من التلفيق والهجانة إلى التركيب والإبداع
في عالم اليوم الذي يتسم بالتحولات الثقافية السريعة وبالتلاقح الفني بين الحضارات وبهيمنة الثقافات العابرة والمهيمنة، وفي سياق العولمة المفروضة بامتلاك تكنولوجيات التحكم في دواليب الاتصال والتواصل، يطرح علينا سؤال أساسي ينبغي أن يلقى ما يكفي من الاهتمام من المفكرين ومن نقاد منظومة عالم الثقافات والصناعات الفنية بالمغرب. يتعلق هذا السؤال أساسا بمدى قدرة الفنانين المغاربة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة من جهة، وبين العمق التراثي والابتكار الطليعي، في صيغ يذوب فيها ما هو أصيل وما هو عصري بتناغم وبتناسق، لا يترك مجالا لمجرد إلصاق سطحي بينهما، كما لا يظهر في صيغة هجانة متنافرة، وإن تطلب إدراكها مهنية وخبرة وذوقا مصقولا بالاطلاع وبالتدريب والتكوين الرصين.
للقيام بهذا التحليل الدقيق لا بد من اختيار عينة أعمال فنية مغربية حازت النجاح الكمي على الأقل، ومقارنتها بأعمال أخرى خارج الوطن شكّلت قطيعة مع الهجانة ومع الالصاق والتلفيق التعسفي، وتخلصت بشكل بنيوي من الابتذال السطحي لمحاولات المزاوجة بين الوطني والكوني، تمييزا بين ما هو دولي بسبب الانتشار الكمي والخروج الجغرافي خارج الوطن، وبين الكوني الذي يعني القدرة على استدماج “الغير” كثقافة وكإبداع، مع المحلي الضارب في التاريخ في عمق بنياته الأصيلة قلبا وقالبا، وليس باعتبار مظاهره الجزئية السطحية فقط، ضمن أعمال فنية متكاملة بنيويا، لا تشعرك بالإلصاق الفوقي والنمطي لما لا يمكن تنسيقه إلا في صيغ جديدة وجريئة وذكية ومبدعة، تنسيك المحلي والكوني على حد سواء، لتدهشك بالتركيب بينهما، عملا بمفهوم تركيب الأطروحة والنقيض لدى الفيلسوف الجمالي هيغل.
قد يبدو الربط في سياق هذه المقاربة النقدية بين جيل الستينات والسبعينات وجيل التسعينيات والألفية الثالثة نوعا من التعسف، لكننا لا نرى فرقا بين “الكليب” المعاصر والأغنية العصرية المغربية للسبعينيات وما يليها مع الرواد، من حيث العمق الفكري والانغراس في تربة الإنساني والقيمي والجمالي المغربي والكوني في الوقت نفسه، بغض النظر عن شكل صياغة الغناء واللحن وأدوات صناعته وتوزيعه وتقديمه للجمهور، فبين الأغنية المصورة والمسموعة فقط، تظل مقاييس إبداعية النغمة والكلمة هي ذتها، وإن اختلفت صيغة الشعر والإلباس البصري والأداء الجسدي، ف”سويفت” و”غراندي” و”البيتلز” و”آزنافور” و”بيتهوفن” و”نجاة الصغيرة” و”كولد بلاي” و”بوب ديلان” و”فيروز” و”ألمودوفار” و”درويش” و”شوقي” و”قباني” و”محفوظ” و”ماركيز” وجاك بريل”… إلخ، مبدعون بالكلمة وبالنغمة وبالصورة بشكل أو بآخر، وعمق مواقفهم وعندما تسمعهم يتحدثون يبهجك بعمق تفكيرهم وبرصانة لغتهم وبفرادة رؤيتهم وبرفعة شجاعتهم وبامتلاكهم لفنهم، ولو بالصمت وبعدم الادعاء ولا الإسفاف أو الغرور.
“كليبات” المجرّد وبنشليخة نموذجا
سنشتغل في مقاربتنا هذه على أعمال فنية تروج اليوم إحصائيا وإعلاميا وعدديا وكميا بالمغرب وخارجه، وهي بذلك تمثل النجاح عالميا بالمعنى الجغرافي للكلمة. اخترنا في هذا السياق الفنانين “منال بنشليخة” و”سعد المجرد” كنموذجين للنجاح الجماهيري الكمي على الرغم من الاختلاف الواضح في كثافة هذا النجاح بينهما. سنواجه أعمال هذين الفنانين بتساؤلات حول مدى عمق إبداعهما وأصالته وتجاوزه التلفيق والالصاق، مقارنة من جهتين وعلى مستويين:
– تتعلق الجهة الأولى ببنيات وبجذور ريادة الموسيقى المغربية العصرية والأندلسية والشعبية المغربية والملحون وأهازيج الفولكلور والروايس وكل المكونات العريقة، ويمثلها على سبيل المثال “أحمد البيضاوي” و”نعيمة سميح” و”محمد الحياني” و”عبد السلام عامر” و”عبد النبي الجيراري” و”عبد الوهاب الدكالي” و”رويشة“… إلخ، وسياقات إبداعهم الاجتماعية واليومية والسياسية والتاريخية المغربية، وذلك من حيث مدى الاستيعاب التاريخي والذوقي والفني، بحذق وذكاء وسلاسة واستدماج تركيبي لتراثها الفني الضارب في الجذور المغربية الثقافية والفنية،
– أما الجهة الثانية فتتعلق ببنيات وبجذور ريادة الموسيقى الغربية بكل أشكالها وأنواعها فرنسية وأمريكية وإنجليزية وإيبيرية… إلخ، ممثلة لما هو متقدم في إشكالات استيعاب الكوني وتنغيمه إبداعيا مع الحاضر، ومدى توفيقهم في المزاوجة والنجاح بين الأصيل والحديث بل والمستقبلي الطلائعي، في مجتمعات تشهد تطورا كبيرا يطرح مسألة الأصالة والكوني باستمرار وتعقيد ثقافي مماثل ومستمر.
مستويات القاربة
1- جودة الإبداع الموسيقي والشعري عند بنشليخة والمجرّد، وغيرهما من جيل فناني أغنية “الكليب” اليوم، التي تجتاح المجتمع، والشباب خاصة، وتتصدر نِسَب المتابعة والمشاهدة في الإحصاء الكمي، وبالتالي مساءلتها عن مدى ابتكارها لتركيبات غنائية وموسيقية وتعبيرية فنية عموما جديدة ومجددة وتجديدية.
2- الاشتغال على نصوص شعرية – دارجة أو فصحى أو غيرها منسجمة وغير هجينة – عميقة ومنسجمة وجميلة الدلالات والمعاني الفكرية والفلسفية والوجدانيةوالجمالية.
3- استلهام التراث المغربي (موسيقى، رواية، شعر، عمارة، ثقافة، أفلام، ملابس، ديكورات وإكسسوارات… إلخ) دون سقوط في الهجانة أو السطحية، التي تقف عند حدود إلصاق عناصر وأشكال تراثية أو فولكلورية بلوحات من الحاضر المغربي أو الغربي، بشكل تعسفي لا عمق ولا انصهار فيه، غير قادر على إنتاج صيغة فنية تقدم المدهش الجديد، الذي لا يكرر ولا يعيد إنتاج وتلفيق ظاهر فيه الأصيل وهو مشوه والكوني المعاصر وهو مبتور.
4- مقارنة الإبداع بما حققته من دمج بين الأصالة والحداثة الطليعية، بنماذج من الغرب ذكرناها فوق، على سبيل المثال لا الحصر، في الغرب.
5- واقع المغرب الانتقالي ومدى تأثيره على الإبداع الفني.
6- جودة الإبداع الموسيقي: بين الابتكار والتقليد.
أ- “كليبات” منال بنشليخة وسعد المجرد.. بين الشعبية والإبداع
يتمتع كل من “منال بنشليخة” و”سعد المجرد” بشعبية كبيرة في المغرب وفي العالم العربي بل وحتى في دول أوروبية ونقصد هنا سعد المحرّد أساسا، بفضل ألحانهما الجذابة وأغانيهما وإيقاعاتها التي تُلائم ذائقة الشّباب خاصة. لكن هل يمكن اعتبار إنتاجهما موسيقى مبتكرة حقًا؟
– منال بنشليخة: تعتمد على مزيج من الموسيقى المغربية المعاصرة مع إيقاعات أصيلة وغربية، لكنها تظل أسيرة القوالب التجارية. ألحانها لا تبتعد كثيرًا عن النمط المتداول في “البوب” العربي، مع غياب واضح للتنويعات النغمية العميقة.
– سعد المجرد: يتميز سعد المجرد بصوت رائع وبقدرة على تقديم ألحان مؤثرة، لجمعها بين التعبير الجسدي والصوتي والايمائي وبين العناصر البصرية والإيقاعات المثيرة للذوق الشبابي خاصة، لكنه يكرر نفسه “لكن بذكاء ووعي” في التقاط المرحلة وما تريده الجماهير والسوق، عوض دروس تاريخ الفن وما يعلمه ويعترف به. موسيقاه تفتقر إلى التعقيد/الغنى اللحني الذي يميز أعمال الرواد رغم اختلاف السياقات طبعا، الذين كانوا يدمجون بين الموسيقى المغربية بأشكالها – لا يتعلق الأمر بتوظيف إيقاعات شعبية عريقة في حلة تتلألأ فيها الأضواء وتهتز فيها أجساد، وتُثَارُ فيها الذكريات السّطحية وحماسة قشُورِ الهوية دون قيم عميقة ونبيلة – والعصرية الحديثة ببراعة لا تظهر فيها الهجانة والتركيب السطحي.
ب- مقارنة بالرواد المغاربة: البيضاوي، الحياني، عامر، الجيراري، الدكالي، الراشدي…
عند مقارنة إبداع بنشليخة والمجرد برواد الموسيقى المغربية، نلاحظ فرقًا كبيرًا في العمق:
– أحمد البيضاوي: كان رائدًا في تطوير الموسيقى المغربية بأصولها وروافدها، مع الحفاظ على الأصول التقليدية وإدخال تجديدات ذكية. لكنها صارمة في علو المستوى وتمجيد الصوت والنغمة والشعر العربي الأصيل، أسوة بكبار الملحنين العرب المعاصرين كرياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.
– عبد النبي الجيراري: تميز بدمج ذكي وحاذق بين الشعر الموسيقي الدارج والنغم المغربي اللحني الأصيل، بشكل يجعل الأحاسيس النبيلة والتراث المشترك التخييلي يطفو عند الاستماع إليه بشكل مدهش متدفق وهو ما أنتج أغان خالدة مع سميرة سعيد وعبد الوهاب الدكالي على سبيل المثال، وهو ما منح لألحانه بعدا جماليا فريدا.
– عبد السلام عامر: قدم موسيقى جريئة التجريبية جمعت بين التراث المغربي والموسيقى العالمية، مع احترام القواعد الفنية وهو ما أهله لتخليد الأغنية العصرية المغربية برائعة “القمر الأحمر” مثلا، وهي حكاية زمان ومكان وهوية وعشق بأنغام توقظ رصيد قرون من ثقافة وحضارة مغربية مشتركة لا حدود لغناها وتجددها.
في المقابل، يبدو إنتاج بنشليخة والمجرد أكثر سطحية، حيث يغيب الاشتغال على البنى الموسيقية المعقدة، ويعتمدان على الإيقاعات السهلة التي تلقى رواجًا سريعًا.
الاشتغال على النصوص الشعرية.. بين الرصانة والسطحية
أ- مدى عمق النصوص عند بنشليخة والمجرد
تعتمد الأغاني التي يقدمها الاثنان في الغالب على كلمات بسيطة، تتراوح بين العاطفية المباشرة والكليشيهات الاجتماعية الاحتفالية ومعاني الأنا المشبعة بأنانيتها. نادرًا ما نجد في أعمالهما:
– شعرًا رصينًا يحمل دلالات فلسفية أو إنسانية عميقة تركب قيم المغرب وقيم العالم التاريخية الإنسانية الخالدة.
-تركيبة فكرية تعكس رؤية نقدية أو تأملية للواقع المغربي فالفن لم يكن يوما منسلخا عن نقد النظام الاجتماعي وما يفرضه على الفرد من قسوة تنازلات عن حريته وتخييله وتنقله وكرامته وإلا فنهاية الفن هي وجود مجتمع مثالي. فأغلب فناني المغرب يخلطون بين حب الوطن والإخلاص له وبين الانبطاح لواقع يحبل بالمفارقات والتجاوزات والنقائص، وهم بريائهم وادعائهم البعد عن السياسة إنما يزكون القائم ويعبرون عن وعيهم الشقي والبئيس المعرفي والفني في الوقت نفسه.
– بعدًا وجدانيًا يتجاوز الحب العادي إلى تأملات وجودية في الذات الحاملة للوجدان وللحب باعتبار الجب والوجدان، التزام في المجتمع الوطني والعالمي بما يجمع الإنسانية ويحصن استمرارية الفن نفسه ومعناه.
مقارنةً بأغاني الحياني أو البيضاوي، التي كانت تحمل مضامين وطنية وإنسانية اجتماعية وفكرية ووجدانية عميقة، نجد أن بنشليخة والمجرد يقدمان صناعة فنية أقل نضجًا بكثير، تهتم بالشكل الخفيف السريع السطحي المطلوب في سوق تفتقد لذوق يساير تحديات مواجهة سيادة الابتذال الميديوكراسيا وسيادة المُهيمِن المُعَولمِ، نظرا لسهولة إعادة إنتاجه ولمردودتيه السريعة والمضمونة.
ب- مقارنة بنموذجي أريانا غراندي وتايلور سويفت
في المقابل، نجد أن “أريانا غراندي” و”تايلور سويفت”، رغم كونهما في سياق تجاري عالمي عالٍ جدا، إلا أنهما تقدمان أغاني تحمل:
– تحليلات نفسية فلسفية وجمالية ووجودية كما في أغاني سويفت عن العلاقات والذات وعلاقاتها مع الغير ومع الحياة وتجربتها الواعية.
– نقدًا اجتماعيًا عميقا وعارفا وغير نمطي ولا سطحي مثل أغاني غراندي عن النزعة النسائية وحقوق المرأة ووضعها في المجتمع وصورتها فيه ومعنى الحب والزواج بالنسبة لها في مجتمع الاستهلاك… إلخ
– تجريبًا لغويًا مع الحفاظ على الجمالية الشعرية.
هذا لا يعني أن أعمال النماذج الغربية التي ذكرنا مثالية، لكنها تظهر تطورًا كبيرا ونضجا إبداعيا في الصيغة الفنية مقارنةً بالعديد من الفنانين العرب.
استلهام التراث المغربي.. بين الأصالة والتقليد السطحي
أ- مدى الاستفادة من التراث الموسيقي والأدبي
بنشليخة والمجرد يستخدمان بعض العناصر التراثية، لكن بشكل سطحي:
– تدمج منال بنشليخة بعض الإيقاعات الشعبية ومظاهر اللباس والإكسسوار، لكن دون عمق ولا تنسيق جمالي بنيوي مقنع وابتكاري.
– يستخدم سعد المجرد كلمات بسيطة مستمدة من المعيش والثقافة الشعبية المغربية، لكن دون استلهام حقيقي لأدب المغرب العميق مثل كلمات الطيب لعلج أو الحداني أو الجواهري على سبيل المثال لا الحصر.
في المقابل، لو استلهم الاثنان:
– الموسيقى المغربية في تعددها التاريخي والجهوي بتفاصيلها وعناها ودلالاتها وسياقاتها.
– الأدب المغربي بكل ثرائه الروائي والشعري والزجلي والمسرحي والحكائي الشعبي والفكري الفلسفي.
– العمارة المغربية الأصيلة والضاربة في تاريخ المغرب الإمبراطوري الملكي الأندلسي الأمازيغي والعربي مجتمعة وجون مسخ تتعرض له أحيانا كرمز للجمال والهوية.
لكانت إنتاجاتهما الفنية أكثر أصالة وأكثر عمقًا، ولكانت بالتالي فعالة ومشاركة برُقي في السُّمو بالذوق العام وخاصة الشبابي نحو آفاق تقلل من السطحية والنمطية والابتذال والاستهلاكية السائدة.
ب- مقارنة بالغرب.. كيف تعاملت غراندي وسويفت مع التراث؟
– “تايلور سويفت” أعادت إحياء موسيقى “الكانتري” مع دمجها بـ”البوب” الحديث.
– أرينا غراندي استفادت من تراث “الريذم أند بلوز” وأضافت إليه لمسة عصرية.
كلتاهما حققتا توازنًا بين الأصالة والحداثة، بينما يبدو الفنانان المغربيان عالقين في منطقة وسطى لا هي أصيلة بحق ولا هي حديثة بجرأة، ولعل السبب هو الاستسهال والاشتغال مع التقنيين قصر الإدارة الفنية فيهم عوض الاشتغال مع نقاد ومثقفين متخصصين لصياغة مشروع جمالي يجمع الشكل والمضمون، الفكر والفن، الشعبية والنخبوية، الإبداع والتجديد، والقيم والصنعة.
الواقع المغربي: لماذا لم يظهر “إبداع مقنع” بعد اللهم في استثناءات جد نادرة كلما استعملنا مقاييس نقد صارم غالبا ما ينعت بأقدح النعوت كالغيرة والحسد والهدم؟
المغرب يعيش مرحلة انتقالية ثقافيًا واجتماعيًا:
– غياب سياسة ثقافية واضحة تدعم الفن العميق الدلالات، المجدد لصيغ الصناعات الثقافية الفنية، والراسم لطرق جريئة في الإبداع الفني، والرابط بين الهوية والفكر والمعرفة والتكوين الرصين، والعامل على خلق بنيات حرة للتخييل وللإبداع ولنخبة تشكل قاطرة قوية لبناء قدوات ونماذج وطنية رصينة ورفيعة تحمل قيم المسؤولية والواجب والحرية ومعرفة وإبداع …
– هيمنة الإنتاج التجاري السريع والنمطي والاستهلاكي على حساب الجودة.
– انفصال النخبة عن الشعب وعن الشباب خاصة، مما يخلق فجوة بين الفن الراقي والجماهيري، وبين القاطرة والعربات، وبين الرواد الشباب الممارس للفنون.
يعقِّدُ ويُصعِّبُ كل ما سبق ظهور فنانين يجمعون بين الأصالة والابتكار بالشكل الذي نجح فيه رواد بوسائل بسيطة، وفي ظل صعوبة الحصول على المعرفة وتوفر وسائل الإنتاج والتوزيع والانتشار.
أخيرا.. نحو إبداع أكثر نضجًا
“منال بنشليخة” و”سعد المجرد” يمثلان نجاحًا جماهيريًا، لكنهما بحاجة إلى:
1- الغوص في التراث الموسيقي والأدبي المغربي بعمق أكبر.
2- التجريب الجريء في الموسيقى والكلمات بعمق فكري وقيمي وفلسفي عوض الاكتفاء بالتحايل على القائم والشائع من أذواق استهلاكية صنيعة غياب وعي جمالي يرتبط بتعليم فني وتربية جمالية مضبوطة ومحددة الغايات والأهداف في ثقافتنا ومدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا وصناعاتنا وتكويننا الثقافي والفني.
3- الابتعاد عن النمطية المرتبطة بآليات تحقيق النجاح الكمي والاستجابة للسوق الاستهلاكي ومتطلباته، والبحث عن هوية فنية فريدة لن تستقيم دون جهد حقيقي والاشتغال مع فرق تتجاوز الاتقان التقني إلى التفكير وتلاقح المعرفة العلم الفكري الجمالي مع صناعة السمعي البصري والموسيقي الشعري.
مقارنةً ب “أريانا غراندي” و”تايلور سويفت” و”إلتون جون “و”كولد بلي” على سبيل المثال لا الحصر، يبدو أن الفنانين المغربيين لم يبلغا بعد مرحلة النضج الفني الذي يدمج بين الأصالة والحداثة بشكل مقنع. ومع ذلك، فالمغرب يزخر بإمكانيات هائلة، وإذا توفرت الظروف المناسبة، قد نرى في المستقبل فنانين قادرين على تجسيد الأصيل المعاصر بكل إبداع ووعي بشكل رفيع وراقٍ وعالي المستوى، دون نخبوية تتعالى على العامة، ولا تعقيد يخبيء الفشل، ولا ادعاء ورفض للنقد وللتساؤل يخفي الغرور وتمجيد الذات هربا من القدرة على البحث الدائم بكل تواضع عن الجديد والمدهش والمقاوم للسهولة والمتمرد على كسب شهرة ومردودية بأي ثمن.
0 تعليق