عاد رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر من قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 29) في العاصمة الأذرية باكو بأذربيجان وكان واحدا من اثنين فقط من قادة مجموعة السبع الصناعية الكبرى حضرا القمة. وقام عقب ذلك بزيارة إلى مجموعة العشرين في البرازيل ،مطلقا "تحالف المملكة المتحدة للطاقة النظيفة " مع 12دولة أخرى .وسبق ذلك رحلة صيفية تضمنت حضور قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في شهر يوليو واجتماع رؤسا ء حكومات الكومنولث في ساموا وزيارات لبناء الثقة إلى فرنسا لبحث قضايا الدفاع والأولويات الجيوسياسية.
وترى أوليفيا أوسوليفان ، مديرة برنامج المملكة المتحدة في العالم في تشاتام هاوس المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية ، أن هذه قائمة طويلة من الاجتماعات إلى حد ما خلال خمسة أشهر فقط في منصبه. ولكن هناك أسبابا وجيهة وراء بقاء ستارمر في الخارج كثيرا للغاية.
وقالت أوسوليفان ، في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس ، إن انتخاب ستارمر تزامن مع سلسلة من الالتزامات الدولية التي كانت ستؤدي إلى تعليقات إذا لم يحضر. ويواجه أيضا مناخا دوليا صعبا على نحو ليس عاديا ، لا يتطلب مجرد زيارات إلى الخارج فحسب ، بل تركيزا كبيرا على الشؤون الخارجية.
وهناك دائما مخاطر كبيرة فئ السياسة الخارجية تلوح في الأفق بالنسبة للحكومة الجديدة في المملكة المتحدة؛ وتتمثل في الحرب في أو كرانيا والأزمة في الشرق الأوسط والحمائية الاقتصادية المتزايدة والتغير المناخي الذي يزداد حدة د. ويتسبب انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية في تعقيد كل هذا وفيما عدا ذلك ، تتغير العلاقات الرئيسية في فترة ما بعد الحرب التي تعتمد عليها المملكة المتحدة .ولا يمكن التنبوء سياسيا على نحو متزايد بتوجهات الولايات المتحدة وأصبحت أوروبا أكثر انقساما في نفس الوقت الذي تواجه فيه روسيا العدوانية والانتقامية. ويعد انتهاج سياسة خارجية نشطة بالكاد خيارا في هذه الظروف.
وإضافة إلى ذلك ، فإن تقارير إعلامية عن استياء الناخبين من تواجد ستارمر في الخارج كثيرا تفاقم مفاهيم بأن أي تركيز على قضايا دولية أمر ليس ذي صلة (أو أسوأ). وهذا هو الحال عندما تكون هناك تحديات ملحة في البلاد ، وليس أقلها عدم تحقيق المملكة المتحدة أي نمو اقتصادي منذ فترة طويلة.
وليس أمام الحكومة أي خيار سوى العمل على جلب استثمارات وإدارة الأزمات وإقامة تحالفات في الخارج ، ولكن سوف يتعين عليها العمل على إبلاغ الناخبين بالسبب وراء أهمية هذا النهج وربط السياسة الدولية على نحو ذي مغزي بالأولويات الداخلية.
وأضافت أوسوليفان أن عودة ترامب تجعل العديد من التحديات أكثر حدة . وفيما يتعلق بالتجارة ، هدد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية من 10% إلى 20 % على كل الواردات .و بالنسبة للدفاع والأمن ،فإن التزامه على المدى الطويل بالدفاع الجماعي عبر الناتو محل شك ، وأن ازدراءه للدول الأوروبية التي تنفق النسب المئوية الأدنى من إجمالي انتاجها المحلي على الدفاع واضح بشكل جلي.
وربما تكون المملكة المتحدة أقل استهدافا للرسوم الأكثر حدة من جانب ترامب من الدول التي يكون العجز التجاري للولايات المتحدة كبيرا معها ولكن مازال هناك خطر .
وسوف تحتاج المملكة المتحدة ،التي بدأت انتهاج استراتيجية تجارية مستقلة بعدما صوتت لصالح الانسحاب من المظلة التجارية للاتحاد الأوروبي (بريكست) في عام 2016، إلى تطوير دبلوماسية تجارية فعالة ومثابرة للتعامل مع عالم أكثر حمائية.
وربما ترغم هذه الظروف المملكة المتحدة على التركيز على مجال آخر مهم لعلاقات ترامب مع الأوروبيين ، وهو الإنفاق الدفاعي. وحثت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارات أخرى سابقة الأوروبيين على المزيد من الإنفاق على الدفاع ولكن من المرجح أن يفعل ترامب هذا على نحو أكثر شراسة - من المحتمل جعله سمة للمناقشات التجارية.
وعلاوة على ذلك ، فإن معظم السيناريوهات المستقبلية بشان حرب روسيا على أوكرانيا تتطلب أن تكون أوروبا أكثر قدرة على الدفاع وضمان أمنها. وسوف يكون هذا ضروريا إذا تعين على الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف أن يرسل مساعدات عسكرية بدون دعم الولايات المتحدة أو تعزيز شروط إنهاء أي نزاع عن طريق التفاوض .
وتابعت أوسوليفان أنه ربما لا يعني هذا إنفاق المزيد فحسب ،بل أيضا العمل أكثر مع الحلفاء الأوروبيين بشان التخطيط الدفاعي والقدرات المشتركة. وبدأ بالفعل العمل بشأن ذلك، بقيام ستارمر بزيارة لفرنسا بعد انتخاب ترامب مباشرة ،إضافة إلى التوقيع على اتفاق دفاعي بين المملكة المتحدة وألمانيا في أكتوبر الماضي.
ويؤيد مواطنو المملكة المتحدة علانية على نحو مستمر إلى حد ما إنفاقا أعلى على الدفاع وتظهر استطلاعات الرأي أن هناك قلقا بشأن عدد من القضايا الدولية ،بصفة خاصة المناخ. ولكن ، كما هو الحال مع معظم القضايا السياسية ، فإنه عند مطالبو مواطني المملكة المتحدة بالأنخراط في مبادلات تجارية ، أبدوا معارضة لإعادة توجيه التمويل بعيدا عن قطاع الصحة أو التعليم أو تحمل صعوبات شخصية . وتحتل القضايا الداخلية وبصفة خاصة هيئة الصحة الوطنية صدارة أولوياتهم على نحو مستمر.
وتعد الموافقة والفهم العام لأولويات السياسة الخارجية أمرا مهما .وكانت بريكست جزئيا إشارة إلى أن صانعي القرار أخذوا موافقة العامة وفهمهم لعلاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي ،وهى عنصر جوهري في سياستها الخارجية ، كأمر مسلم به. وكانت النتيجة تحولا كبيرا في الوضع الاقتصادي والجيو سياسي للبلاد.
ومن المهم بالنسبة للحكومة أن تبذل جهدا لتوضح السبب وراء ارتباط القمم الدولية إضافة إلى التجارة والدفاع والمناخ بالمشاكل في الداخل.
وتقوم الحكومة بعمل ذلك بشأن المناخ ، حيث تؤكد أهمية علاج المشكلة عالميا ليس فقط لأسباب أيديولوجية ولكن لخفض التقلبات التي تحدث بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري أو على دول غير مستقرة.
ويمكن عمل المزيد لدمج السياسة التجارية في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة ،لتأمين اتفاقيات وإدارة تحدى التجارة في عصر ترامب. ويرتبط الكثير من التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة في السياسة الخارجية بشكل مباشر بالتحديات التي تواجهها في الداخل. و ترتبط المهمة التي تأتي في صدارة المهام الرئيسية للحكومة ، وهى تحقيق نمو اقتصادي ، بتقليص الحواجز التجارية إلى أدنى حد وجلب الاستثمار الأجنبي.
اختتمت أو سوليفان تقريرها بالقول إن مهمة تحقيق النمو ، الحساسة في حد ذاتها، هى التي تعزز أهداف السياسة الخارجية للمملكة المتحدة . وسوف يحقق النمو المزيد من الدخل المالي للإنفاق على الدفاع والتنمية والمناخ . ولن يحصل ستارمر وحكومته على الدعم لأجندتها الدولية الموسعة إلا من خلال تحقيق نجاح في الداخل.وربما يحتاج رئيس الوزراء إلى القيام بالمزيد من الجولات في العالم ولكن يتعين عليه مواصلة توضيح السبب وراء أهمية ذلك .
0 تعليق