خلال المحاضرة التي نظمتها أكاديمية المملكة المغربية ممثلة في الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، مساء الأربعاء، حاول موليم العروسي، الكاتب والباحث، الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة أساسا بمسائل الترجمة؛ بما فيها التي تخص بشكل دقيق “إشكالية ترجمة المصطلح الفني”.
ساعيا إلى تقديم إفادته بخصوص هذا الموضوع، وهو الحاصل على دكتوراه في علم الجمال بشعبة الإتيقا والاستيطيقا من جامعة السوربون بباريس 1 بفرنسا، أشار العروسي في البداية إلى أن “إشكالية ترجمة المصطلح الفني تتمثل في أننا لا بد لنا من الاستغناء عن استيراد المفهوم، إذ يجب أن يكون نابعا في الأساس من ممارستنا؛ الأمر الذي يتطلب إدراكنا لكون الفن يعتبر فكرا، وليس مجرد ممارسة تقنية”.
وقال: “إذا اعتبرنا الفن مجرد ممارسة تقنية فإننا بذلك ننظر إليه نظرة عديمة؛ في حين أن أجدادنا كانوا يعتبرون أن الفنان هو صانع تقليدي معتبر ومحترم، فعمل الفنان المعاصر هو الآخر يبقى محيلا على أسئلة حول المجتمع والمصير كذلك”، مبينا أن “المشاكل الخاصة بترجمة النصوص موجودة كذلك في ترجمة المصطلح الفني”.
وأكد صاحب المؤلفات العديدة في الأدب والفن والفلسفة على “عدم وجود أي توحيد للمصطلح الفني في القاموس العربي، وهو ما ينضاف إلى غياب استيعاب المصطلحات الفنية من قبل الفنانين”، متابعا: “نحن، على سبيل المثال، نستعمل كلمة مترجمة؛ في حين نجد أن التونسيين يستعملون كلمة أخرى، وهو الأمر نفسه بالنسبة لمصر ودول الخليج.. فنجد أنفسنا عادة نناقش لوقت طويل هذا الأمر”.
ولفت موليم العروسي الانتباه كذلك، ضمن محاضرته التي احتضنها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب وحضرها أعضاء من الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، إلى أن “أحد أسباب ذلك ترتبط بعدم استيعاب الفلسفة التي يرتكز عليها الفن كما وُلد في الغرب مع الرومانسيين”، مع إشارته إلى أنه “ليس هناك ما يدل على أن الفن العميق قد دخل إلى القاموس العربي”.
متحدثا عن الفن والفنانين والمصطلح الفني سجل دكتور الدولة في الفلسفة والأدب الفرنسي والمسؤول السابق بعدد من مدارس الفنون بالمملكة “قلة الفنانين الذين يمنحوننا فنا يدعوننا إلى التفكير”، مُحيلا على مجموعة من الأمثلة الخاصة بالمصطلحات الفنية التي تم اعتمادها؛ بما فيها “الفنون التشكيلية” عوضا عن الفنون الجميلة”، و”التصوير” عوضا عن “الرسم”؛ فحسبه يحيل مصطلح التصوير الصباغي بدول المشرق على معرض التصوير، في حين يوجد كذلك من يسمي الصباغة رسما”.
لدى عودته للحديث عن “إشكاليات ترجمة المصطلح الفني”، أقر موليم العروسي بـ”وجود صعوبة كبيرة لدينا على إنتاج المفاهيم، فما زالت مجتمعاتنا تقليدية دون أن تدفع بالاجتهاد؛ فالترجمة ومهما كانت قوتها ومطابقتها للأصل لا يمكنها أن توصل إلينا تلك الشحنة الخاصة بالمصطلح في وقت وضعه لأول مرة”، متسائلا عما إن كان بإمكاننا “الجزم بأنه ليس باستطاعتنا وضع أسماء لإنتاجاتنا؟، لأنه في الغالب نعيش مشكلة في هذا الباب وما زلنا تقليديين”.
وبرأ الكاتب والباحث ذاته اللغةَ من أية إشكالية، إذ ذكر أن “الإشكالية في مستعملي اللغة، ما دام أن هذه الأخيرة تكون دائما لديها قابلية التوليد، إذ يجب البحث داخل طياتها عن المفاهيم التي يمكن أن نستعملها ونحدث منها مفاهيم جديدة؛ فالإشكاليةُ إذن ليست في اللغة وإنما في مستعمل اللغة الذي لديه قصور في الفهم”.
وزاد: “ما زلنا حبيسي أطر تقليدية؛ لكن ذلك لا يعني أننا تقليديون في حياتنا.. ففي حياتنا نتقدم؛ لكننا لم نجد بعدُ الكلمات في لغتنا لكي نسمي بها ماذا نفعل، وما زلنا نستعمل أسماء قديمة”، خاتما بالإشارة إلى أن “العودة إلى اللغة شيء أساسي على اعتبار أن معرفة عمقِها هو الذي يجعلنا نتحرر من خلال اكتشاف تاريخ هذه الكلمة وكيف وصلت إلينا وما هي التطورات التي دخلت عليها”.
" frameborder="0">
0 تعليق