من قلب الرياض.. نغمة سعودية جديدة تعيد تعريف الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي

الجريدة العقارية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الاثنين 14 ابريل 2025 | 03:43 مساءً

الذكاء الاصطناعي في السعودية - أرشيفية

الذكاء الاصطناعي في السعودية - أرشيفية

ميسون أبو الحسن

بينما تتصارع عواصم الإعلام التقليدي بين نشوة التكنولوجيا المتفائلة، وخوفها العميق من فقدان الروح الإنسانية في القصص، تنطلق من الرياض نغمة ثالثة، واثقة وطموحة. هنا، لا يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كتهديد، بل كأداة سيادية قادرة على إعادة صياغة الاقتصاد والإعلام والهوية الوطنية برؤية فريدة.

في قلب هذه الرؤية، تقف جمانة الراشد، الرئيسة التنفيذية لـ"المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" (SRMG)، متحدثة بنبرة تجمع بين الثقة المدروسة والاستشراف الواعي.

"الذكاء الاصطناعي يغيّر كل شيء"، تؤكد بوضوح، مضيفةً: "لكن التأثير الحقيقي لا يبدأ بالخوارزميات المعقدة، بل بالأسئلة الأساسية التي نطرحها على أنفسنا: ما هي الحكاية التي نريد أن نرويها؟ ولمن نوجهها؟".

الذكاء الاصطناعي.. حجر الزاوية في رؤية السعودية 2030

منذ عام 2020، وضعت المملكة العربية السعودية الذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجيتها الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، مستهدفةً مكانة بين أفضل 15 دولة عالميًا في هذا المجال بحلول عام 2030. لكن ما يميز الرؤية السعودية هو إدراكها العميق بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد قطاع قائم بذاته، بل قوة محركة وتمكينية لكافة القطاعات الأخرى، من الطاقة والصحة إلى التعليم والإعلام.

وفي هذا السياق، تشدد الراشد خلال مشاركتها في جلسة حوارية بعنوان "عندما تلتقي القيم الثقافية والانتماء بالذكاء الاصطناعي" ضمن فعاليات مؤتمر "مبادرة القدرات البشرية 2025" المنعقد في الرياض: "نحن لا نستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليص دور الصحفي أو المبدع، بل لتعزيز قدراتهم، وتزويدهم بأدوات مبتكرة، ومنحهم فسحة أوسع للإبداع الحقيقي".

وتضيف قائلةً: "أعتقد أن أكبر تحدٍ يعيق استغلالنا الأمثل للذكاء الاصطناعي هو الخوف غير المبرر منه؛ ففي نهاية المطاف، هو مجرد تقنية وأداة تتعلم وتتطور بناءً على المدخلات التي نوجهها إليها".

من التوزيع التقليدي إلى التخصيص الذكي.. هندسة مستقبل الإعلام

في عالم يغص بالمحتوى المتنوع، لم يعد التحدي الأكبر يكمن في إنتاج القصة، بل في كيفية تخصيصها لتلبية احتياجات واهتمامات الجمهور المتزايدة التنوع. توضح الراشد قائلة: "نحن نعيد التفكير بشكل جذري في سلسلة القيمة الإعلامية بأكملها: بدءًا من ولادة الفكرة، مرورًا بالبحث والتحليل، وتوليد النصوص، والتحقق من الحقائق، وصولًا إلى الترجمة والتوزيع الذي يراعي اللهجات والسياقات الثقافية المختلفة"، وتتابع: "لم تعد العملية الإعلامية مجرد مسار نمطي، بل تحولت إلى نظام ذكي يتعلم ويتطور ويتفاعل بشكل ديناميكي مع الجمهور".

هذه الرؤية الطموحة لم تقتصر على التنظير، بل ترجمتها SRMG إلى مشاريع واقعية وملموسة، وعلى رأسها "SRMG Labs"، وهو مركز متخصص في الأبحاث والابتكار يركز على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات القطاع الإعلامي، وتشمل هذه الأدوات تحليل الاتجاهات الإعلامية الناشئة، والتوصية بالمحتوى الأكثر ملاءمة للجمهور المستهدف، وأتمتة بعض جوانب التحرير الصحفي.

بالإضافة إلى ذلك، أطلقت المجموعة مؤخرًا شركة "SMS"، ذراعها الذكية التي تقدم حلولًا متكاملة في مجالات التسويق الرقمي والمحتوى المدعوم بالبيانات، مستهدفةً بذلك المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء. وتطمح المجموعة إلى أن تلعب "SMS" دورًا محوريًا ليس فقط في صناعة المحتوى، بل في إعادة هندسة استراتيجيات الاتصال نفسها، و"مد جسورٍ لم تكن متاحة من قبل بين مختلف الثقافات".

تُعدُّ مجموعة SRMG أكبر تكتل إعلامي في منطقة الشرق الأوسط، وهي الشركة الأم لشبكة "الشرق" الإخبارية بمنصتيها الرائدتين "الشرق للأخبار" و"اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"، كما تضم محفظتها الإعلامية الواسعة عشرات الوسائل الإعلامية المطبوعة والرقمية والمرئية ذات التأثير الكبير، بما في ذلك صحيفة "الشرق الأوسط" العريقة، و"عرب نيوز" الناطقة بالإنجليزية، و"إندبندنت عربية"، ومنصة "أرقام" الاقتصادية، و"مانجا العربية" المتخصصة في محتوى الأطفال واليافعين، بالإضافة إلى مجلتي "سيدتي" و"هي" النسائيتين الشهيرتين.

مشهد عالمي مضطرب.. وسوق عربية متعطشة للتطوير

على الصعيد العالمي، تشهد كبرى المؤسسات الإعلامية تحركات مماثلة، حيث ضخت استثمارات ضخمة في تطوير منصات تحرير تعتمد بشكل متزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك "بلومبرغ" الشريك الاستراتيجي لـ SRMG. كما بدأت شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "أوبن ايه آي" (OpenAI) و"ديب مايند" (DeepMind) التابعة لـ"جوجل" في تطوير أدوات تستهدف بشكل مباشر قطاع الإعلام، وتتراوح استخداماتها من الترجمة الفورية عالية الدقة إلى كتابة المقالات الإخبارية.

لكن التحدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يبدو أكثر تعقيدًا، كما تشير الراشد: "فقط 6% من إجمالي محتوى الإنترنت مكتوب باللغة العربية في الأصل. وهذه ليست مجرد فجوة رقمية في المحتوى، بل هي فجوة سردية عميقة".

وتتابع قائلة: "نحن بحاجة ماسة إلى تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي تساعدنا على إنتاج محتوى عربي عالي الجودة، يعكس أصالتنا وتراثنا الغني، بالتوازي مع احترام تنوع الهويات والثقافات المحلية".

وفي هذا السياق، تشير تقارير متخصصة إلى أن حجم الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام في منطقة الشرق الأوسط لا يزال محدودًا نسبيًا، على الرغم من النمو الاقتصادي المتسارع في أسواق رئيسية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهذا الوضع يضع SRMG في موقع ريادي فريد، فهي "لا تكتفي بمجرد استهلاك التقنيات المتاحة، بل تسعى بنشاط لتطويرها محليًا وتكييفها لتناسب السياق العربي الفريد"، على حد تعبير الراشد.

فن السرد الإنساني لا يموت.. بل يشهد تحولًا جذريًا

تدرك جمانة الراشد تمام الإدراك أن "الإبداع الفني" هو جوهر العمل الإعلامي، وأن التكنولوجيا مهما بلغت من تطور لا يمكنها أن تحل محل "الحدس التحريري" واللمسة الإنسانية التي تميز الصحفي المتمكن، لكنها في المقابل ترى في الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لتحرير الصحفيين من المهام الروتينية والمتكررة، مما يمنحهم الوقت والفرصة للتفرغ لما لا تستطيع الآلة تقليده: الشغف بالقصة، والأسلوب الفريد في السرد، والبصيرة العميقة في فهم الأحداث.

وتقول: "أشجع جميع صحفيينا على تبني واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في عملهم، ليس ليحل محلهم، بل ليطلق العنان لقدراتهم الإبداعية الكامنة"، بل وتتعدّى نظرتها حدود الصحافة المكتوبة لتشمل صناعة الأفلام قائلة: "إذا كانت التقنية ستساعد في تحسين جودة القصة وتكثيف رسالتها وتأثيرها على الجمهور، فلمَ لا نتبناها؟".

التحديات القائمة.. بين التحيز الخوارزمي و خطر التضليل الإعلامي

لكن الرئيسة التنفيذية لمجموعة SRMG لا تغفل عن المخاطر والتحديات المصاحبة لهذا التحول التكنولوجي العميق، وتُعتبر أن أبرز هذه المخاطر يتمثل في التحيز الخوارزمي المحتمل وانتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. وهنا تشدد على الحاجة الماسة إلى وضع ضوابط واضحة وتنظيمات حاكمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام: "علينا أن نُدرّب الآلة بلغتنا وقيمنا الثقافية، وأن نحافظ على زمام المبادرة والسيطرة على خيوط القصة منذ البداية".

وتختتم الراشد حديثها بنظرة مستقبلية تجمع بين الطموح والواقعية: "بعد عام، أو عامين، وربما حتى غدًا، قد تتغير قواعد اللعبة الإعلامية تمامًا بفعل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن ما لن يتغير أبدًا هو أن الإنسان سيظل هو محور الحكاية والقصة، وسيظل الذكاء الاصطناعي مجرد أداة قوية في خدمته، تعزز قدراته وتوسع آفاق إبداعه".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق