من الإشادة إلى الهجوم .. جرأة مسلسل "رحمة" تثير زوبعة من الانتقادات

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكد الجدل حول الأعمال الدرامية المغربية يهدأ حتى عاد إلى الواجهة مع مسلسل “رحمة”، الذي رغم تحقيقه نسب مشاهدة قياسية، إلا أنه وجد نفسه وسط عاصفة من الانتقادات بسبب بعض المشاهد التي اعتبرها البعض “جريئة” و”لا تتناسب مع قيم المجتمع المغربي”.

المسلسل الذي حظي بإشادة واسعة في بداية عرضه بفضل قصته الاجتماعية العميقة وأداء أبطاله المقنع، بات اليوم حديث مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الجدل الذي أثاره؛ فقد اعتبر نشطاء مغاربة أن بعض مشاهده التي جمعت كلًّا من الممثل هيثم مفتاح والممثلة كريمة غيث تجاوزت الخطوط الحمراء، خصوصا في طريقة تصوير العلاقات العاطفية والمواقف الحميمية بين الشخصيات، ما دفع فئة من الجمهور إلى اتهام العمل بـ”التطبيع مع مشاهد دخيلة على الدراما المغربية”.

وتعرض الممثلان المغربان لهجوم حاد من طرف الجمهور المغربي ومحبيهما الذين أعربوا عن عدم رضاهم عن ظهورهما بتلك الصورة في مسلسل رمضاني تشاهده جميع العائلات، معتبرين أن “الجرأة المجانية” التي تضمنتها الحلقات لا تخدم المسلسل، بل تؤثر عليه سلبا.

وقالت عفيفة الحسينات، ناقدة مغربية باحثة في الفنون والثقافات، إنه في خضمّ السباق الرمضاني لعام 2025، برز مسلسل “رحمة” المغربي المعروض على قناة “MBC 5” السعودية، التي تتعامل مع ثلة من فناني المغرب، كواحد من الأعمال الأكثر تحقيقا للإقبال الكمي العامِّي بالمغرب، والأكثر إثارة للجدل لدى الفئة نفسها ومن يلتصق بها ويقتات عليها من مشتغلين في الحقل، لكنه لم ينجح في إثارة هذا الصخب المحدود والمُضخَّم بسبب فرادة قصته أو تميُّز إبداعه الفني، بل لِمَا أُثير حوله من انتقادات تُلامس قضايا الهوية السطحية للمغاربة والمرأة بالتحديد، وللتمثيل الاجتماعي الذي يمس صورة المغرب عموما والمرأة المغربية خاصة.

وأضافت الحسينات أنه بينما رأى جزء يسير من جماهير النِّت أن المسلسل يقدم “جرأة غير مسبوقة” في الدراما المغربية، تصاعدت أصوات أخرى برفض تكريسه لصورة نمطية سلبية عن المرأة المغربية، مُصوِّرًا إياها ككائن عدواني قادر على الخيانة والقتل بسهولة، في تجاهل للقيم الإنسانية، مبرزة أن النقاش الحقيقي من وجهة نقدية رصينة لا يكفي هذه “الجرأة” المزعومة، بل في إخفاق العمل فنّيًا وفكريًا في التعامل معها.

وذكرت الباحثة المغربية أن الخلل الجوهري في مسلسل “رحمة” لا يكمن في اقترابه من “الممنوع”، أو في تصويره لعلاقات جريئة، بل في تبسيطية الكتابة التي تلهث وراء إثارة المشاهد، عبر تكثيف الصدمات العاطفية والعنف والإثارة بالاقتراب من اللاوعي ومن عُقده، دون شجاعة تفكيكه ضمن مشاهد عميقة الطرح، وبمقاربة إخراجية ذكية ومبدعة بعيدا عن الثرثرة غير المفيدة وكلام الرصيف المألوف، ودون بناء شخصيات ذات عمق سيكولوجي وفكري أو حبكة مُحكمة.

وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن المَشاهد “الجريئة” الضعيفة والعقيمة (كأشباه القُبلات أو الإيحاءات الجنسية) أو السقوط في الممنوع والخطيئة، تظهر كـ”طُعم” لجذب الجمهور، وليس كجزء عضوي من سردية تطرح أسئلة وجودية أو اجتماعية وثقافية وتربويّة، حيث إن هذه الإثارة المُفتعلة تخدم “دغدغة” المشاعر بدلًا من تحفيز التفكير، مما يُحوّل العمل إلى دراما “تسليعية” تستهلك القضايا بدلًا من تسليط الضوء عليها.

وأوضحت الحسينات، في حديثها مع هسبريس، أن الجرأة الفنية الحقيقية لا تقاس بكمّ المَشاهد الصادمة ولا بكم ردود الفعل الانفعالية الشعبية والشعبوية التي تثيرها، بل بقدرة العمل على زعزعة اليقينيات وطرحٍ وتبسيطٍ دون تصوير حاذق لإشكاليات فكرية معقّدة بصريا بالأساس، مضيفة أنه لو استخدم مسلسل “رحمة” شخصياته لاستكشاف تناقضات التحديث في مجتمع تقليدي، أو لمساءلة البنيات الذكورية الخفية التي تُنتج العنف، أو للسمو بالخطايا والانزلاقات نحو دراما تخلخل التصورات السائدة وأحكام القيمة، بقوة حوار عميق وتصوير يمسُّ المُتكلِّس من المواقف والآراء، ولو كان تدبير التشخيص وإدارته صادرين عن إخراجٍ يتمثل عمق نسيج المجتمع المغربي، ويتحكم في الإنارة والديكورات من منظور يتجاوز التأثيث ووظيفية التصوير، لكانت “الجرأة” في مسلسل “رحمة” مبرَّرة، وإن لم تكن في الحقيقة جرأة مطلقا.

وواصلت قائلة إن مسلسل “رحمة” في الواقع يكتفي بتقديم “الجرأة” كغاية، عبر حبكة مُكرّرة عن نساء “شريرات” تدفعهن ظروف إلى الانحراف، دون تفكيك السياقات الاجتماعية أو التاريخية التي تُنتج هذه الظروف. هنا تُختزل الجرأة في “المشهد شبه الممنوع” لا في الرسالة التي تتحدى الجمهور لمناقشة ولتغيير منظوراته.

وخلصت الباحثة عفيفة الحسينات إلى أن مسلسل “رحمة”، رغم الضجة الفارغة التي أثارها عامة المتفرجين وليس المسلسل في حد ذاته، يبقى مثالًا على كيف يمكن للجرأة السطحية أن تُضيّع فرصة تقديم جرأة حقيقية قادرة على هزّ المشاهد فكريًا، وترقى به إلى مستوى جمالي، فكرا وذوقا، أعلى من النمطي المألوف والمستهلك، مضيفة أن الأمل يبقى في دراما لا تكتفي بكسر الطابوهات، بل تبني عليها سرديات مركبة وذكية، تليق بذكاء المغاربة وتستحقّ مناقشتها بعد انتهاء المشاهدة، وتدفع نحو نقاش عمومي لا يكرر نفسه، بل يعي الرسالة الجمالية للعمل، لأن الأهم ليس هو الموضوع، بل طريقة تقديمه وتصويره سمعيا وبصريا.

من جهته، قال الناقد محمد بنعزيز إن عرض المشاهد العاطفية الجريئة التي أثارت استياء الجمهور المغربي يعد صياغة ناقصة هدفها تحقيق “البوز”، لأن الجرأة العاطفية وحدها تسمع صوتها والباقي يمر ويموت في صمت، لكن تصادف ذلك مع الزمن الديني، وهو الشهر الفضيل، مما أثار الاستياء.

وتابع المتحدث ذاته أن المعلومة الناقصة لقتل “البوز” هي أن القناة التي تعرض المسلسل أجنبية ولا دخل للحكومة المغربية بالمحتوى الذي تبثه، مضيفا أنه بعيدا عن المزايدات، فإن سوسيولوجيا الواقع المغربي أكثر جرأة مما بثته قناة “إم بي سي”.

وشدد بنعزيز على أن الفن يحتاج حرية، وأن النقاد منذ القدم عرفوا أن الفن النظيف ضعيف وأن الوعي السعيد يصدر سردا فيلميا سطحيا، موردا أن الوعي الفني الشقي أكثر تأثيرا في الجمهور، لذلك يجب الحذر والرقابة الذاتية؛ لأن الشعور بالرضا عن النفس يدمر الإبداع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق