استعراضٌ لملامح “الاحتفاء بالثقافة الحسانية لدى مغاربة العالم”، تكلّف به كلٌّ من الباحثة المغربية المقيمة بألمانيا نادية يقين، والباحث لحبيب عيديد، صباح الأربعاء، ضمن الدورة الـ30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، بغرض تفكيك “الترافع عن القضايا الوطنية ومكونات الهوية المغربية الغنية بتراثها المادي واللامادي”، في ظل “حركة ثقافية يقودها مغاربة العالم من أجل التعريف بالبلد بمختلف مكوناته الاجتماعية والثقافية”.
وأثناء وضع أرضية النقاش، لفتت مسيّرة اللقاء، الحقوقية والباحثة أمينة التوبعلي، إلى أن التداول في هذا الموضوع راهني، بما أن “ثقافة الحسانيين لم تكن تصل في السابق لا إلى مغاربة الداخل ولا إلى مغاربة العالم”، وشدّدت على أن “هذا التقدير في المعرض يعني الكثير لأهل الصحراء المغربية، لكونه تقديرًا لتوقيع وطني ورغبة في تسهيل مواصلة انتشاره على المستويين المحلي والكوني”.
“كنز وطني عريق”
نادية يقين، مديرة المعهد المغربي الألماني للدراسات والبحوث رئيسة الصالون الثقافي الألماني المغربي، قالت إن “حضور الثقافة الحسانية في الهوية المغربية يعكس التنوع والتعدد اللذين يمنحان المهاجرين قوة داخل البلدان المضيفة”، موضحة أن “عناصر القوة المذكورة تسهّل عملية التكيّف داخل المجتمعات. ولهذا نرى أسماء مغربية بارزة في دول أخرى بفضل ما تتيحه لهم الثقافة الوطنية”.
واعتبرت يقين، وهي الباحثة في قضايا النوع واللجوء، ضمن مداخلتها أن “الاشتغال على الثقافة المغربية، أو الهندسة الثقافية الوطنية، أو الصناعة التي تُعد واجهة حقيقية للاستثمار الإنساني والتعريف ليس فقط بالمغرب، ولكن بالثروة الإنسانية، مسألة حاضرة بالضرورة عند مغاربة العالم”، وقالت: “تمغربيت أو قيم المغرب لا تغيب عن البيوت، وبمجرد تجاوز العتبة نكون في مجتمع آخر. هذا لا يطرح أي مصاعب أمام التكيّف والانسجام والاندماج”.
وبيّنت الباحثة المغربية المقيمة في ألمانيا أن “الاشتغال على الثقافة المغربية بطريقة أكاديمية ودبلوماسية يتم من خلال مجموعة من الصالونات الثقافية، كالصّالون الثقافي المغربي الألماني الذي بلغ الآن دورته العاشرة وحظي بشراكات مع مؤسسات جامعية ألمانية”، موضحة أن “هذه الشراكات مهمة وثمينة، وتُساهم في إدخال الثقافة الوطنية إلى المجال الأكاديمي والعلمي في البلدان المضيفة”.
وشدّدت على أن “الحضور متنوع، ونحاول ما أمكن أن نُشارك الثقافة بكل تمثّلاتها، من خلال حضور باحثين مغاربة، وقد سبق أن حضرت العُليا ماء العينين التي قدّمت عرضًا رائعًا عن شعر ‘التّبراع'”، مبرزة أن “المضمون مفاجأة، ليس فقط بالنسبة للألمان، ولكن أيضًا بالنسبة للمغاربة في ألمانيا”، معتبرة “الخطوة مهمة، تساند الاشتغال على الهوية بكل مكوناتها الثقافية، سواء داخل ألمانيا أو خارجها”.
وذكرت الأكاديمية المغربية أن التعريف بالثقافة الحسانية، بوصفها جزءًا مهمًّا جدًا ومن مرتكزات الهوية الوطنية التي ولجت إلى قلب وثيقة 2011 الدستورية، “هو إشهار لكنز يُمثل قوّة الشخصية المغربية، ويربطها بشكل مباشر بالقضايا الوطنية”، وتابعت: “حين نتحدث عن الثقافة الحسانية، فنحن نتحدث عن قضية وطنية، وعن تاريخ وتراث وتشبع بهذه الثقافة من خلال الحديث عنها”.
وعرضت يقين بعض التحديات، منها “مسألة اللغة، لكوننا نحتاج إلى ترجمة هذا التراث اللامادي إلى الألمانية”، مبرزة “الحاجة إلى تشجيع البحث العلمي في الجامعات الألمانية حول التوقيع الثقافي بالأقاليم الجنوبية المغربية، والحاجة إلى التشبيك، والدعم المعنوي، وضمان رقمنة هذا التراث، والاشتغال عليه بشكل أكاديمي وعلمي، للتعريف بهذه الثروة الإنسانية”.
ثروة مرتحلة
الباحث في الثقافة الحسانية لحبيب عيديد قال إن “مغاربة العالم كان لهم دور ليس فقط في التعريف بالثقافة المغربية، والحسانية، ولكن أيضًا في خلق دينامية ثقافية في البلدان التي يعيشون فيها”، مبرزا غياب دراسات حول المهاجرين المغاربة المنحدرين من الجهات الجنوبية، موردا: “أظن أن التحاقهم بالمهجر لم يكن ضاربًا في القِدم، ربما بدأ الأمر أساسًا بمنطقة واد نون”.
وأشار عيديد إلى أن “الكثير من أبناء الجالية المنحدرة من الجهات الجنوبية ذهبوا في سن مبكرة، وكان مستواهم الدراسي محدودًا، وكان هدفهم الأساسي هو البحث عن فرص الشغل وتحسين مستواهم الاقتصادي والمعيشي”، مسجلا أنه “كما هو حال جميع المغاربة، استقرت أسرهم هناك، وأنجبوا أبناءهم وبناتهم. حظي الأبناء بفرص للتعلّم والوصول إلى مستويات دراسية عالية”.
وقال المتحدث: “ليس هناك معرفة حقيقية بالمبدعين المغاربة في المهجر بحكم التركيز على الداخل”، منبها إلى أن “سياسة الانفتاح الحالية لم تبدأ إلا في سنوات متأخرة”.
وتحدث عيديد عن الروائي حافظ الزبور، “وهو، بالمناسبة، لم يهاجر إلى كندا إلا حين تجاوز الأربعين من عمره. ينحدر من مدينة كلميم. عاش فيها، واشتغل فيها، وكبر فيها، ثم بعدها اختار الهجرة إلى كندا ليعيش تجربة جديدة، حاملًا ثقافته معه”.
وشدّد على أن “تجربة الهجرة لدى الزبور مكنته من أن يبدأ مشروعًا جديدًا”، مبرزا أنه “كان رجل تربية وتكوين، وربما ساعده هذا التكوين المعرفي المرتبط بمجال التعليم على البحث في تفاصيل الحياة اليومية للمهاجرين بكندا، وأن يتعرف كذلك على تفاصيل المجتمع الجديد الذي أصبح يعيش فيه، دون أن يُصاب بصدمة الحداثة”.
وأورد الباحث في الثقافة الحسانية أن هذا الروائي “عندما هاجر إلى كندا بدأ الانشغال بالكتابة السردية على وجه الخصوص، مع أنه كتب أيضًا مقالات متفرقة في مجلات كندية وعربية، وله العديد من الحوارات الثقافية، مع وسائط إعلامية عديدة، سواء في الإعلام التقليدي أو في الإعلام الإلكتروني المعاصر”، معتبرا أن هذه المادة الإعلامية تلعب دورًا مهمًّا في التعريف به وبثقافته.
وتطرّق عيديد إلى رواية “غربة بلون الرمل” التي كتبها الزبور في المهجر، وقال: “من ذكاء الكاتب أنه اختار الرمل رمزًا للغربة، ربما لإبراز قضايا متعددة، من بينها أن الغربة قاسية كقساوة الرمل، وأنها أيضًا متحركة وليست ثابتة، لأن الرمال ليست ثابتة، كما أن لها لون الشحوب مثل لون الرمل. وهي تشير إلى عمق ثقافة الصحراء، كثقافة روحانية، وثقافة التأمل والتفكّر”.
0 تعليق