوفير الحماية اللازمة للمواطنين أو تنبيههم إلى الخلل الموجود في أرجائهم”، مضيفاً أن “القضاء يمكنهُ أن يتّجه نحوَ التّشدد في إصدار الأحكام في القضايا المماثلة، بالنظر إلى كون هذه الأفعال باتت تتكرر”.
ولفت الباحث في القانون كذلك إلى “ضرورة تقدير الأضرار الناجمة عن بالوعات الصرف الصحي المكشوفة حين يسقط فيها أحد المواطنين”، معتبراً أن “الحل حاليّا هو تسريع التدخل كلما رُصدت بالوعة لا غطاء لها، فيما يتولى القضاء التقصير أو الأفعال الإجرامية التي تكتسي صبغة جنائية حين يقوم بها السارق الذي يخرب ممتلكات عمومية ويدري أن ذلك تترتب عليه كوارث، لكنه يمعن في القيام به، في ضرب صارخ للقانون والأخلاق المجتمعية”.
0 تعليق