على وقع تحديات اقتصادية فرضتها تطورات جيوساسية تجتاح المنطقة بل والعالم تأتي قضية انتاج وتسويق الحديد والصلب واحدة من أهم القضايا التي تتطلب تحرك مكثف لدعم هذه الصناعة باعتبارها العمود الفقري للتنمية والمحرك الرئيسي لصمود اقتصاد الدول، وقد فرض ملف تطوير صناعة الحديد والصلب وتوطينها في مصر والوطن العربي نفسه بقوة في هذا التوقيت وبات من الضروري البحث عن حلول ومقترحات خارج الصندوق للنهوض بهذه الصناعة المهمة عبر خطط مدروسة لتوطين صناعة الصلب وحل مشاكلها وهو ما كان محل دراسة ونقاش موسع خلال الأسابيع الماضية في عدد من المؤتمرات والتجمعات التي تهتم بقضية الصلب وكان آخرها «مؤتمر الشرق الأوسط للحديد والصلب ٢٠٢٤» الذي عقد مؤخرا بدبى وناقش تحديات كثيرة تواجهها الصناعة ومطالب عاجلة أجمع عليها المختصون في نحو ٥٠ دولة حول العالم والذى أكدت مناقشاته ان ملف صناعة الحديد والصلب سيتصدر أجندة ٢٠٢٥ لما لهذا الملف من اهمية كبيرة فى قطاع التشييد والبناء
«العقارية» كانت حاضرة وسط أكثر من ألف متخصص في القطاع ضمن فعاليات «مؤتمر الشرق الأوسط للحديد والصلب ٢٠٢٤» الذي عقد بدبى ونظمته شركة «فاست ماركتس» بهدف مناقشة الدور المتنامي لهذا القطاع في المشهد المتحول بالمنطقة، والذي تغذيه مشاريع عملاقة طموحة تعمل على إعادة تشكيل بنية المنطقة التحتية واقتصادها.
ومن هذا المنطلق، ووفقا للدور المنوط بها في التعرض لكافة الملفات المتعلقة بتعزيز ودعم الصناعة الوطنية، واستطلاع جميع الآراء والمقترحات، رصدت « العقارية» أبرز القضايا التي طرحت والأفكار التي نوقشت وأبرز ما انتهى إليه رواد الصناعة في مصر والعالم العربي في شأن «الحديد والصلب».
والحقيقة المؤكدة في كل ما دار من مناقشات أن صناعة الحديد والصلب لها تأثيرها المحوري في التنمية الاقتصادية لارتباطها الوثيق بالعديد من الصناعات الأخرى ذات القيمة المضافة كقطاعات التطوير العقاري والبناء، وصناعة السيارات وبناء السفن والأنابيب وقطاع النفط وتعليب الأغذية ونقل المياه، وغيرها من قطاعات محورية في التنمية الاقتصادية فضلا عن زيادة فرص العمل الجديدة التي يمكن أن توفرها بصفة مباشرة وغير مباشرة.
وتتماشى تلك الرؤية مع توجه الدولة المصرية نحو توطين الصناعات المحلية، وتعظيم القائم منها وفي الصدارة منها صناعة الحديد والصلب إذ أولى الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزارء ووزير الصناعة والنقل اولوية قصوى لهذا الملف الحيوى وأكد في أكثر من مناسبة أن قطاع الحديد والصلب من القطاعات المهمة على خريطة الصناعة المصرية ومن هذا المطلق جاءت تحركات الوزير في ملف الصناعة مجسدة اهتمام الدولة المصرية بهذا الملف الحيوى
إشادة واسعة من الصناع بالسياسات الجديدة التي يقودها الفريق كامل الوزير في النهوض بالصناعة ومطالب عاجلة بحل مشاكل التصنيع وتوفير الأراضي
يرى الوزير أيضا أن أبرز الأسبقيات العاجلة للوزارة هي التصديق الفوري على أي قرارات تساهم في حل مشاكل المصانع، وطرح حوار مجتمعي مع أصحاب المصانع المتوقفة والعمل على إعادة تشغيلها، بالإضافة إلى تدشين منصة مصر الصناعية الرقمية التي تتيح للمستثمرين التقدم عبر المنصة مباشرة لتسهيل الإجراءات عليهم.
وفي هذا الصدد وضعت وزارة الصناعة خطة لتسهيل الإجراءات للمستثمرين من جهة، واستغلال الأراضي غير المستغلة التابعة للدولة من جهة أخرى، بالتزامن مع حصر الأراضي التابعة للدولة التي يمكن استغلالها.
كما أرسل الفريق كامل الوزير برسالة واضحة إلى المستثمرين الراغبين في الاستثمار في مصر معلنا أن الدولة ترحب بأي مستثمر يرغب في تشغيل أي مصنع تابع للقطاع العام المتوقف وعلى رأسها مصنع الحديد والصلب، موضحا أن أي مستثمر يحتاج إلى مصنع من مصانع القطاع العام المتوقفة سواءً كأرض أو منشآت لتشغيلها، يمكنه الشراكة مع القطاع العام أو حتى شراؤها بالكامل، مضيفا أن أي مستثمر يرغب في استغلال أرض أو مصنع من مصانع الإنتاج الحربي غير المستغلة، يمكنه العمل منفردًا أو بالشراكة مع الإنتاج الحربي».
وشدد الوزير على وجود خطة لاستغلال الأراضي الفارغة لخدمة القطاع الصناعي بهدف تعظيم العائد منها، موضحا أن هناك نحو ١٢ ألف مصنع متعثر، منها مصانع لا تستطيع استكمال تجهيزاتها للتشغيل، وأخرى بدأت العمل وتوقفت بسبب مشكلات متنوعة، وأن المتعثرين لأسباب إيجاريه أو فنية سيتم تسهيل كافة الإجراءات لهم، أما المتعثرون ماليًا فقد تم تقديم طلبات لعدد من المبادرات مثل ‹ابدأ› والبنك المركزي لحل مشكلاتهم.
هذه الرسائل الواضحة من اللواء كامل الوزير تلقفها صناع الحديد والصلب في مصر بارتياح كبير وترحيب واسع يعكس اهتمام وحرص القائمين على هذا القطاع بتطوير صناعة الصلب واستغلال الدعم اللامحدود من وزارة الصناعة بقيادة الوزير في النهوض بهذا الصناعة الاستراتيجية التي تلعب دورا محوريا في دفع مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة التي تشهدها مصر .
وهذه الرؤية المصرية لمستقبل هذه الصناعة تتلاقي مع رؤية عربية خليجية للنهوض بصناعة الصلب وهو ما كشفت عنه مناقشات الخبراء والصناع في أروقة المؤتمرات التي عقدت مؤخرا ومجمل هذه المناقشات أكدت مجموعة من الحقائق أن صناعة الصلب من الصناعات الواعدة ولكن في ذات الوقت تواجه تحديات تتطلب العمل على تجاوزها ومواجهتها ومن ناحية أخرى ان فرص التوسع فيها كبيرة وتوطينها أيضا .
جورج متى رئيس اللجنة الاقتصادية للاتحاد العربي للحديد و الصلب و رئيس قطاع التسويق بشركة حديد عز، لدية رؤية واقعية تدعمها الأرقام حول هذه الصناعة في المنطقة سواء بدول الخليج أو في شمال أفريقيا ومن مجمل هذه الرؤية يتحدد واقع ومستقبل صناعة الحديد والصلب وفي هذا السياق كشف متى عن نمو استهلاك منتجات الصلب النهائية بنسبة ٤٪ لتصل إلى ١٩.٧ مليون طن خلال العام الجاري ٢٠٢٤ في دول الخليج وذلك نتيجة النشاط القوي في قطاع البناء والاستثمارات الحكومية في مشاريع التنمية الكبرى.
وتابع أن الاقتصاد السعودي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، متوقعًا أن يرتفع النمو من -٠.٨٪ في ٢٠٢٣ إلى ٢.٨٪ في ٢٠٢٤، ويصل إلى ٦.٠٪ بحلول ٢٠٢٥، خاصة أن استهلاك الصلب في السعودية ارتفع من ٩.١ مليون طن في ٢٠٢٣ إلى ٩.٨ مليون طن في ٢٠٢٤ بدعم من مشاريع كبرى مثل نيوم وتطوير البحر الأحمر.
وقال إن اقتصادات الخليج شهدت تباطؤا بمعدل نمو بلغ ٢.٥٪ في عام ٢٠٢٣، مقارنة بـ ٧.١٪ خلال ٢٠٢٢، موضحًا أن هذا التراجع جاء نتيجة انخفاض إنتاج النفط مما أثر على الايرادات الحكومية والنشاط الاقتصادي.
وأضاف «متى» أنه من المتوقع ارتفاع معدل نمو اقتصادات الخليج إلى ٢.٨٪ مع نهاية العام الجاري، مشيرًا إلى أنها قد تصل إلى ٤.٧٪ في العام المقبل ٢٠٢٥ مدفوعة بزيادة إنتاج النفط ومشاريع البنية التحتية والتنويع في مجالات التكنولوجيا والسياحة والصناعات التحويلية.
ولفت إلى أنه من المرجح أن يرتفع إنتاج الصلب الخام إلى ١٩.٨ مليون طن خلال العام الحالي ٢٠٢٤، مقارنة مع ١٩.٦ مليون طن بنهاية العام الماضي ٢٠٢٣ مدفوعًا بالنمو الاقتصادي واستمرار مشاريع البنية التحتية، خصوصًا في السعودية والإمارات.
وتابع: يظل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدولة الإمارات قوياً في ٢٠٢٤-٢٠٢٥ مدفوعاً بقطاعات مثل السياحة والتمويل، لافتًا إلى أن استهلاك الصلب في الإمارات سيرتفع بنسبة ٤٪ بنهاية ٢٠٢٤ مدعوماً بزيادة بنسبة ٣.٣٪ في نشاط البناء، بالإضافة إلى مشروعات بقيمة ١٠٠ مليار دولار قيد الإنشاء.
وأضاف: «من المتوقع أن ينخفض النمو الاقتصادي في شمال إفريقيا من ٣.٩٪ في ٢٠٢٣ إلى ٣.٤٪ في ٢٠٢٤، متأثرًا بشكل رئيسي بالتراجع في مصر والجزائر، وذلك نتيجة ارتفاع التضخم وتعطل التجارة بالتزامن مع الضغوط الاقتصادية على المنطقة خلال الآونة الأخيرة».
وأشار إلى أنه على الرغم من التحديات الاقتصادية في شمال أفريقيا، تقود مصر والجزائر نمو المنطقة، ومن المتوقع أن يرتفع استهلاك الصلب بنسبة ٧٪ ليصل إلى ١٧.٦ مليون طن حتى نهاية ٢٠٢٤ من ١٦.٤ مليون طن في ٢٠٢٣، مدعوماً بالتطوير المستمر للبنية التحتية والاستثمارات العامة.
وذكر أن استهلاك الصلب في السوق المحلية المصرية تراجع بنسبة ١٦٪ في ٢٠٢٣ بسبب الضغوط وتحديات العملة، مضيفًا أن الاستهلاك سوف يتعافى بنسبة ٥٪ في العام الجاري ليصل إلى ٩.٢ مليون طن، بجانب ارتفاع استهلاك الجزائر بنسبة ٧٪ ليصل إلى ٤.١ مليون طن.
وأشار جورج متى إلى أن المنطقة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط، التي تشمل العراق وسوريا ولبنان والأردن واليمن، تتأثر بشدة بالصراع في غزة وعدم الاستقرار الإقليمي، متوقعا أن يقود العراق والأردن النمو الاقتصادي بشكل متواضع، فيما لا تزال سوريا ولبنان واليمن تعاني بشدة من الحروب المستمرة والتحديات السياسية.
وأضاف أن استهلاك الصلب استقر خلال العام الماضي ٢٠٢٣، متوقعًا أن يرتفع استهلاك الصلب في شرق البحر الأبيض المتوسط بنسبة ٥٪ في ٢٠٢٤ ليصل إلى ٨.٤ مليون طن، بقيادة العراق والأردن، اللذين يمثلان معًا ٨٠٪ من استهلاك الصلب في المنطقة.
وأكد أن الاستثمارات الأجنبية تنجذب إلى صناعة الصلب العربية مدفوعة بتحسين بيئة الأعمال، وتقليل القيود وتعزيز الشفافية، على الرغم من التحديات التي تواجه القطاع.
وأوضح أن صناعة الصلب في العالم العربي تواجه عقبات كبيرة مثل تقلب أسعار المواد الخام، المنافسة العالمية الشديدة، وارتفاع تكاليف الطاقة مما يعوق نموها وقدرتها التنافسية.
وعلى الرغم من هذه التحديات توقع انخفاضا بنسبة ٣٪ في استهلاك الصلب في عام ٢٠٢٣ على مستوى العالم، قال «متى» إنه من المتوقع أن يرتفع إنتاج الصلب الخام في المنطقة العربية بنسبة ٥٪ في ٢٠٢٤ ليصل إلى ٤٢.٣ مليون طن.
وأشار إلى أن استثمارات البنية التحتية في المشروعات الكبرى في مصر، السعودية والإمارات والجزائر تدعم الطلب على الصلب في العديد من الاسواق الأخرى.
وذكر أن تشغيل قطاع الصلب في المنطقة العربية يعمل بمعدل قدرة إنتاجية ٦٣٪ للصلب الخام و٥٥٪ للمنتجات النهائية، مما يشير إلى وجود مجال للنمو وزيادة الكفاءة.
وتوقع رئيس قطاع التسويق بشركة عز أن يتعافى النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى ٢.٨٪ مع نهاية ٢٠٢٤، على الرغم من التحديات الناجمة عن الصراعات الإقليمية وارتفاع التضخم وأزمة البحر الأحمر، متوقعًا أن تتعافى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وتحدث نمو ٢.٨٪ في عام ٢٠٢٤ بدعم من زيادة إنتاج النفط، وجهود التنويع الاقتصادي.
كما أكد أن مشاريع البنية التحتية الكبرى في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر تساهم بشكل كبير في تعزيز الطلب على الصلب في الأسواق
ولفت إلى أن التحديات المستقبلية التي تواجه صناعة الصلب في المنطقة العربية مستمرة ناجمة عن تقلب أسعار المواد الخام، وارتفاع تكاليف الطاقة، وفائض الطاقات في الصين، وانخفاض أسعار التصدير من الصين، والمنافسة العالمية، والافتقار إلى الحماية، مما يؤثر على قدرتها التنافسية.
وتوقع رئيس قطاع التسويق بشركة حديد عز، أن يتعافى اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا برغم التوترات الجيوسياسية وارتفاع معدل التضخم وتوترات البحر الأحمر، مضيفاً أن « اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من المتوقع أن تنمو بنسبة ٢.٨٪ فى ٢٠٢٤ مدفوعة بزيادة الإنتاج النفطي وجهود تنويع الاقتصاد».
قال طارق عبد العظيم رئيس مجلس إدارة مجموعة المدينة للصلب، إن مشاركته في «مؤتمر الشرق الأوسط للحديد والصلب ٢٠٢٤» تهدف إلى الاطلاع على الأفكار الجديدة للعديد من شركات الصلب الأخرى وسبل تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة الواردات، موضحًا أن شركته سعت جاهدة في التواصل مع جميع الشركات بالمؤتمر وذلك بهدف اختيار أفضل خامات للانتاج بسعر أقل.
وأضاف «عبدالعظيم» في تصريحات خاصة لـ«العقارية» أن دولتي الهند والصين من أفضل الدول في تصنيع الحديد والصلب، موضحا أن الهند أنشأت وزارة للحديد والصلب خصيصا، خاصة وأن الوزارة ساهمت في زيادة خطوط الإنتاج للتسليح من ٣٠ مليون طن إلى ١٣٠ مليونًا.
وأشار إلى أن «مدينة الحديد والصلب» وضعت خطة استراتيجية طموحة من خلال المنافسة مع أفضل منتج قدمته الدول الأخرى، بهدف تطوير خطوط إنتاج الشركة لتصنيع الحديد بأعلى جودة في العالم، لافتًا إلى أن بعض الشركات في الدول الأخرى قامت بتشغيل بعض المصانع لديها بالطاقة الكيميائية بهدف تقليل تكلفة الإنتاج.
ولفت إلى أن المؤتمر ضم العديد من الشركات التي تقوم بإنتاج الحديد والصلب لمناقشة آليات تقليل التأثير على البيئة من خلال اعتماد مواد مستدامة وعمليات صديقة للبيئة، مضيفًا أن تصنيع الحديد المتوافق مع الهيدروجين الأخضر يعد أهم الملفات وعلى رأس اهتمامات الدولة خلال الفترة الماضية بهدف تقليل نسبة انبعاثات الكربون للعديد من المنتجات.
وأشار عبد العظيم إلى أن العلاقة بين سعري الحديد والعقارات طردية دائما فكلما ارتفع سعر الحديد في السوق المصرية زادت أسعار الوحدات العقارية، مضيفًا أن العديد من شركات التطوير العقاري لديها إدارات تسويق جيدة تقوم ببيع بعض الوحدات بأسعار مرتفعة، وأن زيادة أسعار الحديد تؤثر بشكل طفيف على أسعار العقارات لاسيما أن نسبة تكوين الحديد في العقارات لا تتجاوز الـ٧ ٪.
0 تعليق