يهيمن الفن الزخرفي المغربي التقليدي، من زليج وجبس ونحاس وخشب منقوش، على الزينة الداخلية للمسجد الكبير في روما؛ فيضفي على هذا الصرح الديني طابعا فنيا فريدا ينقل الزائر في رحلة حسية إلى قلب التراث المغربي الأصيل، وكأنه يقف في مسجد من مساجد العاصمة الروحية للمملكة فاس أو مدرسة من مدارسها العتيقة.
هي نفس لمسة الصانع التقليدي المغربي، الذي بصم بإبداعاته العديد من التحف الفنية في مختلف أرجاء العالم من إفريقيا إلى أوروبا، ومن آسيا إلى الأمريكيتين والعالم العربي؛ غير أن الأمر يتعلق، هذه المرة، بأكبر مسجد بأوروبا، في قلب “المدينة الخالدة” روما، التي شكلت عبر العصور منبعا للفنون وقلعة للعمارة ومهدا للحضارات.
عبد الله رضوان، الكاتب العام للمركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، قال إن اختيار المغرب لتزيين المسجد لم يكن اعتباطيا، إذ تجمع هذه المعلمة بين التقاليد الإسلامية والجمالية الإيطالية.
وأفاد الكاتب العام للمركز سالف الذكر، وهو المؤسسة المشرفة على إدارة هذا الصرح المعماري الذي يحتفل بمرور ثلاثين سنة على افتتاحه، بأن “المهندسين الإيطاليين تولوا وضع التصميم المعماري، بينما أوكل تنفيذ الزخارف الفنية، من الزليج والنقوش الجبسية والمشربيات والثريات النحاسية، إلى الصناع التقليديين المغاربة؛ لما يتميزون به من مهارة حرفية ودراية فنية أصيلة لا تضاهى”.
وأشار رضوان إلى أن كل ركن من أركان المسجد، من القاعة الكبرى للصلاة إلى المكتبة وقاعة الاجتماعات، يحمل البصمة المغربية الأصيلة.
وأردف المتحدث أنه: “من بين الفضاءات المفضلة لدي هي النافورة التي تذكرني بنافورة النجارين الشهيرة في المدينة العتيقة لفاس”، مستحضرا يوم افتتاح “مسجد روما”.
وتابع بنبرة يغلب عليها الحنين: “ما زلت أستحضر تلك اللحظات، حيث فرشت الزرابي الرباطية لاستقبال الضيوف، وقدمت الحلويات التقليدية، والشاي بالنعناع، وأطيب الأطباق المغربية الأصيلة”.
واعتبر أن المسجد الكبير في روما، الذي افتتح سنة 1995، يشكل رمزا للتعايش والتناغم، وفضاء لا غنى عنه للجالية المسلمة في إيطاليا، حيث تؤدى فيه الصلوات وتقام فيه الاحتفالات الدينية والمناسبات الكبرى.
كما أشار رضوان إلى أن هذا المسجد يحتضن أيضا مقر المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، الذي يضم مكتبة ومدرسة لتعليم اللغة العربية ومركزا للمؤتمرات فضلا عن القاعة الكبرى للصلاة التي تتسع لأكثر من 12 ألف مصل.
ويمتد المسجد على مساحة تناهز 30 ألف متر مربع، وتتوسطه مئذنة يتجاوز ارتفاعها الأربعين مترا، تعلوها أهلة فضية، ويحيط به فضاء أخضر شاسع. وقد شُيّد باستخدام مواد إيطالية صرفة؛ من ضمنها حجر الترافرتين والطوب الوردي الفاتح.
0 تعليق