آخرها "قطر جيت".. موجة غير مسبوقة من الفضائح السياسية والقانونية في إسرائيل

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد إسرائيل هذه الأيام موجة غير مسبوقة من الفضائح السياسية والقانونية التي تفوق التوقعات، حتى في بيئة سياسية تألف الأحداث المضطربة.

 من قاعات المحاكم إلى أروقة أجهزة الاستخبارات، وصولًا إلى اتهامات تتعلق بمؤامرة قطرية مزعومة، يجد المواطنون أنفسهم في خضم تشوش وطني وصفته صحيفة Sun-Sentinel الأمريكية بأنه حالة من الاضطراب الجماعي. 

وفي صلب هذه العاصفة تبرز فضيحة "قطر-جيت"، التي أشعلت جدلًا واسعًا وألقت بظلال كثيفة على حكومة بنيامين نتنياهو. في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل هذه الفضيحة ونربطها بالسياق الأوسع للأزمات التي تهز إسرائيل، مع محاولة استشراف تداعياتها على المشهد السياسي والاجتماعي.

جذور "قطر-جيت": اتهامات بالتلاعب واستغلال النفوذ

في قلب فضيحة "قطر-جيت"، التي يُطلق عليها هذا الاسم بالعبرية، تكمن اتهامات بالغة الخطورة تطال مستشارين مقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. 

بدأت القصة مع إيلي فيلدشتاين، الذي عُيّن بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 كمتحدث باسم نتنياهو. 

وفقًا للاتهامات، كان فيلدشتاين يتلقى أموالًا للترويج لمصالح الحكومة القطرية، في الوقت الذي كان يعمل فيه لصالح الحكومة الإسرائيلية. لم تقتصر الادعاءات على ذلك، بل يُزعم أن فيلدشتاين كان ينقل رسائل قطرية إلى صحفيين إسرائيليين لتحسين صورة قطر كوسيط في مفاوضات الرهائن المحتجزين لدى حماس.

يوناتان أوريخ، المستشار المخضرم لنتنياهو والمشرف على فيلدشتاين، واجه اتهامات مماثلة. 

وفي تطور صادم، يُزعم أن أوريخ استخدم نقاط نقاش قطرية كبيانات رسمية صادرة عن مكتب رئيس الوزراء. 

هذه الادعاءات أدت إلى اعتقال كل من فيلدشتاين وأوريخ، مع توسع التحقيق ليشمل شخصيات أخرى، من بينها جاي فوتليك، مستشار ديمقراطي أمريكي سابق يُزعم أنه نظم المدفوعات القطرية لفيلدشتاين.

ما يجعل هذه الفضيحة استثنائية هو الدور المعقد الذي تلعبه قطر في السياسة الإقليمية. فمن ناحية، تُعتبر قطر داعمًا ماليًا لحماس وتستضيف قادتها في الدوحة. 

ومن ناحية أخرى، تتوسط في المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن الرهائن، مما يجعلها لاعبًا حيويًا في المصالح الوطنية الإسرائيلية. 

هذا التوازن الحساس يجعل أي علاقة مشبوهة مع قطر قضية ملتهبة، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.

سلسلة الفضائح: شبكة من التشوش والقلاقل الداخلية 
فضيحة "قطر-جيت" ليست حدثًا منفصلًا، بل حلقة في سلسلة من الفضائح التي تُغرق إسرائيل في حالة من التشوش السياسي وتضع نتنياهو في موقف حرج. 

على سبيل المثال، أثارت محاولة نتنياهو إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، عاصفة من الانتقادات. 

جاءت هذه الخطوة بعد أن باشر الشاباك تحقيقاته في "قطر-جيت"، مما دفع البعض، بمن فيهم زعيم المعارضة يائير لابيد، إلى اتهام نتنياهو بمحاولة عرقلة التحقيق لحماية حلفائه.

لابيد ذهب إلى حد القول إن إقالة بار لم تكن مرتبطة بأدائه، خاصة أنه كان في منصبه خلال هجوم 7 أكتوبر، بل بسبب دوره في كشف هذه الفضيحة.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه نتنياهو نفسه اتهامات مستمرة بالفساد في قضايا تتعلق بالرشوة وتلقي هدايا غير قانونية. ورغم أن هذه القضايا كانت في السابق محور الجدل الوطني، إلا أنها باتت تُطغى عليها الآن فضيحة "قطر-جيت"، التي تُثير قلقًا أكبر بسبب ارتباطها بالأمن القومي. 

كما أن استجواب رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست"، زفيكا كلاين، في سياق التحقيق، أضاف تعقيدًا إضافيًا. كلاين، الذي زار قطر بدعوة من حكومتها وكتب عنها بإيجابية، نفى أي صلة مباشرة بفيلدشتاين، لكن التحقيق فتح نقاشًا حول احتمالية تأثير قطر على الإعلام الإسرائيلي.

ردود الفعل: دفاع وهجوم
رد نتنياهو على هذه الاتهامات جاء حادًا ومثيرًا للجدل. في مقطع فيديو حديث، وصف فيلدشتاين وأوريخ بأنهما "رهائن"، وهي كلمة تحمل حساسية كبيرة في إسرائيل نظرًا لقضية الرهائن المحتجزين لدى حماس. وزعم أن التحقيق هو "حملة سياسية" تهدف إلى إسقاط حكومته. هذه التصريحات لاقت انتقادات واسعة، إذ اعتبرها الكثيرون محاولة للتهرب من المسؤولية وصرف الانتباه عن جوهر المشكلة.

في المقابل، يرى محللون أن "قطر-جيت" قد تكون الفضيحة الأكثر خطورة على استقرار نتنياهو. على عكس قضايا الفساد السابقة، التي تركزت على تصرفات شخصية إلى حد كبير، فإن هذه القضية تطرح تساؤلات عميقة حول الأمن القومي وإمكانية اختراق قوى أجنبية لدوائر القرار في إسرائيل. استطلاعات الرأي تُظهر أن أغلبية الإسرائيليين يرون أن إقالة رونين بار مرتبطة بـ"قطر-جيت" وليست بأدائه، مما يُعزز الشكوك حول نوايا نتنياهو.

قطر في قلب الجدل: لماذا؟
لاستيعاب أبعاد "قطر-جيت"، ينبغي وضعها في سياق العلاقات الإقليمية المعقدة. قطر، كما أسلفنا، تلعب دورًا مزدوجًا: فهي تمول حماس وتستضيف قادتها، لكنها في الوقت ذاته تتوسط في المفاوضات بين إسرائيل والحركة. 

هذا الدور المتناقض يجعلها موضع اهتمام وانتقاد في آن واحد. فبينما يرى بعض السياسيين الإسرائيليين أن قطر شريك لا غنى عنه لإنقاذ الرهائن، يعتبرها آخرون راعيًا للإرهاب. هذا التوتر يجعل أي علاقة مشبوهة مع قطر قضية شديدة الحساسية.

على المستوى الدولي، ليست هذه المرة الأولى التي تُتهم فيها قطر باستخدام ثروتها للتأثير على الرأي العام. سواء من خلال دعم الجامعات الغربية أو استضافة فعاليات عالمية مثل كأس العالم 2022، تسعى قطر إلى ترسيخ مكانتها كوسيط بين الشرق والغرب. لكن هذه الجهود غالبًا ما تُثير جدلًا، خاصة عندما تتعلق بقضايا حساسة مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

التداعيات: إسرائيل في مفترق طرق
فضيحة "قطر-جيت" ليست مجرد فضيحة سياسية عابرة؛ إنها تعكس هشاشة النظام السياسي الإسرائيلي في وقت تواجه فيه البلاد تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة. الحرب في غزة، أزمة الرهائن، والتوترات مع حزب الله في لبنان، كلها تضع الحكومة تحت ضغط هائل. إضافة إلى ذلك، فإن الاحتجاجات المتواصلة ضد نتنياهو في شوارع تل أبيب تُبرز انقسامًا عميقًا في المجتمع الإسرائيلي.

التداعيات المحتملة لهذه الفضيحة متعددة الأوجه. على المدى القريب، قد تُزيد الضغوط على نتنياهو للتنحي، خاصة إذا ثبت تورط شخصيات مقربة منه بشكل مباشر. على المدى البعيد، قد تدفع هذه الأزمة إلى إعادة تقييم العلاقات مع قطر وغيرها من الدول التي تلعب أدوارًا متناقضة في المنطقة. كما أنها تُسلط الضوء على ضرورة تعزيز الشفافية في العلاقات بين السياسيين والإعلام لمنع اختراق مصالح أجنبية.

في الوقت الذي تُوصف فيه إسرائيل بحالة من التشوش الوطني، تظل فضيحة "قطر-جيت" رمزًا للتحديات العميقة التي تواجهها البلاد. إنها قصة عن النفوذ، والسلطة، والأمن القومي، تتجاوز حدود الفضائح التقليدية. وبينما تتواصل التحقيقات وتتكشف المزيد من الحقائق، يبقى السؤال الأساسي: هل ستكون هذه الفضيحة نقطة تحول في المشهد السياسي الإسرائيلي، أم مجرد فصل آخر في سلسلة الأزمات التي ألِفها الإسرائيليون؟

لا شك في أن إسرائيل تقف على مفترق طرق. قرارات القادة في الأيام والأسابيع القادمة ستحدد ليس فقط مصير حكومة نتنياهو، بل أيضًا طبيعة العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وبين إسرائيل والعالم من حولها. في النهاية، قد يكون "التشوش الوطني" وصفًا دقيقًا لحالة بلد يصارع لاستعادة توازنه وسط اضطرابات متتالية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق