لقاء يستلهم تجارب أوروبية في رقمنة إجراءات مهنة المحاماة بالمغرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حلّت رقمنة الإجراءات بالنسبة لمهنة المحاماة ضيفاً على نقاشات لقاء نظمته، مساء السبت بالرباط، جمعية هيئات المحامين بالمغرب، بشراكة المجلس الأوروبي للعدالة (CEPEJ)، في إطار موائد مستديرة ينظمها الأخير بدعم تنفيذي من مكتب “مجلس أوروبا” بالمغرب في إطار برنامج MA-JUST” 2024-2027″.

وتسعى الفعالية، التي تدارست تجارب أوروبية رائدة (بلجيكا، فرنسا وسويسرا) في رقمنة العدالة وأثرها على مهنة البذلة السوداء، إلى “تدارس التحديات والرهانات التي تطرحها الرقمنة في ميدان العدالة”، لرسم “ملامح نموذج رقمي ملائم للمنظومة القانونية والقضائية المغربية، يحترم خصوصياتها، ويصون الثوابت الأساسية لمهنة المحاماة، خاصة استقلاليتها، وحقوق الدفاع، وسرية المعطيات، وضمانات المحاكمة العادلة”.

وبمناسبة اللقاء المعنون بـ”المحامي والإجراءات الرقمية: نظرة على التجارب الأوروبية”، قال النقيب الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، بحضور نقباء ومحامين، وخبراء قانونيين من المغرب ودول أوروبية، إن “هذه الندوة تضع مهنة المحاماة في صلب النقاش حول التحول الرقمي في مجال العدالة”.

وشدد الزياني، خلال كلمة افتتاحية للقاء الذي انتظم في ورشتيْ نقاش، على أن “الرقمنة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة يجب أن تُصاغ بحكمة، وتُكيّف وفق رؤية متوازنة تحترم المبادئ الأساسية للعدالة”؛ معتبرا أن “هذه الندوة تشكل فرصة ثمينة لتبادل التجارب والخبرات واستشراف سُبل الاستفادة من التجارب الأوروبية بما يتلاءم مع واقعنا، ويحقق معادلة ناجعة بين الابتكار واحترام القيم الجوهرية للمهنة”.

فرص تقابلها إشكالات

لم يُخف النقيب ذاته أمله في أن “تثمر نقاشاتنا عن توصيات عملية تسهم في صياغة تصور متوازن لرقمنة العدالة في المغرب؛ بما يحقق النجاعة دون التفريط في روح العدالة وعمقها الإنساني”، حسب تعبيره، موردا أن الموضوع يعد “استحقاقا يفرضه الواقع، وضرورة تقتضيها دينامية العصر، حيث صارت الرقمنة حجر الزاوية في تحديث المنظومات القضائية عبر العالم، وأحد المحددات الجوهرية لمستقبل مهنة المحاماة”.

وبما أن الرقمية شأنٌ “تقني يحمل في طياته فرصا” فإنه يثير، بحسب رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، “إشكالات جوهرية لا يمكن التغافل عنها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعدالة باعتبارها ليست مجرد معادلة تقنية، بل قيمة إنسانية وأخلاقية؛ فالرقمنة وإن كانت تَعِدُ بجعل الإجراءات أكثر بساطة وسرعة فإنها في المقابل تطرح أسئلة جوهرية حول أثرها على استقلالية المهنة، وضمانات المحاكمة العادلة، وحقوق المتقاضين”، بتعبيره.

وأجمل الزياني: “مسؤوليتنا كمحامين ليست فقط التكيف مع الرقمنة واستيعاب أدواتها، بل أيضا السهر على أن يكون هذا التحول الرقمي في خدمة العدالة، وليس على حسابها، وهو ما يضع المحامي أمام دور مركزي”. مسجلا أن “المغرب، مثل باقي الدول، بدأ تبني الرقمنة في قطاع العدالة من خلال مجموعة من المبادرات، من بينها مشروع ‘MA-JUST’، ورقمنة بعض المساطر القضائية، وإطلاق منصات إلكترونية لتقديم الطلبات والتصريحات؛ وهذه خطوات إيجابية لا يمكن إنكارها، لكنها تبقى مجرد بداية في مسار طويل يتطلب حكمة وتبصّرًا”.

شروط أساسية للإنجاح

“لا يمكن للرقمنة أن تكون مجرد آلية لتسريع البت في القضايا دون أن نطرح السؤال الجوهري: هل تُحقق هذه السرعة العدالة أم فقط تقلص الآجال؟”، تساءل المتحدث، موردا: “لا يمكن للتكنولوجيا أن تكون بديلاً عن المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، ولا عن الدور المحوري للمحامي كفاعل أساسي في تحقيق التوازن داخل منظومة العدالة”.

وترى جمعية هيئات المحامين بالمغرب أن “نجاح التحول الرقمي رهين بعدة شروط أساسية”؛ أبرزها وفق رئيسها “إطار قانوني متوازن”، و”تعزيز التكوين والتأهيل”، فضلا عن “حماية سرية المعطيات واستقلالية المهنة” وانتهاج “مقاربة تشاركية”.

فعالية وشفافية

من جهتها ثمّنت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالمغرب، كارمن مورتي غوميز، “أهمية مساهمة رقمنة مسار العدالة ومساطر القانون في تقوية ضمانات ممارسة مهنة المحاماة والمحاكمة العادلة”، مشددة على أن الرقمنة “تتيح رفع مستوى فعالية وشفافية النظام القانوني-القضائي”.

وأشارت غوميز، ضمن كلمتها خلال اللقاء، إلى كون المملكة “شريكاً محورياً لإصلاح العدالة بالمغرب، بتعاون وثيق مع المجلس الأوروبي للعدالة”، مستدعيةً بتثمين كبير “تجربة تحديث عمل المحاكم ومساطرها الإجرائية بالمغرب”.

وأضافت المتحدثة أن “المحامين المغاربة بإمكانهم الاستفادة من خبرات نظرائهم الأوروبيين لتحسين شفافية العمل وترقية مستوى الترافع، في ضمانٍ كامل للسرية وحماية المعطيات الشخصية للمرتفقين في مسار رقمنة مندمج”.

كما لفتت المسؤولة عن مكتب مجلس أوروبا إلى ضرورة تعزيز تعاون هيئات المحامين بالمغرب مع التجارب الرائدة أوروبياً في مسار رقمنة عدالتها؛ وبالأخص ممارسات محاميها.

تجارب ونقاشات

شهد اللقاء ذاته عروضاً لثلاث حالات وتجارب من دول أوروبية متعددة؛ تلتْها نقاشات بين المشاركين لتابادل الرؤى والممارسات الفضلى.

وبينما قدّم المحامي المسجل بهيئة بروكسيل جون فرنسوا هينروت مميزات التجربة البلجيكية في رقمنة المهنة ومساطرها، أبرزت المحامية ستيفاني إنسيناس، من مكتب هيئة محامي باريس، كيفية عمل الأخيرة ونماذج لمساعدة الأتمتة والرقمنة في تحسين ورفع كفاءة المساطر.

أما سارة بن لاغا، الخبيرة في التحول الرقمي والباحثة في الجريمة السيبرانية، فاستعرضت التجربة السويسرية في رقمنة مهن العدالة، مؤكدة أنه عبر “إستراتيجية المغرب الرقمي 2030” فالمملكة واعية بالرهان الرقمي في قطاعات ومهن ومساطر وإجراءات ليست في عمقها قانونية.

وعبر مداخلته “هل المغرب مستعد لعدالة رقمية e-justice؟” أكد عبد الرفيع ارويحن، مدير سابق للتعاون والتحديث بوزارة العدل المغربية، أن المنجَز مثلا عبر “بوابة محاكم.ما” ومجهودات رقمنة المهن القانونية تعترضه تحديات هشاشة البنية التحتية الرقمية بالمغرب، فضلا عن ارتفاع “الكلفة الرقمية”؛ قبل أن يختم بأن الحلول التمويلية التشاركية يمكنها أن تشكل الإجابة العملية لمشاريع رقمنة واعدة في القطاع.

وخلصت النقاشات، حسبما تابعته هسبريس، إلى “أفكار وتوصيات بارزة” أهمها “ضرورة” مدّ كل محام وربطه بمنصة بريد إلكتروني مهني خاص بكل هيئة، مع “ضمان حماية المعطيات وسرية الملفات في علاقة بالسيادة الرقمية للبلاد”، في أفق بلورتها ضمن مناظرة وطنية مستقبلا لتعميق نقاش الموضوع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق