اعتبر المصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، أن النقاش الدائر حول المبادرة الرامية إلى تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الدعم المخصص لاستيراد وتربية الماشية لا تعدو أن تكون “ملاغة سياسية “.
وأكد بنعلي، في تصريح سياسي لافت خلال افتتاح اجتماع لجنة تنسيق استراتيجية “جبهة 2030.. من بكين إلى التمكين”، أن حزب جبهة القوى الديمقراطية يرفض الانخراط في مبادرات تفتقر إلى البعد الاستراتيجي، وتتحرك بمنطق ظرفي لا يتناغم مع روح الدستور ولا مع التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد.
وأوضح الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية أن “الجهات التي أطلقت هذه المبادرة لم تُجر أية مشاورات مع حزبنا؛ بل وجهت مراسلات إلى نوابنا خارج أي احترام للتعاقد السياسي الذي يحكم تمثيليتهم ووجودهم في البرلمان”، في إشارة إلى “سقوط المبادرة في منطق العدد بلا أفق سياسي واضح” وإلى رفض حزبه “الركوب على موجة الغضب الشعبي من استمرار غلاء اللحوم”.
وذكّر بنعلي بأن الفصل 67 من الدستور يمنح الحق في تشكيل لجان تقصي الحقائق للملك أو لثلث أعضاء المجلسين؛ ما يعكس الطابع السياسي الدقيق لهذا الإجراء، ويدعو إلى الابتعاد عن أي تسييس شعبوي له.
وسجّل المسؤول الحزبي سالف الذكر أن “موضوع الدعم العمومي لتربية الماشية تم تجاوزه بمبادرة ملكية استباقية عميقة، تمثلت في الدعوة إلى إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي، في ممارسة دستورية تنهل من سلطات جلالة الملك المتفردة، ومنها تلك المتصلة بإمارة المؤمنين ورعاية الأمن الروحي والاجتماعي للأمة”.
وشدد بنعلي على أن حزب جبهة القوى الديمقراطية منخرط بكل وضوح ومسؤولية في معركة محاربة الفساد والريع؛ لكنه يرى أن هذا الورش لا يمكن اختزاله في “مبادرات موسمية تُستعمل كورقة ضغط ظرفية أو مزايدات انتخابية”. وقال إن “ما نحتاجه اليوم هو نقاش وطني تعددي، مسؤول وعميق، يعيد ترتيب الأولويات، ويعيد الاعتبار للسياسة كأداة للبناء المؤسساتي”.
وأضاف الأمين العام للحزب ذاته أن الآلية الرقابية التي تتيحها لجان تقصي الحقائق، وإن كانت مهمة، لا ترقى إلى مستوى الآليات الدستورية الأخرى الكفيلة بإثارة المسؤولية السياسية للحكومة مثل ملتمس الرقابة الذي رفضت تفعيله بعض مكونات المعارضة؛ فيما المسؤوليات الفردية المرتبطة بالاستفادة غير المستحقة من الدعم والريع هي من اختصاص مؤسسات قائمة وتشتغل كل يوم، ولا تحتاج سوى لتفعيل دورها.
وفي سياق تشريحي دقيق، تساءل بنعلي عن غياب تشكيل لجان لتقصي الحقائق بمجلس النواب منذ إقرار دستور 2011، رغم ما حمله من مستجدات مهمة كخفض النصاب إلى الثلث وتوسيع صلاحيات هذه اللجان لتشمل تدبير المؤسسات إلى جانب الوقائع، معتبرا ذلك مؤشرا على الفراغ العملي في تفعيل الرقابة البرلمانية الناتج عن “العقلية السياسية التي بددت رأسمال التأويل الديمقراطي للدستور”.
وأشار إلى أن المعطيات المتعلقة بالدعم العمومي والإعفاءات الجبائية وبما يسمى النفقات الجبائية متوفرة في تقارير رسمية مرافقة لمشاريع قوانين المالية، وأن واقع دعم إنتاج اللحوم الحمراء أظهر محدوديته في الميدان؛ بينما بقي دعم تربية الماشية، الذي يقدر بالمليارات، في الظل إلى أن كشفته أزمة خرفان العيد. كما أشار إلى أن الحكمة تقتضي خروج كل أنواع الدعم العمومي عن منطق “تأميم الخسارة وخوصصة الربح”.
وتقاطعت هذه التصريحات مع رؤية الحزب التي جسدها إطلاق استراتيجية “جبهة 2030″، التي وصفها بنعلي بأنها إطار سياسي وتنظيمي مندمج، وخارطة طريق شاملة لعمل الحزب من أجل قضايا المرأة والمساواة والمناصفة؛ وهي الاستراتيجية التي تعكس، حسب قول، “توجه الحزب نحو السياسة ذات العمق البنيوي والاستشراف الاستراتيجي، بدل الانجرار وراء منطق التدبير المناسباتي وردود الفعل الشعبوية”.
0 تعليق