في خضم سعي المغرب إلى اتباع أحدث الطرق في تدبير وتثمين موارده المائية، التي تراجعت جراء توالي سنوات الجفاف الهيكلي، تمكّن مؤلف علمي يسلط الضوء على دور الاستشعار عن بعد والتقنيات الحديثة في إدارة المياه، أُنجز بتنسيق من باحثين مغربيين بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ومشاركة آخرين من جامعات مغربية متعددة، من حجز مكان له، ضمن قاعدة “سكوبس” scopus، “القاعدة الأكثر تصنيفا وتأثيرا في البحث العلمي، عالميا”.
كتاب “توظيف الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية في مجال الهيدرولوجيا، الصادر باللغة الإنجليزية تحت عنوان ” Remote Sensing and GIS Techniques in Hydrology”، تطرّق بتفصيل، وفق الجهة المنسقة له، إلى دور هذه الأنظمة في حوكمة تدبير الماء، خصوصا بالنظر إلى مساهمتها بتحديد المواقع الأكثر ملاءمة لبناء السدود، والكشف عن ظواهر طبيعية مقلقة كزحف المياه المالحة على العذبة بالسواحل المغربية.
ووفق المعطيات التي توفّرت لهسبريس، فإن الكتاب، الذي يقع في 370 صفحة والذي يحتوي على عشرة فصول، أُعد بتنسيق من الأستاذ الباحث محسن بطشي والباحث عادل مومن عن كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، ومشاركة 25 باحثا مغربيا من الأخيرة، وجامعات محمد الخامس بالرباط والقاضي عياض بمراكش والحسن الثاني بالدار البيضاء وأبي شعيب الدكالي بالجديدة، فضلا عن 22 باحثا أجنبيا من دول مختلفة.
دلالات علمية
الأستاذ الباحث محسن بطشي، أحد منسقي الكتاب، كشف أن “هذا المؤلف، الذي صدر نهاية سنة 2024 وجرى تصنيفه من قبل مكتبة الكونغرس الأمريكي خلال الفترة نفسها، تضمن مقالات علمية عديدة حول الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية”.
وأبرز بطشي، في دردشة مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “بالنظر إلى تحتيم المجال العلمي توطين مجال الدراسات، فقد تمكن الباحثون المغاربة من اعتماد خرائط المغرب كاملة؛ ما يعني أن اعتماد الكتاب من قبل المكتبة الأمريكية المذكورة يمثل ترسيخا للموقف الأمريكي الداعم لمغربية الصحراء، ومساهمة من الجامعة المغربية في الدبلوماسية الموازية”، مؤكدا أن “دراسة كافة المناطق المغربية له قيمة علمية كبيرة”.
وأفاد الأستاذ الباحث نفسه بأن “تصنيف الكتاب بتاريخ 22 مارس، تزامنا مع اليوم العالمي للماء، ضمن قاعدة بيانات سكوبس، التي تعتبر الأكثر تأثيرا في العالم وذات مصداقية علمية كبيرة وتضم المئات من المقالات العلمية في تخصصات مختلفة، سوف يرفع من انتشاره”، مبرزا أنه “يمثل اعترافا بقيمته العلمية واحترامه لمعايير النشر”.
الحوكمة في التدبير
شرح محسن بطشي، وهو نائب العميد في الشؤون البيداغوجية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن “الاستشعار عن بعد هو دراسة المجالات دون اتصال معها، عن طريق دراسة صور الأقمار الصناعية ومعالجتها تقنيا وهندسيا”.
وبيّن الأستاذ الباحث أن “إسهامات الباحثين المغاربة حول موضوع دور هذه التقنية في الهيدرولوجيا همّت أساسا أحواضا مائية وسدودا، وجاءت بنتائج جديدة في الطرق المثلى لتدبير المياه”.
وكشف المتحدث عينه أن “نظم المعلومات الجغرافية، التي تمحورت حولها عدد من دراسات الإسهام العلمي الذي نحن بصدده، يمكن أن تساعد في اختيار المواقع الملائمة لإنشاء سدود لتجميع وتخزين المياه”.
وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ الجامعي نفسه أن “فصلا من الكتاب تطرّق أساسا إلى استخدام الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية مع التركيز بشكل رئيسي على نسبة التغطية النباتية وعلاقتها بكمية وجودة المياه”، فضلا عن “تضمنه دراسة تخص تقدم المياه المالحة نحو المياه العذبة خصوصا في المجالات الساحلية؛ ما يشكل تهديدا للفرشة المائية”.
وأكمل: “المؤلف العلمي ذاته احتوى دراسات أخرى حول استخدام تطبيقات ‘الجافا سكريبت’ و’غوغل إيرث إنجين’ في مراقبة دينامية الموارد المائية السطحية بالمغبر، سواء كانت سدودا أو بركا”.
ومن أهم ما خلصت إليه دراسات هذا المؤلف العلمي، وفقا للباحث، أن “الاعتماد على التقنيات والأدوات الحديثة من شأنه أن يجيب عن مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالتدبير الأمثل للموارد المائية، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي الجغرافي”.
وفي هذا الإطار، شدد على أنه “في وقت هناك مؤسسات عديدة تشتغل بهذه الأدوات، لا يزال يتعين تعميم توظيفها على الكثير من مدبري الشأن العمومي، خصوصا على مستوى الجماعات والأقاليم؛ حتى تضمن الاستفادة من هذه البرامج في تدبير الموارد المائية”.
0 تعليق