للمتابعة اضغط هنا

انتخابات الرئاسة الأمريكية والملف الاقتصادى

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، فسياسات الدول تقوم فى الأساس على مصالحها، والاقتصاد جزء أساسى من هذه المصالح. ومن هُنا يدرك أى متابع للانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الدور الكبير الذى يلعبه الاقتصاد فى اختيارات الناخبين، لذا فإن البرنامجين الانتخابين للمرشحين دونالد ترامب، وكامالا هاريس يركزان بشكل كبير على أفكار وأطروحات اقتصادية تغازل شرائح مختلفة من جمهور الناخبين.

يبدو دونالد ترامب واضحا بأفكاره الاقتصادية التقليدية والمحافظة التى يبدو أنها تخاطب الشركات الكبرى بما تمثله من مصالح وتأثير كبير داخل المجتمع الأمريكي، فيقدم وعودا لها بخفض الضرائب، ومنح الشركات الصناعية حماية جمركية كبيرة، تناقض أفكار العولمة وحرية التجارة. وهو ممن يرفعون شعار «أمريكا أولاً»، لذا فإنه يدعو إلى سياسات تضييق ضد الهجرة غير الشرعية. كما يعد بمنع المستثمرين الصينيين من شراء العقارات والشركات فى الولايات المتحدة، وهو نهج جديد لم يسلكه رئيس أمريكى من قبل.

ويطرح ترامب أفكارا تبدو أقرب للنهج الشمولى المناقض لحرية الاقتصاد والتجارة، إذ يكرر فى كل محفل طرح فكرة تطبيق رسوم جمركية على كافة الواردات خاصة القادمة من الصين والمكسيك، ويصل به الأمر إلى التلويح باستخدام هذه الآليات مع أى دولة تتخلى عن استخدام الدولار.

أما هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، فتتوجه بخطابها إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الوظائف الوسطى والطبقات الأقل دخلاً، لذا يتضمن برنامجها الاقتصادى زيادة خصم تكاليف بدء التشغيل من الضرائب للشركات الصغيرة عشرة أضعاف ما هى عليه الآن لتصل إلى 50 ألف دولار، وتقديم دعم لمشترى المنازل من الأسر التى لديها مواليد جدد يصل إلى 25 ألف دولار، مع إقامة ثلاثة ملايين مسكن متوسط لمواجهة القجوة فى المساكن.

وفى تصورها، فإن أفكار ترامب لزيادة الجمارك على الواردات ستؤدى حتما إلى موجات غلاء جديدة فى ظل حالة التضخم التى يعانى منها الاقتصاد الأمريكى مؤخرا، لذا فإنها تتعهد بالحفاظ على حدود التعريفات الجمركية كما هى. كما ستطرح مبادرات لخفض أسعار المواد الغذائية.

وبشكل عام يبدو أن ترامب يمثل مصالح الطبقة الأكثر ثراء فى أمريكا، بينما تمثل هاريس الطبقة المتوسطة، والعمال والموظفين، وهو ما يشير إلى صراع جديد داخل الأوساط الأمريكية لم يكن ظاهرا فى العلن بين مصالح الأثرياء ومصالح الطبقة الوسطى والدنيا. فهذه الانتخابات تعبر بجلاء عن مزيد من الانقسام داخل المجتمع الأمريكى.

ولا شك أن أولى الملاحظات الجديرة بالتسجيل فى هذه الانتخابات هى أن الشئون الاقتصادية هى المحرك الأهم فى أى منافسة سياسية، إذ تخفت الانتماءات الحزبية للأفراد، وتتغير القناعات وفقا للمرشح الأقرب لمصالح كل ناخب.

كذلك، فإن حدة المنافسة والطرح المتباين للبرامج يعكس بوضوح اختلال نموذج العدالة المجتمعية الذى ظل مهيمنا ومصدرا باعتباره الأنسب للمحاكاة. فأمريكا التى كانت حلما للشباب العربى قبل عقود، لم تعد كذلك فى ظل تضخم كبير وارتفاع فى كلفة المعيشة ونظرة عنصرية تزدرى الأجانب. ولا شك أن المواطن الأمريكى لديه قدر ما من الشعور بعدم العدالة رغم كل مظاهر الاستقرار المتحققة.

ويبدو لافتا أيضا أن الأفكار الرائجة بشأن العولمة وحرية التجارة وحرية الاستثمار وانتقال رؤوس الأموال والأفراد عبر الحدود، تراجعت وتوارت، لتثبت الأيام أنها كانت مجرد شعارات رنانة مُوجهة فى وقت ما إلى العالم لتيسيير تنميطه لخدمة سياسات محددة تمثل مكاسب للولايات المتحدة واقتصادها.

وبشكل عام، فإن مشاهد الانتخابات الأمريكية بما تتضمنه من مناظرات، ومحاورات، وانتقادات متبادلة، وبرامج مختلف عليها، وصراع دائر تمثل مشاهد جذابة ولافتة بشأن التغيير السياسى فى العالم ودور الإنسان العادلى للتأثير فيه.

وسلامٌ على الأمة المصرية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق