صراع النفوذ في القرن الأفريقي.. تنافس القوى الكبرى يهدد بصدام إقليمي

الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يتزايد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي، لما لها من أهمية استراتيجية وثروات طبيعية هائلة، في ظل هشاشة أوضاعها الأمنية والسياسية، هذا الاهتمام المتزايد حوّل المنطقة إلى ساحة لتنافس محتدم بين القوى الكبرى والإقليمية، مما يهدد باندلاع صراع إقليمي واسع النطاق.

 

 النواحي الجغرافية

 

يشمل القرن الأفريقي أربع دول رئيسية: الصومال، جيبوتي، إريتريا، وإثيوبيا، ويتسع تأثيره ليطال دول الجوار مثل كينيا، أوغندا، السودان، واليمن.

185.jpeg

تُعد المنطقة حلقة وصل رئيسية لحركة التجارة الدولية، حيث يمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن نحو 12% من تجارة العالم، بقيمة تتجاوز تريليون دولار سنويًا. كما تُسهم في نقل ما بين 7 إلى 10% من إمدادات النفط العالمية، وفق تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

 


إعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية والدولية

من جانبه يرى الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشؤون الإفريقية، أن صراع النفوذ في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي أصبح جزءًا من صراع دولي أوسع، مشيرًا إلى أن التحركات السياسية والاقتصادية الأخيرة في المنطقة تعكس إعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية والدولية.

 

 

أضاف قرني في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن منطقة القرن الإفريقي شهدت منذ عام 2022 اهتمامًا دوليًا متزايدًا، تمثل في تعيين 12 إلى 13 دولة كبرى، من بينها الولايات المتحدة، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، الصين، وروسيا، مبعوثين خاصين لهذه المنطقة الحيوية.

 

186.jpeg

أكمل حديثه قائلًا:" إن هذا الاهتمام مرتبط بالأهمية الاستراتيجية للمنطقة، والتي تعد شريانًا لأمن الممرات المائية الكبرى، بما في ذلك البحر الأحمر، باب المندب، وقناة السويس لافتًا إلى أن جيبوتي، الدولة التي تعتمد على اقتصاديات القواعد العسكرية، تحتضن قرابة 9 قواعد عسكرية للقوى الكبرى، ما يجعلها محورًا أساسيًا في هذا الصراع، في ظل تنافس واضح بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى".

 

 

وأكد قرني أن الصراع في القرن الإفريقي يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية، حيث تتنافس القوى الكبرى على إدارة الموانئ وتعزيز نفوذها البحري، مشيرًا إلى التحركات الروسية لإنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان، والدور الصيني المتزايد في جيبوتي.

187.jpeg

كما نوه بـ أن الأدوار الإقليمية التي تلعبها قوى كبرى مثل مصر، السعودية، الإمارات، وتركيا في دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الصومال، مشيرًا إلى التنسيق المصري-الصومالي لمواجهة التحديات الأمنية وتعزيز مؤسسات الدولة.

 

 

 

وفي حديثه عن التحركات الإقليمية، أوضح قرني أن هناك جهودًا حثيثة من قِبل مصر لإعادة بناء النظام الأمني في القرن الإفريقي، نظرًا لتأثيراته المباشرة على الأمن القومي المصري، خاصة ما يتعلق بتأمين قناة السويس، مضيفًا أن هذه الجهود تشمل تعزيز التعاون مع الصومال وإريتريا، فضلًا عن التنسيق الاقتصادي مع جيبوتي ودول الجوار.

 

 

 

واختتم المتخصص في الشؤون الإفريقية، أن السنوات المقبلة ستشهد تصعيدًا في الصراع على النفوذ بالقرن الإفريقي، خاصة في ظل التنافس الدولي على الموانئ والممرات المائية والقواعد العسكرية، مما يتطلب تكاتفًا إقليميًا ودوليًا لضمان استقرار المنطقة.

 

 

 

النفوذ السياسي والجيوسياسي

في نفس السياق أكد الدكتور رامي زهدي، الخبير في الشؤون الإفريقية،  أن منطقة القرن الأفريقي تشهد صراعًا متصاعدًا يعكس التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ السياسي والجيوسياسي، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية أصبحت مركزًا للتحركات الدولية التي قد تغيّر ملامحها بشكل جذري خلال السنوات المقبلة.

 

 

أضاف زهدي في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن موقع القرن الأفريقي، الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، ويشرف على مضيق باب المندب، يجعل منه نقطة ارتكاز محورية للتجارة العالمية، حيث يمر عبره نحو 10% من حركة التجارة الدولية مضيفًا أن المنطقة تزخر بثروات طبيعية، مثل النفط والغاز، وتمثل سوقًا استهلاكيًا واسعًا، مما يجعلها ساحة مفتوحة للتنافس بين القوى الكبرى والإقليمية.

 

188.jpeg

وأشار زهدي إلى أن الصراع في القرن الأفريقي يحمل ملامح مواجهة شبيهة بالحرب الباردة، حيث تسعى القوى الكبرى لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة، موضحًا أن الصين تُعد من أبرز اللاعبين عبر استثماراتها الضخمة في البنية التحتية ومبادرة "الحزام والطريق"، فضلًا عن وجود قاعدة عسكرية في جيبوتي، في المقابل، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز نفوذها عبر شراكات أمنية واقتصادية مع دول مثل إثيوبيا وكينيا.

 

أكمل أن روسيا وتركيا أيضًا تسعيان لترسيخ حضورهما، حيث تحاول موسكو إقامة قاعدة عسكرية في السودان، بينما تركز أنقرة على مشاريع تنموية في الصومال وجيبوتي، في إطار استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية.

 

على الصعيد الإقليمي، أكد زهدي أن الصراع بين مصر وإثيوبيا يمثل أحد أبرز محاور التوتر في المنطقة، مشيرًا إلى أن قضية سد النهضة الإثيوبي هي محور هذا النزاع، لافتًا إلى أن مصر تسعى للحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل من خلال التحركات الدبلوماسية والشراكات الإقليمية، بينما ترى إثيوبيا السد كمشروع سيادي يعزز مكانتها التنموية.

 

 

كما نوه بـ أن الموانئ البحرية تمثل إحدى أهم أدوات الصراع، حيث تُعد جيبوتي مركزًا رئيسيًا للنقل البحري، وتجذب استثمارات كبرى من قوى مثل الصين والإمارات، كما أن الصراع على موارد النفط والغاز في الصومال وإثيوبيا يعزز من تنافس القوى الدولية والإقليمية، ما يجعل المنطقة محورًا لصراعات اقتصادية واسعة النطاق.

 

على الصعيد الجيوسياسي، أوضح زهدي أن القرن الأفريقي يشهد تصاعدًا في تأثير التغيرات المناخية والهجرة والنزاعات المسلحة، مما يزيد من تعقيد الأوضاع، مشيرا إلى أن التوسع في إنشاء القواعد العسكرية، سواء من القوى الغربية أو الصين وروسيا، يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات غير مباشرة.

 

 

واختتم المتخصص في الشؤون الإفريقية في تصريحاته بالتأكيد على أن منطقة القرن الأفريقي تواجه تحديات خطيرة، أبرزها تصاعد النزاعات المائية وزيادة عسكرة المنطقة، مضيفًا أن التعاون الإقليمي والدولي يمكن أن يكون الحل الأمثل للحفاظ على استقرار المنطقة.

 

لفت أن مصر تلعب دورًا محوريًا في هذا الإطار عبر تعزيز شراكاتها مع دول المنطقة، ودعم مشروعات تنموية وأمنية، وتقديم حلول شاملة للنزاعات، مؤكدًا أن القرن الأفريقي يقف أمام مفترق طرق، فإما أن يتجه نحو التصعيد والصدامات التي تعيد تشكيل خريطته السياسية، أو أن يسعى لإرساء نموذج جديد من التعاون الإقليمي والدولي يضمن التنمية والاستقرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق