انطلقت اليوم الأربعاء، 4 يونيو 2025، مناسك الحج في مكة المكرمة بمشاركة أكثر من مليون حاج، وسط درجات حرارة مرتفعة وإجراءات مشددة لضمان سلامة الحجاج ومنع تكرار مأساة العام الماضي التي شهدت وفاة أكثر من 1300 شخص بسبب الحرارة الشديدة التي بلغت 51.8 درجة مئوية، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
إجراءات وقائية مشددة ضد حرارة الطقس
شهد موسم الحج هذا العام تعزيزًا للتدابير الوقائية من الحرارة، حيث نشرت السلطات السعودية أكثر من 400 وحدة تبريد، وزادت المساحات المظللة بمقدار 50 ألف متر مربع لمواجهة درجات الحرارة التي تجاوزت 40 درجة مئوية هذا الأسبوع. ويُعد نظام التبريد داخل الحرم المكي الأكبر من نوعه في العالم، حيث يتم تنقية الهواء تسع مرات يوميًا، وفقًا للتلفزيون السعودي الرسمي. كما أُنشئت ممرات مبردة للمشاة، بما في ذلك مسار جديد بطول أربعة كيلومترات يؤدي إلى جبل عرفات.
وحذرت وزارة الصحة السعودية من التعرض لأشعة الشمس بين الساعة 11 صباحًا و4 عصرًا، داعية الحجاج إلى حمل المظلات وشرب الماء بكثرة لتجنب الإجهاد الحراري. وفي يوم الإثنين، سجلت درجات الحرارة في المسجد الحرام 51.8 درجة مئوية في الظل، بينما بلغت في منى 46 درجة مئوية. وأبلغت الوزارة عن تسجيل 2764 حالة إجهاد حراري يوم الأحد، ناتجة عن عدم الالتزام بالإرشادات الصحية، مؤكدة أن "الوقاية هي الأهم" وأن استخدام المظلات وشرب الماء بانتظام يقلل من هذه الحالات.

استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة الحشود
تستخدم السلطات السعودية هذا العام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة تدفق الحجاج وتحليل البيانات والصور من خلال طائرات مسيرة متطورة، بهدف تعزيز إدارة الحشود في المناطق عالية الكثافة مثل المسجد الحرام ومنى، مما يسهم في تحسين التنسيق الميداني وسلامة الحجاج.
مناسك الحج وتنظيم الرحلة
في اليوم الأول من المناسك، يرتدي الحجاج ملابس الإحرام البيضاء ويؤدون طواف القدوم، وهو الدوران سبع مرات حول الكعبة في باحة المسجد الحرام، ثم يتوجهون إلى منى لأداء يوم التروية. ويسبق دخول مكة الدخول في حالة الإحرام الروحية، التي تتطلب لباسًا وسلوكًا خاصين، حيث يرتدي الرجال قطعة قماش بيضاء غير مخيطة، بينما ترتدي النساء عباءات فضفاضة تكشف فقط الوجه واليدين.
ووصل أكثر من 1.4 مليون حاج إلى المملكة، واستقبلهم المنظمون في منى بالقهوة والتمر. وقالت ريم الشغري، سعودية تبلغ 35 عامًا تؤدي الحج لأول مرة: "أنا سعيدة للغاية، إنه شعور رائع".
مكافحة الحج غير النظامي
كانت معظم الوفيات في موسم الحج الماضي من الحجاج غير النظاميين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى الخيام المكيفة أو وسائل النقل المبردة. هذا العام، كثفت السلطات حملتها ضد الحج غير النظامي من خلال مداهمات متكررة، ومراقبة بطائرات مسيرة، وإرسال تنبيهات نصية. ويخضع المخالفون لغرامات كبيرة وحظر من دخول المملكة لمدة تصل إلى 10 سنوات.
جهود تنظيمية ولوجستية

أعلنت السلطات السعودية عن تجنيد أكثر من 250 ألف موظف وتنسيق بين 40 جهة حكومية لخدمة الحجاج. وأكد وزير الحج والعمرة، توفيق الربيعة، في مقابلة مع "وكالة الصحافة الفرنسية"، أن هذه الجهود تهدف إلى ضمان سلامة وراحة الحجاج. كما أطلقت المملكة منصة "نسك حج" لتسهيل إجراءات الحج للأقليات المسلمة في 126 دولة، مما ساهم في رفع نسبة رضا الحجاج إلى حوالي 90% في دول مثل بريطانيا.
تأثير التغير المناخي
تشير دراسة سعودية إلى أن الحرارة في منطقة الحج ترتفع بمعدل 0.4 درجة مئوية كل عقد، مما يزيد من تحديات تنظيم هذا التجمع الديني الضخم. وفي منى، شوهد الحجاج يسكبون الماء على رؤوسهم، بينما وزعت السلطات مشروبات باردة ومثلجات بنكهة الشوكولاتة للتخفيف من وطأة الحر.
شهادات الحجاج
روت المصرية عزة حميد إبراهيم (61 عامًا) لوكالة الصحافة الفرنسية: "كان اليوم صعبًا بسبب الحرارة، لدرجة أن كثيرين ماتوا وسيارات الإسعاف منشغلة للغاية". وأضافت: "كنت أعتقد أننا على وشك الموت، يداي ترتجفان وجسمي متلاش". وقالت الباكستانية أرزو فرهاج إنها واجهت صعوبة في الحصول على مساعدة لامرأة مستلقية على جانب الطريق، مشيرة إلى أن الناس كانوا يمرون دون توقف.
رضا الحجاج وتحسين الخدمات
وأكد الربيعة في مقابلة مع "اندبندنت عربية" أن برنامج "خدمة ضيوف الرحمن"، الذي أطلقه الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 2019، ساهم في تيسير وصول المسلمين من جميع أنحاء العالم إلى مكة والمدينة. وأشار إلى أن فتح باب المنافسة بين أكثر من 30 شركة لتقديم خدمات الحج رفع نسبة رضا الحجاج من 74% عام 2022 إلى 81% عام 2024. كما زاد عدد زوار العمرة من 8.4 مليون عام 2022 إلى 16.92 مليون عام 2024، وهو ما وصفه الربيعة بـ"النمو الاستثنائي".
مركز إدارة خطط الحج
أُطلق مركز "إدارة خطط الحج" (Hajj PMO) لتنسيق العمل بين 40 جهة حكومية، بهدف تحسين الإجراءات وتطوير الخطط التشغيلية لضمان تجربة سلسة للحجاج. وأكد الربيعة أن هذا المركز يعزز التكامل بين الجهات لتحقيق أعلى مستويات الخدمة.
المخالفون
حذر الربيعة من مخاطر الحج بدون تصريح، مشيرًا إلى أن المخالفين يعرضون حياتهم للخطر بسبب عدم توفر النقل أو السكن المناسب في ظل الحرارة الشديدة. وأكد التعاون مع دول أخرى لمكافحة الشركات التي تقدم باقات حج مزيفة، مع تشديد العقوبات على المخالفين وتكثيف الرسائل التوعوية لمنع الانسياق وراء المعلومات المغلوطة.

0 تعليق