د. محمد كامل يكتب: "الجامعة قاطرة الأمة 5"

كشكول 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فجأة ظهرت "الجودة"، التي كما سمعته في أحد الفيديوهات قال الدكتور هاني هلال إنه كان من أدخلها إلى المنطقة العربية عندما كان ملحقًا ثقافيًا في باريس، والتي انتشرت بسرعة كبيرة في جميع البلدان العربية، مما ساهم في محو الدور التاريخي لمصر في نشر التعليم في البلدان العربية.

فمعنى رفع مستوى أستاذ الجامعة هو إقرار بعدم أهليته، وهو ما يعد محوًا لرموز عظيمة سبقونا في العلوم والآداب مثل الدكتور مصطفى مشرفة وطه حسين وغيرهم، وكأن الثقافة العربية، التي كانت سببًا في تطور الغرب حسب شهادة أساتذة الجامعات الغربية الذين التقيت بهم أو قرأت عنهم، قد تم تجاهلها. ورغم ما تم إنفاقه من أموال طائلة، فإن غالبية أساتذة الجامعات لا يرون في "الجودة" أكثر من مجرد استيفاء أوراق رسمية. أما مفردات "الرؤية" و"الرسالة" و"الهدف"، فإن لم تكن جزءًا أساسيًا ضمن العملية التعليمية، فإن التعليم يفقد معناه تمامًا.

ومن أهم أهداف الجودة هو تخريج طالب مؤهل قادر على تلبية احتياجات سوق العمل، ويتميز بالقدرة العلمية وفقًا للرسالة التي تحملها المؤسسة التعليمية التي تخرج منها، ليتمكن من المنافسة ويحقق رؤية المؤسسة في أن تصبح من بين أبرز المؤسسات التعليمية في العالم وفقًا للتصنيفات الدولية للجامعات. ومن هنا بدأ البحث العلمي في الدول التي هي في أمس الحاجة إليه من أجل التنمية، بالانشغال بأبحاث تهدف إلى المنافسة والنشر في مجلات علمية مصنفة ضمن Q1 وQ2، دون النظر إلى مدى استفادة الدولة منها.

ماذا سيحدث لمصر إذا أصبحت جميع جامعاتها في مقدمة التصنيفات العالمية؟ هل سينخفض سعر الدولار؟ هل ستكتفي مصر من المحاصيل الزراعية؟ هل سيزيد الإنتاج وتسيطر مصر على السوق العالمي كما فعلت الصين؟

يمكن تقسيم البحث العلمي إلى نوعين: بحث تنموي وبحث تجاري. البحث التنموي هو البحث الذي تتبناه رؤية وطنية لتحقيق أهداف قومية، بناءً على توجهات وطنية تهدف إلى رفع مستوى البلد إلى مرحلة معينة من التطور خلال فترة محددة. في هذا السياق، يكون البحث العلمي واجبًا وطنيًا تلتزم به المؤسسات البحثية، وتكون نتائجه ملموسة على المستوى المحلي والدولي، ويظهر أثره على أفراد المجتمع الذين يصبحون مقتنعين بأهمية العلم والعلماء. ولذا، لا يترددون في تمويل البحث العلمي، لأنهم يعلمون أن نتاجه سيرتقي بمستوى بلادهم ومستوى حياتهم.

أما البحث التجاري، فهو سمة من سمات الدول الرأسمالية، ولا يصلح للدول التي تسعى للتطور والنمو. في الدول النامية، يجب أن يكون البحث العلمي مشروعًا تنمويًا تتحمل الحكومات مسؤوليته، بينما في الدول المتقدمة، يكون البحث التجاري عبارة عن أبحاث تهدف إلى تسويق المنتجات، تقليل تكلفتها، تطويرها وزيادة كفاءتها، أو ابتكار منتجات جديدة أو طرق تصنيع جديدة. في هذه الدول، يمكن للمؤسسات البحثية التعاقد مع المستفيدين وربما الدخول في شراكات معهم بحيث تمول الأبحاث لصالحهم، وتحقق المؤسسة البحثية هامش ربح يسهم في تحسين وضع العاملين فيها. مثال على ذلك هو لقاح أسترازينيكا، حيث كان المسئول عن تطويره جامعة أكسفورد، بينما كانت شركة أسترازينيكا المسئولة عن تسويقه عالميًا.

التوجه الحالي لدينا يركز بشكل رئيسي على البحث التجاري، وهذا يعرقل التطور بشكل كامل، سواء أقررنا ذلك أم أنكرناه. والأخطر من ذلك هو أن مصطلح "سوق العمل" أصبح غامضًا، دون وجود آلية فعالة تربط الجامعات بسوق العمل. الجامعات اكتفت بتخريج طلاب يبحثون عن وظائف لأنفسهم، وأصبح النجاح مسألة حظ. فهل يمكن إيجاد آلية تربط الجامعات بسوق العمل، أو إذا أرادت الدولة التطوير؟ الإجابة هي نعم، لابد من إدراج مادة في قانون الجامعات تربط الجامعات بوزارة العمل بشكل فعّال، بحيث تخرج الجامعات متخصصين يؤدون دورهم في مجال تخصصاتهم منذ اللحظة الأولى لتخرجهم. وللحديث بقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق