جرى، مساء الثلاثاء، خلال فعاليات الدورة الـ30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، تقديم الكتاب الجماعي الجديد الموسوم بـ”الذكاء الاقتصادي في إفريقيا والعالم: الوضع الراهن والمجالات الجديدة”، الصادر عن دار النشر الفرنسية “L’HARMATTAN”؛ والذي أشرف على إعداده الأكاديمي المغربي إدريس الكراوي؛ رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة ورئيس منتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاصطناعي وعضو أكاديمية المملكة المغربية.
ويستعرض الكتاب، وفق ما ورد في التقديم، “وضعية البحث في مجال الذكاء الاقتصادي في السياقين القاري والدولي، ويتناول بعض التجارب الوطنية الإفريقية”، كما “يدرس المجالات الجديدة الممكنة والمفتوحة أمام هذا الحقل، الاقتصادية والقانونية والإدارية والمالية، والإقليمية والرياضية والاصطناعية والمستقبلية والمناخية”، ويشير أيضًا إلى التجارب التي حققت تطورًا على مستوى الذكاء الاقتصادي.
فرص وإمكانات
إدريس الكراوي، رئيس منتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي ورئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، أشار إلى أن الكتاب حصيلة لأشغال الدورة الرابعة من منتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي، المنعقدة في دجنبر 2023، حول موضوع “المجالات الجديدة للذكاء الاقتصادي في إفريقيا والعالم”، مسجلًا أن تلك الدورة ساهمت فيها عدة فعاليات من خبراء وباحثين ومؤسسات وجمعيات دولية تُعنى بالذكاء الاقتصادي.
وناقش الكراوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، الخلاصات التي تتطلب الوقوف عندها، موردا: “أولًا أنه لا يوجد نموذج مثالي للذكاء الاقتصادي؛ فكل بلد، وكل قطاع، وكل فاعل في مجتمع معين، في مرحلة معينة من تاريخه، يطوّر ممارسات تتلاءم مع أهدافه ومنظومته”، مبرزًا وجود “عدة حالات في مجال تطور هذا الذكاء على صعيد القارة الإفريقية؛ فهناك دول جد متقدمة في مجال الممارسات، وعلى رأسها المغرب، جنوب إفريقيا، ونِسبيًّا ساحل العاج، وهناك دول إفريقية بدأت تهتم بالأبحاث والدراسات والممارسات المتعلقة بالذكاء الاقتصادي، فيما دول إفريقية لم تستطع بعد تطويرها”.
وقال المتحدث ذاته: “ما هو جديد اليوم على صعيد هذا الحقل من العلوم الاقتصادية أمران أساسيان: الذكاء الاقتصادي بأهدافه ووظائفه وتقنياته، والمؤسسات التي تعمل به، وانطلقت من الاهتمام بتطبيقات هذا الذكاء على صعيد المقاولة، في مفهومه الجزئي، ثم مقاربات وآليات ومكنزمات تُعنى بالجوانب الكلية الشمولية للذكاء الاقتصادي”، وزاد: “الآن وصلنا إلى مرحلة ثالثة، وهي العناية بالجانب المؤسسي لهذا الذكاء”.
وبالموازاة مع هذا التطور رأى الأكاديمي أن “العالم يعيش ما يشبه ثورة حقيقية؛ فكل حقول المعرفة والمجالات التي تهم الاقتصاد والمجتمع بدأت تُعنى بقضايا الذكاء الاقتصادي، وخاصة المكونات الثلاثة للثروة في بلداننا اليوم، وهي: الرأسمال الطبيعي، الرأسمال المنتج، والرأسمال اللامادي”، وتابع: “هذه المكونات التي تنتج الثروة داخل أقطارنا بدأت تكتسب أو بدأت تهتم بممارسات جيدة، سواء تعلق الأمر بالمقاولات أو الجماعات الترابية، أو الحكومات، أو الفعاليات الأخرى من جامعات ومراكز البحث وغيرها”.
الحاجة إلى إستراتيجية
الأكاديمي والاقتصادي ووزير الطاقة والمعادن الأسبق إدريس العلوي المدغري شدد في كلمته على أن “النقطة الأساسية التي يمكن التطرق إليها بشأن الذكاء الاقتصادي هي أننا لا بد ألاّ نهمل هذه التطورات التي تتحرك بأرجائنا”، مؤكدًا على “ضرورة الحفاظ على يقظة دائمة ومستمرة، لأن الأمور تتغير بسرعة من حولنا”، ودعا إلى الاشتغال على إستراتيجية وطنية واضحة بشأن هذا الموضوع.
وقال العلوي المدغري وهو يتدخل خلال ندوة التقديم إن “الإستراتيجية تضع الأهداف والوسائل وكافة المرتكزات التي تسعف في الوصول إليها”، مشيرًا إلى أنه ليس على بينة مما إذا كانت هناك اشتغالات رسمية جارية على هذا المستوى، وأردف: “هذا من الناحية الرسمية، أما بخصوص الشركات فنجد أن بعضها بدأت مبكرًا ومنذ سنوات في تبيئة عناصر الذكاء الاقتصادي، بمعنى أن لديها مراكز للتوثيق، وتتوفر على أشخاص مؤهلين، وعلى المعلومات”.
ولفت المسؤول الحكومي الأسبق والخبير الاقتصادي، في هذا السياق، إلى المجمع الشريف للفوسفاط والعديد من المؤسسات التابعة له، بالإضافة إلى البنوك، معتبرًا أن هذه الهيئات “تسعى إلى ضمان جاهزيتها ووضع أنظمة تسمح لها بالتتبع”، وواصل: “المطلوب اليوم هو التحضير لإستراتيجية شاملة حول الذكاء الاقتصادي، تحدد جملة من الأهداف، وتتوفر لها الاعتمادات المالية اللازمة”.
وعلى غرار إدريس الكراوي سجل المتحدث عينه أن ثمة تحديات جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مورِدًا أن “أدوات وأساليب وأشياء كثيرة تتطور بسرعة، ومن هذا المنطلق نحتاج إلى التأقلم، وفي الوقت ذاته الدفاع عن أنفسنا واستمراريتنا، لأن عددًا من قضايانا الإستراتيجية على المحك”.
تحديات عالمية
فيليب كليرك، رئيس الجمعية الدولية الفرانكفونية للذكاء الاقتصادي، ومقرها باريس، سجل أن “الحاجة إلى مفهوم الذكاء الاقتصادي راهنية في سياق عيش العالم تصدعات اقتصادية حادة”، متابعا: “العالم يدخل في تحول يمكن وصفه بأنه غير مسبوق”، وزاد: “علينا أن نكون أذكياء في التعامل مع ظاهرة الانشطار التي نشهدها على المستوى الجيوسياسي، حيث نرى أن الولايات المتحدة تختار جوانب محددة؛ ونحن ملزمون بالقيام بذلك، كما يقول أصدقاؤنا السويديون، من أجل البقاء. إذا أردنا البقاء على قيد الحياة”.
وأشار كليرك إلى تداخل التحديات؛ “فمن جهة يوجد الذكاء الاصطناعي، والثورات الصناعية، ثم التغيرات المناخية الحادة”، مؤكدًا على “الحاجة إلى تمثّل الذكاء أكثر من أي وقت مضى”، وأردف: “لقد خرجنا من الحرب الباردة في بداية التسعينيات وصرنا أمام عالم جديد تمامًا، خالٍ من اليقينيات ومعقد للغاية، واليوم يشعرنا المحللون بأن العالم يعيش مرحلة هشاشة واضحة”.
وأورد الأكاديمي عينه: “بما أننا في عالم يعيش أزمات متعددة، ونشهد فيه مشاكل مجتمعية واقتصادية وصناعية وأمنية وغذائية جمة، فنحن بحاجة إلى إعادة التفكير في بعضنا. وهذا ما فعلناه في هذا العمل مع أصدقائنا الأفارقة، لأنهم أكثر من يواجهون تحديات وأزمات حادة، ضمنها الأزمات الإنسانية. لذلك في الذكاء الاقتصادي يجب على المرء أن يظل متواضعًا دائمًا حتى يستفيد من تجارب أخرى”.
تجدر الإشارة إلى أن اللقاء ناقش كذلك التحديات المطروحة على هذا الحقل من المعرفة، والتحدي الأول يتعلق بالزمن؛ إذ “ثمّة تصارع مع التاريخ، وجراء تقدم المهارات والتكنولوجيات والمعارف أصبحت التنافسية على صعيد مختلف مكونات الثروة وليدة لقدرة الفاعلين داخل هذه المكونات على إنتاج ابتكارات وتكنولوجيات ومناهج تدبيرية جديدة لمواكبة التقدم السريع في التكنولوجيات والمهارات والمعارف على هذا الصعيد”.
أما التحدي “الأكثر جسامة”، وفق توصيف الكراوي بشكل خاص، فهو “من سينتج غدًا المعلومة، التي هي الأساس في منظومة الذكاء الاقتصادي؟ هل الإنسان أم الآلة؟ وهنا يُثار نقاش دولي بسبب الدور الذي تلعبه الثورة ما بعد الصناعية”، خاتما: “المطلوب اليوم هو إيجاد توازن ذكي بين القيمة المضافة للذكاء الاصطناعي من جهة وما يمكن أن ينتجه الإنسان من جهة أخرى”.
" frameborder="0">
0 تعليق