السفير ستري: موقف بنما ضربة قاصمة للانفصال.. وملحمة "الأسود" حيّة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال محمد ستري، السفير المغربي المعتمد لدى دولة قطر، إن تعليق بنما اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية يكرّس المزيد من “التهاوي الذي يلاحق الأطروحة الانفصالية”، بما أنها أول بلد في أمريكا اللاتينية قام بالاعتراف في سنة 1980 بالجبهة”، معتبرا أن “الرباط حقّقت العديد من المكتسبات في الملف، وباتت جملةٌ من الدول تتّخذ مواقف واضحة وصريحة تدعم سيادة المملكة ووحدتها الترابية وتعترف بمغربية الصحراء”.

ستري، الذي التقته هسبريس الجمعة المنصرم في “دار المغرب” بالدوحة القطرية وهو اليوم نفسه الذي أعلنت فيه بنما موقفها الجديد، شدد على أهميّة التحرك الجماعي لفائدة الترافع عن القضية الوطنية الأولى، مزكّيا الطرح المعلن داخل المغرب والمتعلق بتقوية أدوار الدبلوماسية البرلمانية والموازية، مشيرا إلى “اضطلاعها بدور جد مهم وحيوي، من خلال أنها تؤازر وتساند وتعضّد الدبلوماسية بمفهومها التقليدي”.

وفي هذه المقابلة التي خصّ بها الجريدة، عرض الدبلوماسي ذاته أهمية “العام الثقافي المغربي القطري 2024″، ومفعوله على “مستوى تقريب القطريين والجاليات الموجودة بالدوحة من الهوية الوطنية في غناها وتنوعها”، بتعبيره، ذاكرا أيضا استمرار الزّخم الذي أحدثه “أسود الأطلس” في الدولة الخليجية خلال فعاليات كأس العالم قطر 2022.

نصّ الحوار:

أريد أن نبدأ النقاش من المستجّدات المرتبطة بالتراكم والتطور الذي حققته قضية الصّحراء، اليوم هناك الموقف الفرنسي الذي تعتبره الرباط “تاريخيا” وهناك أيضا تعليق بنما علاقتها الدبلوماسية مع جبهة البوليساريو.. ما تعليقك؟

هذا يمكن أن أعبر عنه بآية قرآنية بليغة: {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل.. إنّ الباطل كان زهوقا}. المملكة المغربية، بفضل السياسة الرشيدة لجلالة الملك، الذي يشرف بشكل مباشر على الدبلوماسية ويوجهها، حققت مكتسبات مهمة وباتت العديد من الدول تتخذ مواقف واضحة وصريحة تدعم سيادة المملكة ووحدتها الترابية وتعترف بمغربية الصحراء.

هاته تراكمات جدّ إيجابيّة وتؤكّد قوّة الملف المغربي تاريخيّا وسياسيّا وقانونيّا. الصحراء كانت وستبقى مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لهذا، أشير في كل مناسبة إلى أن هذه التراكمات تمّت بفضل المقاربة الملكيّة الحكيمة التي ظهرت معالمها ومحدداتها بجلاء وبشكل حاسم في مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء.

اليوم، نحن نتابع الانتصارات تتواصل وتتوالى في أفق الطي النهائي لهذا النزاع الإقليمي المصطنع الذي عمّر طويلا. والجميع صار يعرف أن الحلّ غير ممكن إلاّ في احترام تام للسيادة المغربية وللوحدة الترابية للمملكة.

وحتى أجيبك عن موقف بنما من القضية الوطنية، فهو دليل آخر وبرهان جديد على وجاهة الموقف المغربي وعلى التهاوي المتواصل للأطروحة الانفصالية. يتعلق الأمر بموقف قوي؛ لأن بنما، ومعها بعض الدول بأمريكا اللاتينية، كانت معروفة بمواقفها العدائية لاعتبارات معينة ولأسباب إيديولوجية وسياسوية، وكان يتم الترويج للأطروحة الانفصالية في فترة من الفترات في ما يسمى بـ”المعاقل التقليدية”.

الدبلوماسية المغربية اخترقت هذه المعاقل تنفيذا للتوجيهات الملكية، وأصبح صوت المغرب مسموعا، كما صارت هذه الدول تتجاوبُ مع مواقفنا الرسمية بخصوص القضية الوطنية وتدعم الحكم الذاتي كأساس جدي وواقعي لتسوية الملف.

لنبقى في نفس الملف.. الملك محمد السادس تحدث، خلال افتتاح السنة التشريعية في أكتوبر الماضي، عن الدبلوماسية الموازية والبرلمانية، أنت كفاعل دبلوماسي، كيف ترى هذه الدعوة؟

تضطلع الدبلوماسية البرلمانية والموازية بدور جد مهم، من خلال أنها تؤازر وتساند وتعضّد الدبلوماسية بمفهومها التقليدي. جلالة الملك تناول هذا الموضوع بشكل واضح في خطابه؛ ونحن جميعا مجنّدون وراء جلالته. وكما لا يخفى على أحد، فالدبلوماسية الرسمية، ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والبعثات الدبلوماسية والقنصلية في الخارج، تولي أهمية لهذا الموضوع، خاصة من حيث التنسيق كي تنجح مشاركة ومساهمة المؤسسة التشريعية سواء على مستوى لجان الصداقة أو على صعيد اللقاءات والمؤتمرات والمنتديات البرلمانية، العربية، الإفريقية، أو الدولية.

وعلاقة بهذا الموضوع، أستحضر ما صرح به مؤخرا وزير الشؤون الخارجية في مقر البرلمان، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة، بخصوص أهمية هذا الدور علما أن الوزارة تتوفر منذ سنوات على مديرية الدبلوماسية العامة التي تشرف على متابعة المسألة.

وبالرجوع إلى لجان الأخوة والصداقة، فهي تلعب دورا مهمّا في التعريف بالمغرب، والمنجزات التي تحققت، كما لها أثر في تقريب المسؤولين البرلمانيين الأجانب بالقضايا الوطنية، خاصة قضية الصحراء المغربية بتطوراتها وإطلاعهم على الأدلة الدامغة بخصوص الطرح المغربي. اللجان قنوات اتصال مباشرة بين البرلمانيين في مختلف دول العالم. وهذا كله لا يمكنُ إلاّ أن يكون في صالح قضيّتنا الوطنية.

موقف الدوحة معروف في هذا الموضوع.. لذلك، ننتقل، الآن، إلى شيء “جديد”؛ وهو العام الثقافي المغربي القطري لسنة 2024. هل لهذه الفعالية من “مفعول استراتيجي” يتوافق مع رهانات الترويج للتراث الوطني؟

أظنّ أن أقوى رسالة هي أن دولة قطر الشقيقة اختارت المغرب باعتباره أول دولة عربية وإفريقية تحلّ ضيفة على مبادرة الأعوام الثقافية التي بدأت تقريبا قبل عشر سنوات، وحضرتها سابقا دول ذات وزن ثقافي وإرث حضاري كبير؛ كالصين واليابان وفرنسا والولايات المتحدة. لا شكّ لديّ في أن اختيار المملكة يؤكّدُ عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين.

أنت تعرف أن هناك خصوصيات تطبع هذه العلاقات؛ في مقدمتها الوشائج القوية بين جلالة الملك محمد السادس وبين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وهذه العلاقات مبنية على التضامن، والاحترام، والتنسيق. وكما تفضّلتَ، موقف قطر من الوحدة الترابية المغربية معروف، ولا يمكن إلا أن نشيد ونعتز به، لكونه مساند لمغربية الصحراء. وهو موقف مُعبّر عنه في أكثر من مناسبة وفي أكثر من محفل، سواء على الصعيد الثنائي أو في الأمم المتحدة، في اللجنة الرابعة، والقمم والاجتماعات الخليجية.

أمّا عن العام الثقافي، أنت حضرت معنا الآن، شاهدت فعالية من الفعاليات المستمرة منذ أشهر عديدة. رأيت عمليّا كيف أن المغرب حاضر بقوة، وصوته مسموع. لقد عشنا عن قرب كيف صار الجميع يبحثُ عن المغرب، بوصفه مصدر إلهام بتنوعه وغناه وموسيقاه ولباسه كالقفطان والجلباب ومطبخه العريق أيضا. المملكة حضارة ممتدّة. وأشقاؤنا القطريون والأجانب المقيمون في قطر والسياح يزورون متحف الفنّ الإسلامي، حيث يوجد معرض “اكتشف المغرب” (Discover Morocco) ويُعجبون بشدّة بما يُعرض.

ودعني أكون صريحا معك، الجميع هنا يتحدث عن المغرب، عن جماليته، وروعة فنه التقليدي، عن الزليج، والقفطان وعن الأشياء العديدة التي تميزنا، والآخر يجد فيها شيئا فريدا.. شيئا يحظى بالإعجاب والتقدير. بالنسبة لي كسفير، لا يمكن لي إلا أن أكون سعيدا وأنا أرى كلّ هذا الاهتمام وهذا التكريم. بلدنا حاضر كل يوم في الصحف القطرية ومنصات التواصل. كل يوم نجد مقالات وصورا وفيديوهات عن المملكة المغربية، القنوات التلفزيونية ووكالة الأنباء القطرية تغطي هذه الأنشطة باستمرار كذلك.. ثمّة زخم وحضور، وإشعاع للمملكة.

(مقاطعا).. لكن هل من جوانب أخرى غير ثقافية وغير دبلوماسية مثلا مفيدة بالنسبة للمغرب؟

نعم، لأنه عندما نتحدث عن الأعوام الثقافية هي لا تنحصر فحسب في قطاع محدد لكونها ترتبط بمجالات أرحب. هناك، على سبيل المثال، أنشطة رياضية. الأسبوع الماضي زار وفد قطري مشكل من اللجنة التنظيمية لكأس العالم في قطر 2022 مراكش، والتقى مسؤولين في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وتمّ تبادل وجهات النظر حول السبل الكفيلة لإنجاح كأس العالم في بلادنا سنة 2030. ومن المؤكد أنه، كما كانت نسخة قطر ناجحة، ستكون نسخة المملكة المغربية بشراكة واستضافة مشتركة مع جيراننا بإسبانيا والبرتغال، دورة مميزة وناجحة.

تأكد أن للأعوام الثقافية امتدادا اقتصاديا مهما كذلك؛ فالأسبوع الماضي انعقد في مراكش منتدى الأعمال القطري الإفريقي 2024، الذي ركز على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من أجل نمو الغد. اللقاء حضره مسؤولون كبار وشخصيات مهمة؛ على رأسهم الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل الثاني بصفتها رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر وعزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية، وثلّة من الوزراء المغاربة والقطريين بالإضافة إلى ممثلي دول ومؤسسات اقتصادية ومالية عديدة.

العمل الثنائي بين البلدين يتأسّس على قواسم مشتركة وأهداف واضحة. ومبادرة الأعوام الثقافية لا تنحصر فقط في المفهوم الضيق للثقافة، بل تشمل العديد من المجالات والعديد من الميادين بما فيها الجانب الإعلامي.

هذه الفعالية تمدّ جسور التواصل والحوار الثقافي بين البلدين؛ لكن انطلاقا من مواكبة الأنشطة المتبادلة طيلة هذه الأشهر، هل تتصور أن هناك فهم أعمق لدى القطريين والجاليات المقيمة بالدوحة للهوية المغربية، انطلاقا من معرض “روائع الأطلس” مثلا؟

كما تعلم، وكما تنص على ذلك الوثيقة الدستورية للمملكة، فإن المغرب دولة “متشبثة بصيانة وتلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”. البلد واحد وموحد؛ ولكن روافده متعددة، وهذا سر غناه وتفرده. الأجنبي يبقى دائما شغوفا بمعرفة هذه الخصوصية وأسرارها. ومن بين مزايا الأعوام الثقافية أنها تتيحُ الفرصة للتعرف عن قرب على هذا البلد الشمال إفريقي الغني. وللتذكير، كان معرض الحلي الأمازيغية من أول الأنشطة والفعاليات التي نظمت في إطار السنة الثقافية. المعرض عرف نجاحا، كما شهدَ حضورا مميزا وإقبالا كبيرا.

لا ننسى ثقافتنا الحسانية أيضا ومختلف أشكال اللباس التقليدي شمالا وجنوبا وطقوس تحضير الشاي وأنغام الموسيقى المغربية المتنوعة حاضرة. وقبل أيام، افتتح الشيخ فيصل بن قاسم آل الثاني في متحفه الخاص معرضا حول “المغرب أرض الرحالة”. تميز حفل الافتتاح بعزف
الموسيقى الكناوية التي يتفرد بها المغرب والتي ألهمت كبار الموسيقيين والفنانين والمخرجين العالميين. وهي الآن تراث مدرج على قائمة اليونسكو بفضل جهود بلدنا.

وفي هذا السياق، أودّ توجيه تحية تقدير وشكر إلى أفراد الجالية المغربية المقيمة في قطر، لمساهمتها بشكل كبير في إنجاح مبادرة العام الثقافي وما يقومون به من جهد لتكريس أصالة الهوية الوطنية. ولا بد هنا من التأكيد على أن جلالة الملك تناول في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء أهمية مغاربة العالم، علما أن مغاربة قطر موجودين في مختلف القطاعات ويبلون فيها البلاء الحسن.

دعنا نختم النقاش بالعودة إلى مونديال قطر.. من الصدف أننا نجري الحوار بعد مرور سنتين بالتمام على أول مباراة للمنتخب. هذه الملحمة التاريخيّة للأسود في الدولة الخليجية، يرى فاعلون كثر في القطاع السياحي والثقافي بالمغرب أنها قدمت ترويجا كبيرا للمملكة، هل ما زال أثر ذلك موجودا حتى اليوم؟

ذلك سيبقى حاضرا في الذاكرة والوجدان. إنجاز لم ولن يُنسى إلى يومنا هذا. مرت سنتان على أول مباراة للفريق الوطني والجميع ينطق باسم المملكة المغربية. كلمة “المغرب” حاضرة على جميع الألسن. لماذا؟ لا يتعلق الأمر فقط بالنتائج المبهرة والإنجاز غير المسبوق بأن يصل فريق عربي وإفريقي لأول مرة إلى نصف النهائي وبطريقة تجمع الإقناع والأداء، بل يتعلق كذلك بالقيم. كانت الرسائل التي عبر عنها المنتخب والجمهور المغربي في ارتباطه بالهوية الوطنية المتفردة واضحة.

ستسألني كيف ذلك؟ سأجيبك بأن الأمر يرتبط بالنشيد الوطني، بالعلم الأحمر والنجمة الخضراء، بصور جلالة الملك، بالانضباط، الأخلاق، السمعة، الارتباط بالأم، بالأسرة، بالدين، وبالقيم المغربية. هذه القيم النفيسة هي التي تمنحنا التميز، وهي التي تجعل المغربي مختلفا عن الآخرين.

لذلك، أعتقد أن كأس العالم كان محطة تاريخية. والمجال الرياضي ليس إلا صورة من صور النهضة والطفرة والمجهود المبذول من طرف بلدنا.

أعتبر دائما المجال الرياضي وجها لهذا المنجز، مع أن النهضة المغربية تشملُ مجمل القطاعات. بلادنا شهدت تنمية كبيرة على صعيد البنيات التحتية، من مطارات وطرق سريعة وموانئ… وعندما نعاين القطاع الصناعي، نلاحظ كيف أن المغرب أصبح يُلقب بالمعجزة الإفريقية في إنتاج السيارات.. بلدنا رائد إفريقيا. وأضف إلى ذلك قطاع السياحة، حيث أصبحت المملكة وجهة مفضلة بفضل الأمن والاستقرار، وبفضل روح المغاربة وشيمهم المعروفة بالانفتاح وكرم الضيافة وحسن الاستقبال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق