احتفل العالم مؤخرا باليوم العالمي للمياه، وهو مناسبة أطلقتها الأمم المتحدة منذ عام 1993 لتسليط الضوء على الحاجة الملحة لتوفير مياه عذبة ونظيفة للجميع. ومع ذلك، فإن الواقع المرير اليوم يكشف عن أزمة مياه عالمية تتفاقم بسبب تغير المناخ، والنمو السكاني، وسوء إدارة الموارد المائية، حيث يعاني 2.2 مليار شخص حول العالم من نقص في مياه الشرب الآمنة. وبينما تتزايد حدة هذه الأزمة، تبرز مخاوف من أن تصبح المياه السبب الرئيسي للصراعات الكبرى في المستقبل، وربما الحرب العالمية الثالثة.
تفاقم أزمة المياه وصراع الدول
تشير التقارير إلى أن الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، بدأت بشراء المياه كسلعة استراتيجية، مما يعكس تحولها إلى "المورد الحيوي الأكثر ندرة"، متجاوزة النفط في أهميتها. ووفقًا لتقرير "مرصد التعقيد الاقتصادي" لعام 2023، أصبحت المياه السلعة رقم 550 الأكثر تداولًا عالميًا، بقيمة تجارية بلغت 4.84 مليار دولار، بزيادة 7.06% عن العام السابق.
الولايات المتحدة تصدرت قائمة المستوردين بقيمة 1.06 مليار دولار، تلتها هونغ كونغ وألمانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا. هذه الأرقام تؤكد أن المياه لم تعد مجرد مورد طبيعي، بل أصبحت سلعة اقتصادية وسياسية ذات أبعاد عالمية.
في كتابه "المياه: الصراع الملحمي من أجل الثروة والسلطة والحضارة" (2009)، يحذر الصحفي ستيفن سولومون من أن الصراعات المستقبلية ستدور حول المياه، مشيرًا إلى أن المعروض من المياه العذبة على الأرض لا يتجاوز 2.5%، معظمها مجمد في الأنهار الجليدية. ومع مضاعفة استهلاك المياه عالميًا خلال القرن الماضي، باتت الدول تنقسم إلى "دول تمتلك المياه" و"دول تفتقر إليها"، مما يزيد من حدة التوترات.
مناطق الخطر: أحواض الأنهار الكبرى
حددت دراسة أجراها مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية في 2018 خمس نقاط ساخنة معرضة للصراعات المائية، وهي أحواض أنهار النيل، والغانج-براهمابوترا، والإندوس، ودجلة-الفرات، وكولورادو. على سبيل المثال، يشهد حوض النيل نزاعًا حادًا بين مصر والسودان وإثيوبيا بسبب بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق، حيث تعتمد الدولتان الواقعتان في المصب على النهر في الزراعة وموارد المياه، بينما ترفض إثيوبيا الالتزام بالمعاهدات الاستعمارية القديمة التي تمنح مصر والسودان حقوقًا تفضيلية.
وفي جنوب آسيا، يواجه معاهدة مياه الإندوس بين الهند وباكستان، الموقعة عام 1960، تحديات كبيرة. فقد أصدرت الهند في أغسطس 2024 إشعارًا رسميًا لباكستان تطالب بمراجعة المعاهدة بسبب خلافات حول مشاريع كهرومائية مثل كيشانجانجا وراتل. ومع تعقيدات إجرائية تشرف عليها البنك الدولي، لا يزال مصير المعاهدة غامضًا حتى مارس 2025.
أما في حوض براهمابوترا، فقد أثارت موافقة الصين على مشروع سد بقيمة 137 مليار دولار على نهر يارلونغ تسانغبو في التبت قلق الهند، التي تخشى من تأثيراته على تدفق المياه إلى نهر براهمابوترا. وفي غياب اتفاقية لتقاسم المياه بين البلدين، تتزايد المخاوف من "حروب المياه" المحتملة.
أزمة داخلية وصراعات محلية
لا تقتصر أزمة المياه على الدول النامية، فحتى في الغرب المتقدم، مثل الولايات المتحدة، شهدت "حروب المياه في كاليفورنيا" في أوائل القرن العشرين صراعات بين لوس أنجلوس ومزارعي وادي أوينز. وفي يناير 2025، عانت فرق الإطفاء في لوس أنجلوس من ضعف ضغط المياه في الصنابير أثناء مكافحة الحرائق، مما يعكس تفاقم المشكلة.
في الهند، التي تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، تتفاقم الأزمة في مدن مثل بنغالور ومومباي ودلهي، حيث أجبر النقص الحاد الأسر على دفع مبالغ طائلة لشراء المياه من صهاريج خاصة. وحذر راجندرا سينغ، المعروف بـ"رجل المياه في الهند"، من أن سوء الإدارة الحكومية والشركات قد دمر موارد المياه، مشيرًا إلى أن 72% من الخزانات الجوفية جفت، وأن أكثر من 1.2 مليون من أصل 1.5 مليون جسم مائي تم التعدي عليها أو تلويثها.
تحذيرات عالمية
في عام 2017، تساءل البابا فرانسيس: "ألا نسير نحو حرب عالمية كبرى بسبب المياه؟"، وهو تحذير يتردد صداه مع تنبؤات الخبراء بأن ندرة المياه ستؤثر على 40% من سكان العالم، وقد تتسبب الجفاف في نزوح ما يصل إلى 700 مليون شخص بحلول عام 2030. إن اليوم العالمي للمياه ليس مجرد مناسبة للتوعية، بل دعوة عاجلة للتعاون الدولي لتجنب مستقبل تتحكم فيه الصراعات على هذا المورد الحيوي. فهل ستتحد الدول لمواجهة هذا التحدي، أم أن المياه ستكون فعلًا شرارة الحرب القادمة؟
0 تعليق