كيف غيّر هجوم المسيّرات الأوكرانية على روسيا معادلة الردع العالمي؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شكل الهجوم الأوكراني الأخير بطائرات مسيّرة على أربع قواعد جوية روسية نقلة نوعية في أساليب الصراع العسكري، وأعاد خلط أوراق الردع الاستراتيجي على مستوى العالم. فبينما نجحت كييف في تنفيذ ضربة مركزة استهدفت قاذفات روسية استراتيجية باستخدام طائرات زهيدة الكلفة، تلقى العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة، رسالة مدوية: الردع الكلاسيكي الذي كانت تؤمنه الترسانات النووية وأنظمة الدفاع الجوي باهظة الثمن أصبح مهدداً أمام أدوات قتالية رخيصة ومرنة.

حرب غير متكافئة

ما أثار الدهشة لدى المحللين الغربيين ليس فقط حجم الضرر الذي ألحقته المسيّرات بالقاذفات الروسية، بل قدرة أوكرانيا على إدخالها إلى العمق الروسي وتفعيلها عن بُعد، في هجوم استغرق أكثر من عام من التخطيط. 

يمثل هذا الهجوم، بحسب "واشنطن بوست"، أقوى ضربة توجهها أوكرانيا لموسكو منذ بدء الحرب، ويُعد نموذجاً مكتمل الأركان لحرب غير متكافئة تتجاوز الحسابات التقليدية للقوة العسكرية.

قلق أمريكي مشروع

رغم الاحتفاء الأمريكي بإنجاز كييف، سرعان ما تحوّل هذا الانبهار إلى قلق داخلي بالغ. فوفقاً لخبراء أمنيين، مثل ستايسي بيتيجون وجيسون ماثيني، فإن ما حدث في روسيا قد يتكرر بسهولة على الأراضي الأمريكية، لا سيما عبر حاويات شحن مدنية أو شاحنات تجارية تُخفي طائرات مسيّرة قادرة على اختراق قواعد استراتيجية.
الهجوم يُعيد إلى الأذهان سؤالاً محورياً حول مدى قدرة الدفاعات الأميركية على التكيّف مع تهديدات جديدة لا تأتي من جيوش نظامية، بل من أدوات غير تقليدية قد تُدار من مسافات بعيدة أو حتى من الداخل.

انقلاب في معادلة الكلفة-الفعالية

من المفارقات المثيرة التي أبرزها الجنرال برايان فينتون، أن كلفة المسيّرات المستخدمة في الهجوم الأوكراني لا تتجاوز 10 آلاف دولار، بينما تُستخدم صواريخ أمريكية بقيمة 2 مليون دولار لإسقاطها. 

هذا الانقلاب في معادلة الكلفة والفعالية يهدد بإفلاس استراتيجيات الردع القائمة على التفوق التكنولوجي والمالي، ويمنح الدول الصغيرة أو حتى الجماعات المسلحة هامشاً أوسع للمناورة.

من أوكرانيا إلى البحر الأحمر

الهجوم الأوكراني ليس سوى حلقة في سلسلة من الأمثلة على تفوق الأساليب غير التقليدية في الصراع المعاصر. فقد سبقت جماعة الحوثي في اليمن إلى استخدام المسيّرات والصواريخ منخفضة الكلفة في تعطيل الملاحة الدولية، تماماً كما فعلت إسرائيل حين فجّرت أجهزة اتصال لحزب الله بتكلفة زهيدة، مما ساعدها على تجنب اجتياح بري للبنان.

التحذيرات الأمريكية من خطر المسيّرات ليست وليدة اللحظة، فقد بيّنت حادثة تحليق طائرات مسيرة مجهولة فوق مقاتلات "إف-22" في قاعدة لانغلي الجوية عام 2023 هشاشة المنظومة الدفاعية، خاصة عندما تُحصر صلاحيات الجيش بحماية المنشآت فقط، بينما يُترك المجال الجوي الداخلي بلا غطاء حقيقي.
كما تكشف صور أقمار صناعية أن قاذفات نووية أميركية مثل "بي-52" ما تزال تقف في العراء، ما يجعلها عرضة لهجمات دقيقة ومنخفضة التكلفة في لحظات حرجة.

هل تكون تايوان شرارة اختبار جديد؟

الصين، بوصفها المنتج الأول عالمياً للطائرات المسيّرة، تُمثل التهديد القادم في هذا السياق. في أي سيناريو صراع محتمل حول تايوان، قد تلجأ بكين لاستخدام مسيّرات رخيصة وصواريخ باليستية مزودة بذخائر عنقودية، بما يُحقق شللاً للقدرات الأميركية في المحيط الهادئ بأقل تكلفة ممكنة.

 هذا الاحتمال بات مطروحاً على طاولة البنتاجون، ويعكس قلقاً من اتساع فجوة التحديث في التفكير الاستراتيجي الأميركي.

بطء البنتاجون وسرعة التحول

رغم تحذيرات الكونغرس والضغوط التي يمارسها نواب مثل جيسون كرو لتسريع استيعاب الدروس المستخلصة من التجربة الأوكرانية، لا يزال البنتاجون متمسكاً بمشاريع عملاقة تعود إلى منطق الحرب الباردة، مثل مقاتلة "إف-47" ومنظومة "القبة الذهبية"، والتي قد تتجاوز كلفتها 2 تريليون دولار خلال عقدين.
وفي المقابل، تستعرض أوكرانيا نماذج مبتكرة، مثل تصنيع المسيّرات عبر الطابعات ثلاثية الأبعاد، أو التحكم بها بواسطة ألياف بصرية، ما يشير إلى ديناميكية مذهلة في تطوير أدوات حرب هجينة.

المسيّرات.. بين الحرب والإرهاب

خارج السياق العسكري، أثبتت المسيّرات أيضاً قدرتها على إثارة الذعر، وهو هدف أساسي لأي خصم غير تقليدي. فقد شهدت نيوجيرسي العام الماضي سلسلة من الحوادث لطائرات مسيرة مجهولة فوق منشآت حساسة، من بينها نادٍ يملكه الرئيس السابق دونالد ترامب، من دون أن تتمكن السلطات من تحديد طبيعتها أو مصدرها.
وفي ظل هذه التطورات، يُتوقع أن يوقّع ترامب أوامر تنفيذية جديدة لتنظيم تحليق الطائرات التجارية داخل البلاد، وتعزيز صناعة المسيّرات المحلية، لا سيما في مواجهة التوسع الصيني.
الدرس الأساسي من هجوم أوكرانيا على روسيا أن مستقبل الردع لم يعد محصوراً في امتلاك الرؤوس النووية أو الدفاعات الفضائية، بل في القدرة على استيعاب التهديدات الجديدة بسرعة، والتفكير خارج الصندوق الأمني التقليدي. المسيّرات تمثل اليوم سلاحاً مزدوجاً: أداة قتال، ووسيلة تخويف، ووسيلة تجسّس، بل وربما، ناقلاً لصراعات المستقبل من الميدان إلى الداخل.
في عالم تتسارع فيه الابتكارات التقنية أكثر من وتيرة التحديث العسكري، يبقى سؤال الردع الحقيقي هو: من سيكون الأسبق في التكيّف لا في التسلّح؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق