في عودة مفاجئة إلى البيت الأبيض، دشّن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ولايته الثانية بجملة قرارات وسياسات صدامية أعادت تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي، وخلخلت أعمدة النظام الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
خلال أول 100 يوم فقط، برزت ملامح استراتيجية قائمة على شعار "أمريكا أولاً"، لكن هذه المرة، بشكل أكثر تطرفاً وتصعيداً من ولايته الأولى.
انقلاب على النظام القائم
شنّ ترمب حرباً جمركية عالمية لم يسلم منها حلفاء أو خصوم، وقلّص بشكل حاد من المساعدات الخارجية، واستخف بشركاء الناتو، بل وروّج لفكرة ضم أراضٍ أجنبية مثل جزيرة جرينلاند وكندا وقناة بنما، ما اعتبره كثيرون تهديداً مباشراً لمفهوم السيادة الوطنية والاحترام المتبادل بين الدول.
إضعاف العلاقات التقليدية: أدت مواقف ترامب إلى زعزعة الثقة في الشراكات الأمريكية التقليدية. الحلفاء في أوروبا وكندا وكوريا الجنوبية واليابان باتوا يعيدون تقييم علاقاتهم الأمنية والاقتصادية مع واشنطن.
في المقابل، اكتسب الخصوم الجيوسياسيون، خاصة روسيا والصين، جرأة أكبر في ملء الفراغ الأمريكي، سواء عبر التقارب مع الدول المتضررة أو توسيع نفوذهم الاستراتيجي.
نهج داخلي انعزالي وتصعيد خارجي: داخلياً، تُتهم إدارة ترمب بالسعي لتقويض الديمقراطية من خلال استهداف القضاة، الجامعات، والمهاجرين.
وخارجياً، أثار تقاربه مع روسيا وطرحه لمواقف استفزازية بشأن أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط، مخاوف عميقة من انحدار واشنطن نحو سياسة خارجية تهدد الاستقرار العالمي، وتقرب العالم من صراعات إقليمية كبرى.
ردود فعل دولية ومبادرات مضادة
أوروبا بدأت بتعزيز صناعاتها الدفاعية وفرض إجراءات جمركية مضادة. كوريا الجنوبية تناقش خياراتها النووية، وكندا تسعى لتنويع تحالفاتها، فيما تطرح الصين نفسها كبديل للقوة الأميركية في مجالات التمويل والتنمية الدولية.
البيت الأبيض يدافع: في مواجهة هذا الانتقاد الدولي، يصرّ فريق ترمب على أن الرئيس يعيد "القيادة العقلانية" عبر الضغط على الصين، تقليص النفوذ الإيراني، وإنهاء الحروب المزمنة، مشيرين إلى ما يعتبرونه فوضى إدارة بايدن السابقة.
تداعيات مستقبلية
تشير شهادات مسؤولين حاليين وسابقين، جمعتها وكالة "رويترز"، إلى أن السياسات المتبعة في بداية ولاية ترمب الثانية قد تُحدث تغييرات يصعب الرجوع عنها حتى لو جاء رئيس أمريكي مختلف في 2028.
ويتوقع العديد من المراقبين أن تبدأ الدول بإعادة تشكيل علاقاتها الخارجية وفق مبدأ "الاعتماد الذاتي"، لتقليل انكشافها أمام تقلبات السياسة الأميركية.
المائة يوم الأولى من حكم ترامب الثاني تكشف عن تحوّل دراماتيكي في الدور الأمريكي على الساحة العالمية.
من شريك ضامن للنظام الدولي إلى لاعب منفرد يعيد رسم الخرائط السياسية والاقتصادية وفق حسابات داخلية ضيقة.
وبينما لا تزال هناك فرص للتهدئة، فإن المؤشرات الحالية تضع العالم على عتبة مرحلة جديدة من الاستقطاب والاضطراب العالمي.
0 تعليق