تشكل المشاريع الاستثمارية المغربية في الأقاليم الجنوبية، وفق مراقبين، ركيزة أساسية في تعزيز مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل للنزاع الإقليمي حول الصحراء، ويرون أنه من خلال مشاريع بنية تحتية ضخمة، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، إلى جانب برامج تنموية في قطاعات حيوية، كالصناعة والزراعة، تسعى المملكة إلى جعل هذه الأقاليم نموذجًا اقتصاديًا متكاملًا ضمن رؤية تنموية شاملة.
ويُنظر إلى هذه المشاريع كأداة فعّالة لدعم مصداقية مبادرة الحكم الذاتي على الساحة الدولية، إذ يُبرز المغرب من خلالها قدرته على إدارة موارده وتوفير فرص تنموية للساكنة المحلية في إطار الجهوية المتقدمة.
ويرى المراقبون أن هذا النهج التنموي، الذي يشمل إقامة بنية تحتية حديثة وتحقيق مؤشرات تنمية بشرية إيجابية، يعزز من طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي واقتصادي واقعي ومستدام للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول وجدة، خالد شيات، أن التنمية في الأقاليم الجنوبية للمغرب “هي جزء من رؤية تنموية مندمجة مع باقي مناطق المملكة”، مشيرًا إلى أن “المغرب ظل يعمل منذ فترة طويلة على تطوير هذه الأقاليم، خاصة بعد استرجاعه الصحراء أواخر سبعينيات القرن الماضي”.
وأضاف شيات، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذه المناطق كانت تعاني من تحديات أمنية كبيرة، لكنها شهدت تحسنًا ملحوظًا بعد إقامة الجدار الأمني الذي أسهم في استقرار الوضع الأمني والعسكري، ما سمح ببدء استثمارات ومشاريع تنموية هامة في المنطقة”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “مبادرة الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة التي طرحها المغرب جاءت لتعزز هذا المسار التنموي”، معتبرًا أنها “تعكس رؤية سياسية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والازدهار في الأقاليم الجنوبية”، ومشيراً إلى أن “الادعاءات التي تروج لها جبهة البوليساريو حول استغلال الثروات الطبيعية في هذه المناطق، التي أصبحت متكررة، كما كانت منطلقاً للدعاوى ضد المغرب في المحافل القضائية، ثبت عملياً أنها ليست صحيحة، اعتبارا للبرامج والمسارات التنموية التي يتم تنفيذها”.
وشدّد الخبير ذاته على “ضرورة مقارنة الأوضاع في الأقاليم الجنوبية المغربية مع ما يحدث في مخيمات تندوف التي تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الكرامة الإنسانية”، مستحضراً مثال قطاع غزة “الذي رغم الدمار الذي يتعرض له تمكن في فترات معينة من تحقيق بعض مظاهر التنمية، بينما تبدو مخيمات تندوف محكومة بالبقاء في ظروف غير إنسانية، في محاولة من الجبهة لاستجداء المساعدات الدولية دون العمل على تحسين أوضاعها”.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “الأقاليم الجنوبية للمغرب تكتسب أهمية إستراتيجية، إذ أصبحت منطلقًا لرؤى إستراتيجية للمملكة وقوى دولية أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة، فقد باتت تشكل بوابة مهمة لبناء إستراتيجيات في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، إلى جانب دورها الحيوي على الواجهة الأطلسية”.
من جانبه أكد أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله فاس عبد الرزاق الهيري أن مبادرة الحكم الذاتي “مشروع رائد يرتكز على ضرورة تمكين الساكنة في الأقاليم الجنوبية من استغلال الموارد المتاحة بها لتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي، كما يفتح الباب أمامها للاندماج في مشاريع تنموية تعزز من مكانة هذه الأقاليم كمحرك أساسي في الاقتصاد المغربي”.
وأضاف الهيري، في حديث لهسبريس، أن المشاريع الاستثمارية، سواء التي تم إنجازها أو التي سيتم تنفيذها في المستقبل القريب، “ستساهم في جعل هذه الأقاليم وجهة جاذبة للاستثمار الوطني والدولي على حد سواء”، مشيرا إلى أن مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي “ستعزز من مكانة الأقاليم الجنوبية كبوابة للتجارة الدولية”.
وتابع الخبير الاقتصادي ذاته بأن “المغرب يظهر جديته في تنمية الأقاليم الجنوبية من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية، مثل الطرق، والمستشفيات، والجامعات والمدارس التي تعكس التزامه بتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، وتعزز من مصداقية مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي واقتصادي للنزاع المفتعل”.
وختم عبد الرزاق الهيري تصريحه بالتأكيد على أن هذه الجهود التنموية، التي تتجلى في الارتفاع الملحوظ لمؤشر التنمية البشرية في الأقاليم الجنوبية، تؤكد أن “مبادرة الحكم الذاتي هي الخيار الأمثل والوحيد القادر على تحقيق الازدهار وحل النزاع”.
0 تعليق