على بعد أمتار قليلة من منزل قنصل الولايات المتحدة الأمريكية بالدار البيضاء، تثير إقامة “فلوريال”، الكائنة بزنقة أنفا في عين الذئاب بمقاطعة أنفا، جدلا كبيرا بعد محاولات إفراغها من القاطنين فيها، مغاربة وأجانب، بداعي وضعيتها التي تهدد سلامتهم وسلامة المباني المجاورة.
بداية القصة
في مكان راقٍ بالعاصمة الاقتصادية حيث يسود الهدوء والأمن بمحاذاة منزل القنصل الأمريكي، تثير الانتباه الأشغال التي بدأت تعرفها إقامة “فلوريال” المملوكة لشركة معروفة.
أشغال على قدم وساق، تثبيت لدعائم حديدية، وأشغال داخل بعض الشقق، بينما أسر ما تزال تعيش داخل البناية المكونة من طابق سفلي وخمسة طوابق علوية.
بدأت قصة هذا النزاع عندما سعت مالكة العقار المذكور سنة 2019 لإجراء إصلاحات وترميم بهذه العمارة التاريخية المدرجة ضمن لائحة الجرد العلمي للتراث المعماري لمدينة الدار البيضاء، واستصدارها رخصة تغيير ملامح الشقق التي يقطن فيها السكان.
لم يستسغ القاطنون منح صاحبة المشروع العقاري ترخيصا من طرف جماعة الدار البيضاء قصد إجراء إصلاحات بالعمارة، قبل أن يتوصلوا بإنذار من أجل الإفراغ لمباشرة الأعمال المذكورة.
ولم تجد الساكنة أمام هذا الوضع من حل سوى اللجوء إلى القضاء من أجل وقف الحكم بالإفراغ، حيث قضت المحكمة الابتدائية المدنية في الملف عدد 401/1302/2020 برفض طلب الشركة، بناء على تقرير خبير خلص إلى أن جميع الفحوصات التي قام بها للعقار تثبت وبشكل لا يدع مجالا للشك أن الهيكل العام للشقة في حالة جيدة ولا يشكل أدنى خطر، وأنه لا توجد تشققات أو تصدعات هيكلية قد تشكل خطرا على سلامة السكان، وأن الأشغال لا تشكل خطرا على الساكنة من ناحية السلامة ويمكن مباشرتها دون إجلاء الساكنة.
معاناة متواصلة
تواصل مسلسل الرعب كما تحدثت عن ذلك الساكنة لجريدة هسبريس الإلكترونية خلال زيارة قامت بها إلى هذه العمارة، واستمرت معاناتها في انتظار إجلاء القاطنين الرافضين لذلك.
ومع استمرار احتجاج السكان، وضمنهم فرنسي كهل، خصوصا بعد اللجوء إلى وقف تزويد الشقق بالماء والكهرباء قبل تدخل القنصل الفرنسي وإعادة الأمور إلى سابق عهدها، ستنتقل لجنة مختلطة يرأسها قائد الملحقة الإدارية الثامنة عين الذئاب، وفق محضر معاينة، لتقف على بعض الاختلالات في الورش المذكور، من بينها عدم تثبيت الحاجز الوقائي للورش واللوحة الخاصة به، ناهيك عن أن أشغال هدم داخلية بالبناية غير مطابقة للتصميم المرخص.
ووفق محاضر المعاينة المنجزة من لدن السلطات بعمالة مقاطعات الدار البيضاء أنفا، وبناء على المحضر المنجز بتاريخ 20 يونيو 2024 على ضوء الشكاية التي تقدمت بها الشركة المالكة للعقار، فقد خلصت اللجنة إلى دعوة مالك العمارة إلى اتخاذ كافة التدابير التقنية الوقائية والاستعجالية الضرورية درءا لأية أخطار قد تهدد سلامة البناية وشاغليها وكذا الجوار مع العمل على تجديدها وصيانتها وإعادة تأهيلها.
أما محضر المعاينة المنجز بعد أسبوع من إنجاز المحضر الأول، أي بتاريخ 28 يونيو 2024، فهو يناقض المحضر السابق، إذ يفيد بأنه “نظرا للوضعية المزرية التي آلت إليها البناية، قامت الشركة مالكة العقار بتثبيت دعائم حديدية على مستوى جميع الطوابق تحسبا لأي طارئ فجائي”.
وخلصت اللجنة، وفق المحضر دائما، إلى رفع توصية قصد إصدار قرار جماعي استعجالي بمنع النزول والسكنى بالبناية، مع دعوة مالك العقار إلى اتخاذ كافة التدابير الوقائية الاستعجالية الضرورية لدرء أية أخطار قد تهدد سلامة البناية وشاغليها والجوار.
رفض الإجلاء
يؤكد السكان على لسان السيدة مليكة صدقي أنهم سيواصلون النضال ومواجهة هذا القرار، متهمين السلطات بعمالة مقاطعات الدار البيضاء أنفا بعدم القيام بدورها في حمايتهم.
وقالت صدقي إنهم سيسلكون جميع المساطر القانونية والقضائية من أجل مواجهة هذه الخطوة، مشددة على أن البناية غير مهددة بالانهيار.
وأوضحت السيدة نفسها أنه رغم تثبيت الأعمدة الحديدية والأشغال الجارية، ورغم الزلزال الذي شهدته البلاد مؤخرا، إلا أن البناية قوية وصامدة ولا مؤشر على انهيارها، موردة أن جميع الخبرات المنجزة تبين صلابتها وعدم وجود ما يؤثر على الساكنة.
وقالت المعنية بالأمر: “إذا كانت هذه البناية مهددة بالانهيار، فإن ذلك يستوجب إفراغ البنايات المجاورة لها حماية لقاطنيها كذلك، بما فيها منزل القنصل الأمريكي المحاذي للعمارة”، مطالبة بوقف الأشغال الجارية بالبناية.
رواية الشركة
برأت المحكمة الزجرية الابتدائية بعين السبع الممثلةَ القانونية للشركة المالكة للعقار من تهمة إدخال تغييرات على العقار مخالفة للرخصة الممنوحة لها وعدم الحصول على رخصة بذلك.
وقضت المحكمة المذكورة في حكم صادر بتاريخ 28 نونبر 2023 ببراءة المدعية الشركة العقارية وتحميل الخزينة العامة الصائر، وبعدم الاختصاص للبت في المطالب المدنية.
وأكدت الشركة في مذكرتها الدفاعية أن المتابعة تفتقد للأساس القانوني والواقعي، حيث أن جنحة البناء بدون رخصة المنسوبة إليها لم تحدد نوع التغييرات التي تم القيام بها في مخالفة للأشغال المرخص بها.
ولفت الدفاع إلى أن الرخصة الممنوحة للشركة منحت لها من أجل إحداث تغييرات بالعقار، وبذلك فإنها رخصة قانونية مسلمة لها من جهة مختصة بناء على قرار عن رئيس المجلس الجماعي للدار البيضاء.
وأفادت محامية الشركة بأنه ابتداء من الحصول على رخصة بإجراء تغييرات بالبناية بتاريخ 08/11/2019، “تم إشعارها للسكان بإخلاء محلات سكنهم من أجل البدء في الأشغال عن طريق إنذارات تم توجيهها إليهم طبقا للطرق القانونية، وبعد استنفاد الأجل وامتناع الساكنة عن الاستجابة لهذه الإنذارات بالإخلاء للضرورة الملحة، تقدمت في مواجهتهم بدعاوى قضائية من أجل استصدار أحكام بالإخلاء طبقا لما يقتضيه القانون، فكان رد فعل الساكنة هو التوجه بشكاية للجهات الإدارية المختصة تضمنت مزاعم ووقائع لا علاقة لها بقانون التعمير ولا بالإشغال المراد إنجازها، مستندين في ذلك على معاينات منجزة بناء على طلبهم”.
وأكدت الشركة في روايتها أنها قبل البدء في الأشغال “قامت بتكليف مكتب متخصص للدراسات التقنية الذي أنجز خبرتين على العقار حدد فيهما للعارضة الأشغال والتغييرات التي يمكن لها إنجازها طبقا للترخيص حسب الترتيب الزمني والتسلسلي”، مضيفة أنها تتوفر على دفتر الورش مسلم لها من طرف الجهات المختصة، إلى جانب كون القائد حرر محضرا باستئناف أشغال الورش بعد قيام الشركة بإصلاح المخالفات من وضع للسياج وتعليق لوحة الورش.
رواية المقاطعة
أما مقاطعة أنفا، ووفق مصادر من داخلها، فإن إصدارها قرار الإفراغ لهدم البناية التاريخية، يرجع إلى التوصل بخبرة تقنية تفيد بأنها آيلة للانهيار.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن المقاطعة أصدرت هذا القرار خوفا من وقوع كوارث في حالة انهيار البناية.
وأصدرت مقاطعة أنفا قرارا يقضي بمنع النزول والسكنى بالبناية، مع اتخاذ الإجراءات الاستعجالية لدرء الخطر حفاظا على أمن وسلامة الساكنة والجوار.
كما ألزمت المقاطعة مالك العمارة بالقيام بالإجراءات والتدابير الاستعجالية الضرورية لدرء الخطر، ويتعين عليه تدعيمها وتجديدها وصيانتها بما يضمن متانتها وسلامة الجوار.
وجاء إصدار هذا القرار، الذي اطلعت عليه هسبريس، بناء على شكاية الشركة مالكة العقار، وكذا بناء على خبرة منجزة من طرف مكتب دراسات.
0 تعليق