اقرأ في هذا المقال
- • شحنات النفط الروسي إلى الصين وصلت إلى مليوني طن في عام 2024
- • شركة غازبروم الروسية حوّلت تركيزها إلى الصين بصفتها سوقها الأساسي للغاز.
- • الاعتماد على الطاقة الروسية يعرّض الصين لمخاطر جيوسياسية محتملة
- • دبلوماسية الطاقة الروسية امتدّت إلى ما هو أبعد من خطوط الأنابيب وحقول النفط
تركّز إستراتيجية الطاقة الروسية في القطب الشمالي على الأسواق الأسيوية ونقل إمدادات النفط والغاز إليها، ما يستوجب التعامل المتأني مع التحولات الجيوسياسية في عالم مجزّأ.
ويمثّل الاستعمال المتزايد لطريق البحر الشمالي لصادرات النفط والغاز الروسية تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الطاقة العالمية، ما يعكس التقاء العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية.
وفي عام 2024، شهد طريق البحر الشمالي زيادة ملحوظة بنسبة 14.5% في عمليات تسليم أنواع الوقود إلى آسيا، ضمن إستراتيجية الطاقة الروسية، لتصل إلى إجمالي 4.47 مليون طن.
ويؤكد هذا الارتفاع الأهمية المتطورة للطريق في إستراتيجية الطاقة الروسية، حيث تسعى الدولة إلى تنويع أسواقها وسط علاقات متوترة مع أوروبا.
نمو صادرات النفط والغاز وتنويع الأسواق
كان ارتفاع صادرات النفط والغاز عبر طريق البحر الشمالي مدفوعًا في المقام الأول بمشروع يامال للغاز المسال، الذي تديره شركة نوفاتك NOVATEK، وشحنَ 2.4 مليون طن من الغاز المسال إلى آسيا في 35 شحنة.
ويمثّل هذا زيادة بنسبة 5% على أساس سنوي مقارنة بعام 2023، عندما أُرسِلَت 31 شحنة بإجمالي 2.27 مليون طن.
على الرغم من أن الرقم القياسي الأقصى البالغ 3.29 مليون طن الذي سُلِّمَ في عام 2021 يظل غير مسبوق، فإن النمو المطّرد في عام 2024 يعكس الطلب القوي من الأسواق الآسيوية، خصوصًا الصين.
وانتهى الموسم بتفريغ دفعات الغاز المسال في مواني جيانغسو وتشوشان الصينية، ما يمثّل تتويجًا لمدة ملاحية ناجحة.
وكان المساهم الأكبر في هذا النمو هو الزيادة بنسبة 33% في شحنات النفط إلى الصين، التي وصلت إلى مليوني طن في عام 2024.
وتم تسهيل جزء كبير من هذه الزيادة من خلال مورمانسك، ميناء المغادرة الأساس، الذي يمثّل نحو 80% من أحجام النفط المنقولة إلى الصين.
وتؤكد هذه الميزة اللوجستية الاستعمال الإستراتيجي لروسيا لطريق البحر الشمالي لتقصير طرق التسليم وخفض تكاليف النقل، مقارنة بطريق قناة السويس التقليدي.
التحول الإستراتيجي نحو آسيا
تعدّ إستراتيجية الطاقة الروسية بالتحول نحو الأسواق الآسيوية استجابة للطلب الأوروبي المتناقص، الذي تفاقمَ بسبب العقوبات والتوترات الجيوسياسية.
على سبيل المثال، حوّلت شركة غازبروم الروسية Gazprom تركيزها إلى الصين بصفتها سوقها الأساسية للغاز، وزادت من الإمدادات عبر خط أنابيب باور أوف سيبريا.
ويعكس هذا التحول إعادة تنظيم أوسع في إستراتيجية الطاقة الروسية، مع تأكيد الروابط الاقتصادية الأقوى مع الصين ودول آسيوية أخرى.
التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والتشغيل
واجه مشروع محطة أركتيك 2 للغاز المسال، الذي كان من المتوقع أن يعزز بشكل كبير صادرات النفط والغاز عبر طريق البحر الشمالي، تأخيرات بسبب العقوبات الأميركية والعقبات اللوجستية.
وعلى الرغم من أن شركة نوفاتك تحتفظ بحصّة 60% في المشروع، فإن نقص الناقلات وتردُّد المشترين قد قيّد إنتاجه بسبب العقوبات الأميركية.
رغم ذلك، أعلنت شركة روساتوم الروسية Rosatom، مشغّل طريق البحر الشمالي، زيادة إجمالية بنسبة 5% في إجمالي تدفّق البضائع على طول الطريق في عام 2024، محققة رقمًا قياسيًا جديدًا بلغ 3.08 مليون طن لشحنات العبور.
وتؤكد هذه الإنجازات الجدوى المتزايدة التي يتمتع بها طريق البحر الشمالي كونه شريانًا تجاريًا بالغ الأهمية، حتى في ظل التحديات التشغيلية، وذلك ضمن إستراتيجية الطاقة الروسية.
تداعيات تركيز روسيا على طريق البحر الشمالي
يتماشى تركيز موسكو على طريق البحر الشمالي مع إستراتيجية الطاقة الروسية، وكذلك الاقتصادية الأوسع نطاقًا.
فقد أدى انخفاض قيمة الروبل، الذي انخفض بشكل حادّ من 104 إلى 113 روبلًا مقابل الدولار الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إلى تعزيز القدرة التنافسية للصادرات عن غير قصد.
من ناحيتهم، عَدَّ المسؤولون الروس الروبل الضعيف أداة لتحفيز الصادرات ومعالجة قيود الموازنة.
وتتوقع بيانات الموازنة الفيدرالية لعام 2025 إيرادات تبلغ 40.296 تريليون روبل مقابل نفقات تبلغ 41.469 تريليون روبل، ما يؤدي إلى عجز يمكن إدارته يبلغ 1.173 تريليون روبل.
ويدعم هذا الإطار الاقتصادي الاستثمار المستدام في مشروعات البنية التحتية والطاقة في القطب الشمالي، على الرغم من الضغوط الخارجية.
(الروبل الروسي = 0.0094 دولارًا أميركيًا)
وتنعكس هذه التعديلات في سوق العمل، حيث بلغ معدل البطالة أدنى مستوى تاريخي عند 2.3% في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
رغم ذلك، ما يزال نقص العمالة -الذي تفاقم بسبب تدفقات المهاجرين والسياسات المناهضة للهجرة- يشكّل مصدر قلق دائم.
وبالنسبة لقطاع الطاقة، فإن مكاسب الإنتاج والتقدم التكنولوجي ضرورية للحفاظ على القدرة التنافسية في سوق العمل المقيدة.
تغيير طرق نقل النفط والغاز
يمثّل الاستعمال المتزايد لطريق البحر الشمالي ممرًا لنقل النفط والغاز تحديًا للطرق التقليدية مثل قناة السويس.
في عام 2024، أضافت إعادة توجيه البضائع من سانت بطرسبرغ ومورمانسك إلى طريق البحر الشمالي ما يقرب من 900 ألف طن إلى حركة المرور على الطريق.
ويقلل هذا التحول من وقت النقل، ويعزز مكانة روسيا بصفتها لاعبًا رئيسًا بالخدمات اللوجستية في القطب الشمالي.
من جهة ثانية، تلوح المخاوف البيئية في الأفق، حيث أثار الاستعمال المتزايد لكاسحات الجليد وإمكان حدوث اضطراب في النظم البيئية الحساسة في القطب الشمالي انتقادات، ما أدى إلى تعقيد جهود روسيا لتقديم طريق البحر الشمالي بديلًا مستدامًا.
أمن الطاقة وتأثيرات السوق في آسيا
بالنسبة للصين، المستفيد الأساس من زيادة صادرات النفط والغاز عبر طريق البحر الشمالي، فإن هذا التطور يعزز أمن الطاقة من خلال تنويع مصادر الإمداد.
وتوفر الشحنات المباشرة من حقول القطب الشمالي، جنبًا إلى جنب مع التسعير التنافسي الذي تتيحه السياسات الاقتصادية الروسية، مزايا كبيرة.
على صعيد آخر، فإن الاعتماد على الطاقة الروسية يعرّض الصين لمخاطر جيوسياسية محتملة، خصوصًا إذا تصاعدت التوترات في القطب الشمالي، أو تعطلت سلاسل التوريد.
ويوفر توسُّع طريق الشمال البحري فرصًا للأسواق الآسيوية الأخرى، شريطة أن تتمكن من التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية المترتبة على التعامل مع مورّدي الطاقة الروس.
وبالنسبة لدول مثل الهند، يمثّل طريق الشمال البحري طريقًا محتملًا لتنويع واردات الطاقة، وإن كانت الاعتبارات السياسية قد تحدّ من المشاركة الفورية.
تركيز روسيا على طريق البحر الشمالي
يعكس تركيز روسيا على طريق البحر الشمالي إستراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع نطاقًا لتأكيد الهيمنة في القطب الشمالي.
وتشير الاستثمارات في مشروعات مثل فوستوك أويل، التي تواصل توسيع إنتاجها وبُنيتها الأساسية، إلى التزام روسيا بالاستفادة من موارد القطب الشمالي لتحقيق مكاسب اقتصادية وإستراتيجية.
في عام 2024، بلغ إنتاج شركة روسنفط الروسية Rosneft 193.4 مليون طن من المكافئ النفطي، مع أكثر من ثلثه من حقول يامال.
وواصل مشروع فوستوك أويل تقدُّمه المطّرد، مع تقدُّم المسوحات الزلزالية والحفر التجريبي وتطوير البنية الأساسية، على الرغم من الظروف القاسية.
وقدّمت حدود القطب الشمالي هذه شريان حياة، اقتصاديًا وجيوسياسيًا، حيث وضعت روسيا نفسها موردًا رئيسًا للأسواق الآسيوية المتعطشة للطاقة.
ويتماشى هذا النهج مع علاقاتها الوثيقة بالصين، التي تتجلى في زيادة تجارة الطاقة والإستراتيجيات المنسّقة في القطب الشمالي.
وفي الوقت نفسه، فإن الأهمية المتزايدة لطريق البحر الشمالي تزيد من المنافسة في القطب الشمالي.
ومن المرجّح أن يتحدى أصحاب المصلحة الآخرون، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجلس القطب الشمالي، هيمنة روسيا، ما قد يؤدي إلى زيادة العسكرة والاحتكاك الجيوسياسي.
التوقعات المستقبلية
من المتوقع أن يؤدي طريق البحر الشمالي دورًا أكثر أهمية في ديناميكيات الطاقة والتجارة العالمية.
ويؤكد هدف روسيا -المتمثل في زيادة حركة الشحن عبر طريق البحر الشمالي إلى 80 مليون طن بحلول عام 2024- طموحاتها.
ويتطلب تحقيق هذا الهدف التغلب على العقبات اللوجستية والبيئية والجيوسياسية، وسوف يكون نجاح مشروعات مثل مشروع محطة أركتيك 2 للغاز المسال ومشروع باور أوف سيبريا 2 أمرًا بالغ الأهمية لاستدامة النمو في صادرات النفط والغاز.
رغم ذلك، فإن آثار توسُّع طريق البحر الشمالي تمتدّ إلى ما هو أبعد من أسواق الطاقة.
ومع اكتساب الشحن في القطب الشمالي أهمية متزايدة، فقد تتغير أنماط التجارة العالمية، وستستمر الأهمية الجيوسياسية للمنطقة في الارتفاع.
وبالنسبة لروسيا، يمثّل طريق البحر الشمالي شريان حياة اقتصاديًا وأصلًا إستراتيجيًا، ويبلور دورها في عالم متعدد الأقطاب.
وبالنسبة للمجتمع الدولي، يكمن التحدي في موازنة فوائد التنمية في القطب الشمالي مع ضرورات حماية البيئة والاستقرار الجيوسياسي.
مناورة الطاقة الروسية مع الصين
في المناطق الطبيعية الجليدية في سيبيريا، كانت همهمة ضواغط الغاز تتردد عبر التندرا، مع تكثيف روسيا لمحور الطاقة لديها شرقا.
وكان خط أنابيب باور أوف سيبريا ــ الذي يمتد على مسافة 3 آلاف كيلومتر من حقول الغاز الروسية إلى الصين ــ يرمز إلى أكثر من مجرد قناة للغاز الطبيعي، بل كان شريانًا جيوسياسيًا ينبض بالتطلعات والضرورة الاقتصادية وتعقيدات إعادة تنظيم القوى العالمية.
وكانت شركة غازبروم، عملاقة الطاقة الروسية الخاضعة لسيطرة الدولة، قد عززت قدرتها على إمداد الصين بالغاز، وهو ما يعكس الحاجة الملحّة للتعويض عن انخفاض الطلب الأوروبي.
وبالنظر إلى تزايد التوتر في العلاقات مع أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات الناتجة عن ذلك، وجدت موسكو نفسها تتجه نحو بكين، حيث لم يكن التودد خاليًا من التعقيدات.
وظل التوسع المتصوَّر، عبر خط أنابيب باور أوف سيبريا 2، مصحوبًا بالخلافات، وكانت مفاوضات التسعير بين موسكو وبكين قد توقفت، ما ترك المشروع في حالة من الغموض، وأثار تساؤلات حول قدرة روسيا على تعويض خسائرها في أوروبا.
وفي غياب التقدم الفوري في مشروع "باور أوف سيبريا 2"، حوّلت شركة غازبروم تركيزها إلى توسيع سعة خط الأنابيب الحالي.
وبموازنة استثمارية تبلغ 14.1 مليار دولار (1.524 تريليون روبل) لعام 2025 -بانخفاض 7% عن العام السابق- أعطت الشركة الأولوية للمشروعات التي يمكن أن تعمل على استقرار الإيرادات.
وافترض السيناريو الأساس لعام 2025 عدم وجود إمدادات غاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، ما يؤكد بشكل أكبر أهمية المحور الشرقي.
وجاء هذا التحول في مرحلة حرجة، حيث واجه الروبل الروسي موجة أخرى من انخفاض القيمة، وتراجع من 104 إلى 113 روبلًا مقابل الدولار الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
من جهة أخرى، لم يكن انخفاض الروبل عرضيًا، فمنذ الاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها روسيا في عام 1998، تبنّت الحكومة الروسية إستراتيجية خفض قيمة العملة بشكل منضبط، حيث عَدّت العملة الأضعف وسيلة لتعزيز الصادرات وتخفيف عجز الموازنة.
وأشاد المسؤولون، بما في ذلك وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، علنًا بدور سعر الصرف في دعم صادرات الطاقة.
وبالنسبة للروس العاديين، لم يجلب التآكل المستمر لقيمة عملتهم سوى القليل من الراحة، حيث كان التضخم والضبابية الاقتصادية يلوحان في الأفق.
وفي الوقت نفسه، امتدت دبلوماسية الطاقة الروسية إلى ما هو أبعد من خطوط الأنابيب وحقول النفط.
وسعت المفاوضات مع شركاء تحالف أوبك+ إلى استقرار أسعار النفط العالمية في ظل اقتصاد متباطئ، وأكدت الاجتماعات بين نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ونظرائه من المملكة العربية السعودية والعراق وقازاخستان، أهمية التوازن الدقيق بين الحفاظ على حدود الإنتاج، مع ضمان استقرار السوق.
وعكسَ التزام روسيا بهذه الاتفاقيات دورها المزدوج بصفتها لاعبًا عالميًا في مجال الطاقة، وبلدًا يكافح نقاط ضعفه الاقتصادية.
بالنسبة للصين، قدّمت علاقة الطاقة المتوسعة مع روسيا فرصًا ومخاطر، وعززت زيادة إمدادات الغاز عبر خط أنابيب باور أوف سيبريا أمن الطاقة في الصين، ما قلّل من اعتمادها على المورّدين الأكثر تقلبًا في الشرق الأوسط.
رغم ذلك، سلّطت المفاوضات المتوقفة بشأن باور أوف سيبريا 2 الضوء على تعقيدات التعامل مع شريك تتعارض ضروراته الاقتصادية غالبًا مع المصالح الإستراتيجية لبكين.
وفي موسكو، قدّمت التوقعات الاقتصادية للكرملين صورة مختلطة، حيث كانت الموازنة الفيدرالية للمدة 2025-2027، استنادًا إلى سعر النفط البالغ 69.7 دولارًا للبرميل، تتوقع نموًا متواضعًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% لعام 2025.
وكانت تحديات نقص العمالة، التي تفاقمت بسبب تدفقات المهاجرين والسياسات المناهضة للهجرة، تلوح في الأفق.
ومع وجود 5 وظائف شاغرة لكل شخص عاطل عن العمل، كانت سوق العمل متوترة تحت وطأة الانحدار الديموغرافي والعزلة الجيوسياسية.
ومع اقتراب عام 2024 من نهايته، كانت ممرات الطاقة في سيبيريا تعجّ بالنشاط، حاملة آمال روسيا في المرونة الاقتصادية والأهمية الجيوسياسية.
ويرمز خط أنابيب باور أوف سيبريا إلى تحول روسيا إلى آسيا، وهو شهادة على قدرتها على التكيف في مواجهة العقوبات الغربية.
وفي الوقت نفسه، ظل الطريق إلى الأمام محفوفًا بالضبابية الناجمة عن التفاعل المعقّد بين الضغوط الاقتصادية والمفاوضات الدبلوماسية والتيارات المتغيرة باستمرار للقوة العالمية.
ولم يكن خط الأنابيب مجرد قناة لتوريد الغاز، بل نافذة لتطلّعات روسيا ومساعيها في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد.
التداعيات الجيوسياسية لإستراتيجية الطاقة الروسية
يكشف التحول في إستراتيجية الطاقة الروسية نحو آسيا، المدعوم بزيادة صادرات النفط والغاز عبر طريق البحر الشمالي وخط أنابيب باور أوف سيبريا، عن تكيُّف حاسم مع ديناميكيات الطاقة العالمية المتغيرة.
ومع قطع العقوبات الغربية والتوترات الجيوسياسية علاقات الطاقة التقليدية مع أوروبا، فإن تركيز موسكو على موارد القطب الشمالي والبنية الأساسية للطاقة يخدم الأهداف الاقتصادية والإستراتيجية.
وتؤكد الحقائق المعقّدة لهذه الطموحات التوازن الدقيق الذي يجب على روسيا أن تُبحر فيه في المشهد الجيوسياسي المتطور.
وتسلّط الأهمية المتزايدة لطريق البحر الشمالي الضوء على سعي روسيا لتعزيز سيطرتها على طرق التجارة في القطب الشمالي، وإظهار نفسها قوة مهيمنة في القطب الشمالي.
ونتيجة لزيادة بنسبة 14.5% في عمليات تسليم النفط والغاز إلى آسيا في عام 2024، يعزز طريق البحر الشمالي تنويع الطاقة في روسيا مع تحدّي طرق التجارة العالمية التقليدية، مثل قناة السويس.
بدورها، تهدد المخاوف البيئية والمنافسة من جانب أصحاب المصلحة الآخرين في القطب الشمالي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بتصعيد التوترات الإقليمية.
وفي الوقت نفسه، يؤكد توسيع خط أنابيب باور أوف سيبريا اعتماد موسكو على الصين بصفتها شريكًا رئيسًا في مجال الطاقة.
وعلى الرغم من أن هذه الشراكة تهدف إلى تعميق العلاقات الاقتصادية، فإن المفاوضات المتوقفة بشأن خط أنابيب باور أوف سيبريا 2 تكشف تصدعات في العلاقة، ما يعكس تحديات أوسع نطاقًا في مواءمة مصالح دولتين مهمتين.
وبالنسبة للصين، تظل روسيا شريكًا حيويًا، ولكنه معقّد، حيث توفر الأمن في مجال الطاقة وسط نظام عالمي سريع التغير.
على الصعيد المحلي، تعزز السياسات الاقتصادية الروسية، بما في ذلك خفض قيمة الروبل إستراتيجيًا، القدرة التنافسية في صادرات الطاقة، ولكنها تأتي على حساب الاستقرار المحلي.
ويسلّط نقص العمالة والضبابية الاقتصادية الناجمة عن العقوبات والتحديات الديموغرافية وانخفاض الإيرادات الأوروبية الضوء على هشاشة الأسس الاقتصادية لموسكو.
على الصعيد العالمي، تحمل هذه الإستراتيجيات آثارا عميقة، ومن شأن تحول القطب الشمالي إلى مركز تجاري ومركز للطاقة أن يعيد تشكيل التجارة والمحاذاة الجيوسياسية، ما يؤدي إلى تكثيف المنافسة بين القوى الكبرى.
إضافة إلى ذلك، يشير تحول روسيا نحو آسيا، خصوصًا علاقاتها المتعمقة في مجال الطاقة مع الصين، إلى إعادة تنظيم أوسع نطاقًا نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث تعمل الكتل الإقليمية وطرق التجارة البديلة على إعادة تعريف الترابط العالمي.
في نهاية المطاف، توضح إستراتيجيات روسيا في القطب الشمالي وخطوط الأنابيب دولة تسعى جاهدة للحفاظ على أهميتها ومرونتها في نظام جيوسياسي مجزّأ بشكل متزايد.
وعلى الرغم من أن هذه الجهود قد تسفر عن مكاسب اقتصادية وإستراتيجية في الأمد القريب، فإنها تخاطر بتفاقم التوترات والتداعيات، ما يترك موسكو تواجه ضبابية المشهد العالمي المتقلب.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق