عاد مشروع “المدرسة الرائدة” إلى ساحة النقاش التربوي أخيرا، مع اغتنام وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي أخيرا فُرصة انعقاد المنتدى الوطني للمدرس، للإسهاب في الحديث عن “النتائج الإيجابية” التي بصم عليها أداء التلميذات والتلاميذ المغاربة بالمدارس المُنخرطة ضمن “هذا المكسب التربوي”، الذي يعوّل عليه “للنهوض بالمدرسة العمومية في السنوات المقبلة”، وفق الوزير عينه.
وبدت فعاليات أمازيغية تحدثت إلى جريدة هسبريس الإلكترونية “غير راضية” عن تنزيل هذا المشروع بالمؤسسات التعليمية المغربية، إذ “تأكد خلال الموسم الجامعي الحالي إقصاؤه اللغة الأمازيغية بفعل ضُعف في التخطيط وغياب رؤية واضحة لوضع برنامج Tarl”، مُتمسكّة بأنه “لا ريادة للمدرسة العمومية دون إنصاف هذا المشروع اللغة الأمازيغية الذي يحتاج فقط إرادة الوزارة الوصيّة، مادام الخبراء التربويون والمختصون في المجال يؤكدون وجود حلول للمبررات التي تسوقها الوزارة لهذا التغيبب، من قبيل عدم وجود الأمازيغية بكافة المدارس الرائدة، وغياب العدة التكوينية المخصصة لهذه المادة”.
ووصل “تغييب تمازيغت عن مؤسسة الريادة” إلى البرلمان، إذ طالبت نزهة مقداد، النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، بالكشف عن مبررات “حرمان الوزارةِ تلاميذَ المدارس الرائدة من دراسة اللغة الأمازيغية طوال فترة برنامج TARL، والإجراءات التي تعتزم اتخاذها لضمان عدم تكرار حرمان التلاميذ من حصص اللغة الأمازيغية”.
كما تساءلت مقداد، في سؤال كتابي تتوفّر هسبريس على نُسخة منه، عن توفّر الوزارة الوصية على “إستراتيجية واضحة لتعويض التلاميذ الذين تم حرمانهم من دراسة اللغة الأمازيغية خلال فترة TARL”، وعن “التدابير المتخذة (من قبلها) لضمان استمرارية تعلمهم هذه اللغة في المستقبل”.
وطالبت النائبة ذاتها بنموسى بالإفراج عن “المعايير التي اعتمدتها الوزارة في استثناء أساتذة اللغة الأمازيغية من الاستفادة من المنحة المخصصة لمؤسسات الريادة، رغم مشاركتهم في التكوينات الخاصة بالمشروع”، متسائلة عن الخطوات التي تعتزم “التربية الوطنية والتعليم الأولي” اتخاذها “لتصحيح هذا الإقصاء”، و”حماية أساتذة اللغة الأمازيغية من الضغوطات للعمل وفق صيغ غير مؤطرة تنظيميا”.
“إقصاء غير مبُرر”
في تعليقه على الموضوع شدّد عبد الله بادو، فاعل أمازيغي ومفتش تربوي، على “وجوب استحضار معطى موضوعي في هذا الإطار، يتمثّل في كون اللغة الأمازيغية غير مُعممة على كافة المدارس من الأساس، وهو من أهمّ ما تدفع به الوزارة حين مُطالبتها بتدريس اللغة الأمازيغية ضمن مدارس الريادة”، وزاد مستدركا: “لكن هذا ليس مبررا مقبولا بتاتا”، موُضحا أن “حرمان الآلاف من تلاميذ المدراس الرائدة من دراسة اللغة الأمازيغية طوال فترة ستة أسابيع من اعتماد مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب (Tarl) هو إقصاء لهذه اللغة ليس له أي مبرر تربوي أو بيداغوجي، ويضرب عرض الحائط مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذلك مختلف المذكرات الوزارية الصادرة بشأن تدريس اللغة الرسمية الثانية للبلاد”.
وعدّ بادو في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “طريقة برمجة فترة Tarl تكشف عن ضعف التخطيط وغياب رؤية واضحة لتنزيل مشروع مدارس الريادة عموما؛ إذ كان من الأحرى أن يأخذ واضعو هذه البرمجة بعين الاعتبار توفر العديد من المدارس الرائدة على أساتذة اللغة الأمازيغية الذين يُكره بعضهم بشكل غير قانوني خلال هذه الفترة على تدريس تخصصات أخرى، وبالتالي يخصصون 10 في المائة على الأقل من الحصص المقدمة خلال هذه الفترة للغة الأمازيغية”، مبرزا أن “هذا أقلّ ما كان يجب فعله، على اعتبار أن هذه النسبة على ضآلتها هي المخصصة أساسا لهذه اللغة بالمؤسسات التعليمية التي تُدرس بها”.
وأكد المفتش التربوي ذاته أنه “من جهة أخرى كان بالإمكان بالنسبة للمدارس الرائدة التي لا تُدرس بها اللغة الامازيغية قبلا تعويض المقاربة البيداغوجية العلاجية بمقاربة أخرى وقائية”، مشيرا إلى “تعدد الصيغ البيداغوجية التي يُمكن اعتمادها لإدراج اللغة الأمازيغية بكافة مؤسسات الريادة، ويكفي أن تستشير الوزارة الخبراء والمفتشين التربويين وعموم ذوي الاختصاص لبحث سُبل تنزيلها”.
وشدد المتحدّث ذاته على أنه “لا يمكن إنجاح مشروع المدرسة الرائدة من غير جعل الرقي بمستوى التلاميذ في اللغة الأمازيغية في صلب هذا المشروع”، مردفا: “الاستمرار في توسيع عدد المدارس المستفيدة منها ليصل إلى أكثر من 2600 هذا الموسم يجعلنا نُلح كفاعلين أمازيغيين في المطالبة بإدراج اللغة الأمازيغية ضمن برنامج هذه المدارس، حتى تستفيد هذه اللغة بدورها من النتائج المتوخاة من هذا المشروع”.
“تهميش بتبعات”
رشيد أنير، أستاذ اللغة الأمازيغية، قال إن “خُطورة هذه المماطلة في اعتماد تدريس اللغة الأمازيغية ضمن مؤسسات الريادة أنها تنتج عنها مشاكل أخرى بالنسبة لمدرسي هذه المادة، بحيث يجد بعضهم خلال أسابيع برنامج Tarl أنفسهم وكأنهم في وضعية فائض، فيما يُكره البعض الآخر من قبل المدراء أو المفتشين ببعض المؤسسات على تقديم دروس الدعم في مواد أخرى خارج تخصصهم، في ممارسة غير قانونية؛ إذ لا يعقل أن يتلقى مدرس تكوينه في بيداغوجية وديداكتيك مادة ما ليدرس مادة أخرى”، موضحا أنه “كان أحرى أن يسند إلى هؤلاء تدريس تخصصهم خلال هذه الفترة، ما دام أن أداء التلاميذ المغاربة في اللغة الأمازيغية يحتاج إلى الكثير من دروس الدعم وفق مقاربة Tarl”.
وأضاف أنير، في تصريح لجريدة هسبريس، أنه “غالبا ما يتم تبرير تهميش اللغة الأمازيغية ضمن المؤسسات الرائدة بغيّاب العدة التكوينية لهذه اللغة، في وقت يوجد العديد من الخبراء التربويين والباحثين في اللغة الأمازيغية على أهبة الاستعداد لإعداد عدة تكوينية خاصة بها”، مُستدركا بأن “هذا التهميش يبدأ أساسا من خلال عدم استفادة أساتذة اللغة الأمازيغية على غرار أساتذة الفرنسية والرياضيات واللغة العربية من تكوينات المدرسة الرائدة، في مخالفة صريحة للدستور والقانون التنظيمي الذي يرفع مبدئيا هذه اللغة إلى مادة أساسية في كافة المستويات شأنها شأن العربية”.
على النحو ذاته سار تدخل سارة زبير، عضو التنسيقية الوطنية لأساتذة اللغة الأمازيغية، التي رفضت “إقصاء الأمازيغية من برنامج Tarl، ضمن مشروع المدرسة الرائدة، بمبرر كونها ليست مادة أساسية تزامنا مع حرمان أساتذة هذه المادة من العدة الديداكتيكية ومنحة الدعم المرافقة للمشروع، في استمرار لسياسة الإقصاء والارتجالية التي تعامل بها الأمازيغية منذ إدماجها في السلك الابتدائي ما يزيد على عقدين من الزمن”، معُتبرة أن “نجاح هذا المشروع أمر مستبعد تماما ما لم ينفتح على اللغة الأمازيغية ويكرس العدالة اللغوية بين اللغتين الرسميتين للبلاد”.
وأوضحت زبير، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بدورها، أن “التنسيقية ترفض أيضا تعسف المدراء والمفتشين وخرقهم المذكرات الوزارية المؤطرة لتدريس اللغة الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية من خلال إلزام أساتذة هذه المادة العاملين بالمدارس المنخرطة ضمن هذا المشروع بتدريس مواد خارج تخصصهم، ما كان يمُكن تفاديه أساسا عن طريق تخصيص حصص للدعم في هذه اللغة خلال فترة برنامج Tarl”.
0 تعليق