تم عرض بعض الأخبار في الصحف حول تعديلات جديدة بلجان اختيار القيادات الجامعية، والتي تتضمن تقليص عدد أعضاء اللجنة المعنية باختيار القيادات الجامعية، وعقد لقاء بين المرشحين وبين وزير التعليم العالي لمناقشة برامجهم، وذلك في ما يخص منصب رئيس الجامعة، أو العميد، أو نواب رئيس الجامعة.
تجدر الإشارة إلى أن جميع دساتير جمهورية مصر العربية نصت صراحة على استقلال الجامعات، وآخرها الدستور الحالي لعام ٢٠١٤، حيث تنص المادة ٢١ على أن "الجامعات مستقلة"، كما تنص المادة ٢٣ على أن "الجامعات تمارس استقلالها في إطار الحرية الأكاديمية"، ما يعني ضرورة تمتع الجامعات بحرية تنظيم شؤونها الأكاديمية والإدارية.
وجود الوزير كرئيس المجلس الأعلى للجامعات وكممثل عن الحكومة لا يعني التدخل في اختيار رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات، حيث كان النظام الحالي يتطلب تقليص صلاحيات الوزير في هذا الشأن ليكون متوافقًا مع الدستور، وليس زيادتها وتكبيل الجامعات بتدخله في اختيار قياداتها.
في النظام الحالي الصادر بالقرار رقم ٢٩٣ لسنة ٢٠٢١ المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ٣٠ يناير عام٢٠٢١، كان الوزير يختار عضوين من خارج المجلس الأعلى للجامعات بالإضافة إلى رئيس اللجنة وهو احد رؤساء الجامعات، من إجمالي ٩ أعضاء لاختيار رئيس الجامعة ما يعني مشاركته في اختيار ثلث أعضاء اللجنة.
ومع التعديلات الجديدة، يبقى السؤال: هل سيتم تقليص عدد الأعضاء الذين يختارهم الوزير ليقل تدخله عن ثلث الأعضاء، أم سيتم تقليص عدد الأعضاء من خارج اختياره ويزداد تأثير تدخل الوزير مع نقصان عدد اللجنة ليزداد عن الثلث؟.
كما أن فرض لقاء بين الوزير والمرشحين لمناصب رئيس الجامعة ونوابه والعمداء لعرض برامجهم يُعد تدخلًا في عملية اختيار القيادات الجامعية. فالاختيار يجب أن يكون من خلال المعايير الأكاديمية والعملية القابله للقياس بدقه، ويكون لأعضاء هيئة التدريس ومجالسهم الحق الأصيل في تحديد لجان الاختيار ومن يصلح للقيادة وفقًا للمؤهلات والكفاءة، وليس بناءً على معايير غير قابلة للقياس بدقة كما هو موجود بالنظام الحالي، إضافة إلى زيادة صلاحيات الوزير في اختيار أعضاء اللجنة ومقابلته معهم.
وفي ضوء المادة السادسة من نظام اختيار القيادات الجامعية الحالي، التي تنص على أنه "إذا تبين للوزير عدم توافر أي من الشروط أو المقومات في الأسماء الثلاثة التي استقرت عليها اللجنة، يتم إعادة الإجراءات مرة أخرى"، يظهر تدخل آخر يزيد من صلاحيات الوزير ويقوض استقلال الجامعات. هذا التدخل يمكن أن يؤدي إلى استبعاد مرشح لمنصب نائب رئيس جامعة او عميد حتى لو كان مقبولًا من قبل رئيس جامعته وأعضاء هيئة التدريس.
أما فيما يتعلق بمعايير المفاضلة، فقد كان معيار القدرات البحثية أحد المعايير المستخدمة في التقييم. لكن هناك تساؤلات حول علاقة القدرات البحثية وتخصصه الدقيق بالتوصيف الوظيفي للمنصب ومهام القيادات الجامعية التي تدير تخصصات متعددة، فهل يؤثر معامل هيرش في البحث العلمي على كفاءة مهام إدارة الجامعة أو الكلية؟، وهل سيكون هناك فارق بين من حصل على براءة اختراع في تخصصه وبين من لم يحصل عليها؟.
فيما يخص معيار القدرات القيادية في النظام الحالي، والذي يشمل مفردات لا يطبق لها نظام قياس علمي دقيق مثل الكاريزما، وحضور الشخصية، والقدرة على خدمة الآخرين، وحل المشكلات، والتوازن النفسي، والعمل بروح الفريق، يبقى التساؤل: هل حدد النظام ضرورة إجراء اختبارات علمية لقياس هذه المعايير، مثل اختبارات تحليل الشخصية أو المهارات الاجتماعية (مثل The Social Skills Inventor)، أم أن هذه المعايير تقاس حسب الأهواء؟
إن اختيار القيادات الجامعية يتطلب مجموعة من المعايير القابلة للقياس بدقة، بعيدًا عن التعيين القائم على الأهواء والرغبات الشخصية أو الأقدمية. فالمعايير يجب أن تقيس فاعلية الأداء المتوقع والأهداف الأكاديمية والإدارية المرتبطة بالتوصيف الوظيفي والمهام الفعلية لكل منصب، فمن أهم هذه المعايير الإلمام بمجالات مثل علوم الإدارة، والقوانين المنظمة واللوائح الجامعية، حتى لا يكون اعتماد القيادة على مستشارين أو موظفين قدامى في اتخاذ قراراتهم ويستمر انتقال أثر الأخطاء وتتوارث بدون تصحيح.
كما ينبغي استخدام أدوات قياس متعددة مثل الاختبارات النفسية وقياسات الذكاء (IQ)، وتقييم السلوك، وسمات الشخصية القيادية. يمكن الاستفادة أيضًا من الأبحاث العلمية والمتعلقة بجوانب الشخصية، وأنماط التفكير، وطرق التقييم الحديثة في قياس المعايير باستخدام التكنولوجيا، بما في ذلك قياس ما سبق باستخدام الاختبارات الكمبيوترية وبنوك الأسئلة لاستبعاد الأهواء البشرية في التقييم.
في النهاية، يجب أن يتضمن تقييم المرشحين السيرة الذاتية والخبرة المهنية ورضا اعضاء هيئة التدريس عن العمل تحت قيادته، إلى جانب برنامج المرشح وقياس قابليته للتطبيق والمحاسبة على تنفيذه خلال فترة تولي المنصب. كما يجب مراجعة المزايا المالية للقيادات الجامعية وتطبيق الحد الأقصى للدخل الكلي بدلا من الحد الاقصى للراتب فقط، حيث أن المناصب القيادية هي تكليف لخدمة الوطن وليست تشريفًا.
0 تعليق