لا يكاد يمضي أسبوع في الأشهر الأخيرة دون تسجيل حدث أو خرجة إعلامية ينبئان المغاربة بأن “قيامة 2026” اقتربت ساعتها، إذ بدأت أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة تتحلل شيئا فشيئا من التحفظ والانضباط اللذين التزمت بهما في السنوات الأولى من عمرها، خصوصا بالنسبة لحزب الاستقلال وأمينه العام نزار بركة، الذي لم يتردد في ارتداء ثوب المعارض خلال بعض الأحداث وإعلان رغبته الواضحة في تصدر المشهد مستقبلا.
وزير التجهيز والماء وجه انتقادات لاذعة للدعم الذي استفاد منه حوالي 18 فاعلا في استيراد الأغنام والأبقار خلال السنة الماضية، كاشفا أن هؤلاء حظوا بدعم رسمي يقدر بحوالي 1,3 مليار درهم، وهو ما تناقلت بعض المنابر أن النيابة العامة دخلت على الخط بعده وباشرت التحقيق في الموضوع.
كلام الوزير الاستقلالي عن عدد الفاعلين المستفيدين من الدعم المخصص لاستيراد الأغنام والأبقار الذي لا يتجاوز 18 شخصا، استدعى الرد عليه من قبل رئيس مجلس النواب القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، راشيد الطالبي العلمي، الذي “كذَّب” بركة والأرقام التي أعلن عنها، إذ قال إن الدعم “لا يتعدى 300 مليون درهم وعدد الموردين يقدر بـ100”.
حديث بركة ورد العلمي عليه، أمر يجعل مرة أخرى الأغلبية الحكومية في موضع “الشك” وينبئ بأن الصراع الانتخابي بدأ مبكرا من أجل البحث عن كسب نقاط جديدة في سبيل البحث عن رئاسة “حكومة المونديال”، التي لا ينوي عزيز أخنوش التفريط فيها بسهولة، في الوقت الذي تمثل حلماً وطموحاً مشروعين لحليفيه في الاستقلال والأصالة والمعاصرة.
في قراءته لهذه التطورات، قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسة بجامعة الحسن الأول بسطات، إن الأرقام التي قدمها نزار بركة والأخرى التي قدمها راشيد الطالبي العلمي “متناقضة إلى حد كبير، لكنها في نظري تعكس أمرين”.
وأوضح اليونسي، في حديث مع هسبريس، أن الأمر الأول يكمن في أن كلا السياسيين “يتفقان بشكل غير مباشر على أن هذه الأموال هي أموال عمومية تعطى كإعانات مباشرة لبعض الفاعلين لتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية”، معتبرا أن هذا الشكل من الدعم سبق لوالي بنك المغرب أن “حذر من هيكلته وإقراره كتدبير مالي في ميزانية الدولة”.
وزاد شارحا أن الواقع يفسر أن هذا الدعم أصبح “منطقاً استمر طيلة هذه الولاية، وهو ما يعكس كسلا تدبيريا يبحث فقط عن الحلول السهلة ويشرعن الريع ويمول الأعيان ويعدهم للمراحل الانتخابية المقبلة”، وفق رأيه.
أما الأمر الثاني، يضيف اليونسي، فهو أن تضارب الأرقام مرده إلى “طريقة احتساب هذه الأموال، هل المقصود فقط الدعم المباشر أم أيضا النفقات الجبائية؟ وبالتالي هنا السياسي يتقن اللعب بالأرقام للدفاع عن وجهة نظره وموقفه وموقعه السياسي”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن ما يقوم به حزب الاستقلال من معارضة من داخل الحكومة اليوم، هو “ما قام به حزب التجمع الوطني للأحرار في الحكومتين السابقتين للعدالة والتنمية، وهو سلوك سياسي في نظري غير مقبول وغير لائق؛ لأن الأصل في التحالف الحكومي هو التضامن والدفاع عن الحصيلة كتحالف وليس فقط كطرف مشارك في الائتلاف”.
وخلص اليونسي في قراءته إلى أن الإعداد المبكر لانتخابات 2026 هو المسؤول عن إنتاج “مثل هذه المواقف والسلوكيات التي تسيء للممارسة السياسية ببلادنا، وتجعلها متمحورة فقط على البعد الانتخابي وليس التفكير في إيجاد حلول للبلاد والعباد”، وفق رأيه.
من جانبه، يرى محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية، أن تركيبة الحكومة وتوزيع الحقائب بين الأحزاب المشكلة لأغلبيتها يجعل منها “مجالا للمزايدات السياسية”، موردا أن الحقائب التي يتولاها حزب التجمع الوطني للأحرار إما مرتبطة بالشق الاجتماعي أو بالشق الاقتصادي، كالتعليم والفلاحة والصناعة التقليدية والسياحة والمالية.
وأضاف بوخبزة، ضمن تصريح لهسبريس، أن حزبي “الاستقلال” و”البام” بحكم طبيعة الحقائب الوزارية التي يتقلدها وزراؤهما “ليست لها علاقة قوية بإشكالات القدرة الشرائية والإشكالات المرتبطة بالمعيش اليومي للمغاربة، وهو سيف ذو حدين”، مبرزا أنه إذا أنجزت الحكومة إنجازات كبيرة في هذا المجال “ستكرس على المستوى الانتخابي تفوق التجمع الوطني للأحرار، وسيكون الحزب هو الذي لديه الأفضال في تحقيق هذه النتائج الإيجابية، إما على مستوى القدرة الشرائية أو الصحة أو التعليم”.
واستدرك المتحدث قائلا: “لكن إذا كانت النتائج سلبية، فالتجمع الوطني للأحرار سينال النصيب الأكبر من الانتقادات والعقاب الانتخابي، لأنه بالإضافة إلى هذه الحقائب هو الذي يقود الحكومة وسينال النصيب الأكبر من الانتقادات في حالة كانت النتائج سلبية”، مذكرا بأن هذا الأمر عاشه المغاربة مع حزب العدالة والتنمية الذي تحمل وزراؤه “النتائج السلبية وأحزاب التحالف تنصلت من هذه النتائج، بل هي التي كانت توجه سهام الانتقاد للحزب”.
وبين بوخبزة أن الحملة الانتخابية تبدأ مبكرا و”هناك خروج للقيادات الحزبية لبداية الحملة الانتخابية بشكل من الأشكال، ووضع مسافة ما بين الحزب والنتائج المحصل عليها من قبل الحكومة في المجالات الاجتماعية التي تمثل الترمومتر بالنسبة للانتخابات”، معتبرا أن خروج بركة الإعلامي الأخير هو “بداية هذه الاستراتيجية في التعامل مع هذه النتائج في المرحلة المقبلة، والصراع سيسير بشكل تصاعدي، وحزب الاستقلال لم يكن قد بدأ التعامل مع هذه الوضعية بالشكل الذي نلاحظه بسبب طبيعة البروفايلات المحافظة التي لا تشبه رموز ‘البام’ و’الأحرار’ في خاصية إمكانية الهجوم والاشتباك الكلامي مع خصومهم وحتى حلفائهم”.
0 تعليق