وسط أجواء من الفرح والتأمل، تحتفل الكنيسة في ختام الصوم الكبير بـ”أحد الشعانين”، الذي يُخلّد ذكرى دخول السيّد المسيح إلى أورشليم، حيث استقبله الشعب، وخصوصًا الأطفال، بهتافات المحبة والإجلال: “هوشعنا، مبارك الآتي باسم الربّ” (مزمور 118: 26).
هذا اليوم، الذي يسبق أسبوع الآلام، لا يُعد فقط احتفالًا بحدث تاريخي، بل هو دعوة للمؤمنين لتجديد رسالتهم الروحية والملوكية، التي نالوها عبر المعمودية ومسحة الميرون، في مسيرة الصوم والصلاة وأعمال الرحمة.
المسيح “ الملك المتواضع”
دخل يسوع إلى أورشليم راكبًا جحشًا، في مشهد يفيض رمزية وتواضعًا، مخالفًا بذلك مشهد الملوك الذين يدخلون المدن على ظهور الخيل رمزًا للقوة والعظمة. ولم يمنع الناس من إعلان ملوكيّته، بل تقبّل ترانيمهم: “أوصنّا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب” (متى 21: 9)، مؤكدًا قبوله لمصيره: أن يموت فاديًا ويقوم حيًّا ملكًا أبديًا.
الرموز حاضرة.. والمعاني أعمق
الاحتفال بأحد الشعانين لا يكتمل دون الرموز التي ترافقه، والتي تحمل معانٍ لاهوتية وروحية عميقة
أغصان النخل: ترمز إلى النصر، إذ يُعتبر يسوع المنتصر على الخطيئة والموت
أغصان الزيتون: علامة سلام، تمامًا كما حملتها الحمامة إلى نوح بعد الطوفان
الشموع المزيّنة: تعبير عن نور المسيح الذي يضيء دروبنا، وزينتها تمثّل ثمار الأعمال الصالحة.
الجحش: يرمز للوداعة والتواضع، في تجلٍ لملك لا يسعى للقوة بل للفداء.
أما أورشليم، التي تعني “مدينة السلام”، فهي هنا ليست فقط مكانًا جغرافيًا، بل صورة رمزية للملكوت السماوي، الذي يسعى المسيح إلى إدخالنا إليه.
فرح الأطفال.. وعبرة الإيمان
تتحوّل الكنائس في أحد الشعانين إلى مساحات ملأى بالفرح الطفولي، حيث يسير الصغار والكبار معًا حاملين سعف النخل وأغصان الزيتون والشموع المضيئة، مرددين الترانيم والصلوات. هذا الفرح ليس مجرّد تقليد، بل هو تعبير حيّ عن الروحانية العميقة التي تسبق درب الصليب والقيامة.
في هذا اليوم، نجد في الأطفال صورة البراءة والنقاء، كما أوصى المسيح: “إن لم تعودوا كالأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السماوات” (متى 18: 3).
دعوة إلى التجدّد والسلام
الاحتفال بأحد الشعانين هو أكثر من لحظة زمنية في التقويم الكنسي، إنه دعوة مفتوحة لكل مؤمن ليحمل في قلبه روح السلام، ويطلب الخلاص بصدق من الربّ القائم من بين الأموات. وكما قال المسيح: “سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم” (يوحنا 14: 27)، فلتكن هذه المناسبة محطة تجديد إيمان وسلام داخلي، استعدادًا لأسبوع الآلام والقيامة المجيدة.
0 تعليق