تكاليف الطاقة المتجددة ليست أرخص 10 مرات كما يروّج الغرب (دراسة)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • الطاقة المتجددة متقطعة في التوليد حسب ظروف الطقس اليومية والموسمية
  • شبكات الكهرباء ستواجه معضلة في إدارة الطلب إذا توسعت الطاقة المتجددة
  • وزير أمن الطاقة البريطاني يروج مقولات خاطئة حول تكاليف الطاقة المتجددة
  • أنصار الطاقة المتجددة يتجاهلون تكلفة التوليد الاحتياطي في عمليات الحساب
  • الاعتماد على الغاز الطبيعي أو الطاقة النووية لسد فجوة التقطع مكلف للغاية
  • افتراضات انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة على المدى الطويل مشكوك فيها

كثر الحديث عن انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بمصادر الوقود الأحفوري المستعملة تاريخيًا في قطاع توليد الكهرباء.

ويردّد كثير من السياسيين في البلدان الغربية، إلى جانب المنظمات البيئية ونشطاء المناخ، مقولات انخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة بصورة كبيرة، في إطار الترويج لمسارات تحول الطاقة بين الجمهور.

وتنتشر في بريطانيا -على سبيل المثال- مقولة لوزير الدولة لأمن الطاقة وصافي الانبعاثات إيد ميلباند، إن تكلفة الطاقة المتجددة أرخص 10 مرات على الأقل من الوقود الأحفوري.

ورغم رواج هذه المقولة في أوساط خبراء الطاقة البريطانيين استنادًا إلى أن مطلقها هو وزير مسؤول، فإنها تعرّضت للنقد من قبل الباحثين لإغفالها عناصر مهمة في حسابات التكاليف، بحسب دراسة تحليلية حديثة حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منها (مقرّها واشنطن).

وتستهدف مقولات انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة عامة إقناع الجمهور بأن مسارات تحول الطاقة ستحقّق فوائد اقتصادية مباشرة للمستهلكين في صورة انخفاض فواتير الكهرباء مستقبلًا إلى جانب الفوائد المناخية.

افتراضات انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة

يقع أنصار حجة أن تكاليف الطاقة المتجددة أرخص 10 مرات من غيرها في أخطاء فادحة في أثناء عمليات احتساب التكاليف، عبر إغفال بعض العناصر المؤثرة، إلى جانب الانطلاق من افتراضات مستقبلية مشكوك فيها.

ويفترض هؤلاء أن هذه التكاليف، وإن بدت أرخص اليوم، ستظل منخفضة على المدى الطويل، كما يفترضون أن تكاليف الوقود الأحفوري مرتفعة، وستظل كذلك خلال العقود المقبلة.

وتصطدم هذه الافتراضات بحقيقة أن الوقود الأحفوري ما زال رخيصًا حتى في الصين أكبر سوق للطاقة المتجددة، ومن المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه مع التطورات التقنية السريعة، بحسب دراسة أعدها أستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة أكسفورد البريطانية ديتر هيلم.

أستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة أكسفورد ديتر هيلم
أستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة أكسفورد ديتر هيلم - الصورة من University of Oxford

ويؤمن أنصار الطاقة المتجددة بأن التكلفة الهامشية للطاقة الشمسية والرياح قريبة جدًا من الصفر، على عكس الوقود الأحفوري، معتقدين أن ذلك سيكون سببًا في أن تكون موارد الطاقة المتجددة أرخص من نظيرتها الأحفورية، هكذا ببساطة.

ويُقصد بالتكلفة الهامشية في التحليل الاقتصادي، التكلفة المتزايدة عند إنتاج وحدة إضافية من منتج أو خدمة، وتتضمّن التكاليف المتغيرة والتكاليف الثابتة للإنتاج، وهي مؤشر رئيس لحساب الجدوى الاقتصادية.

ونظرًا إلى أن الطاقة المتجددة تعتمد على مصادر مجانية لا محدودة في التوليد (الشمس والرياح)، يسود اعتقاد أن تكاليفها التشغيلية لن تكون متغيرة وربما تقترب من الصفر، خلافًا لمحطات الوقود الأحفوري.

ورغم تمسّك أنصار الطاقة المتجددة بأن التكاليف الهامشية للطاقة الشمسية صفرية، وأن تكلفة صناعة الألواح تنخفض عامًا بعد عام، لكن هذا لا يعني مطلقًا أن تكلفة النظام الشمسي منخفضة أو ستنخفض بصورة كبيرة، بحسب أستاذ السياسة الاقتصادية في جامعة أكسفورد ديتر هيلم.

فإذا كانت الطاقة الشمسية والرياح مصدرين دائمين، ولا يحتاجان إلى إعادة تصميم وبناء كبيرين للشبكات، وإذا كان تركيب الألواح أو التوربينات بلا تكلفة، وإذا كانت الصين لا تستعمل الإعانات والعمالة الإيغورية الرخيصة والكثير من الفحم لتصنيع الألواح الشمسية؛ فيمكن للعالم أن يكون على الطريق الصحيح بالفعل للقضاء على الوقود الأحفوري، على حد تعبير هيلم.

ورغم ذلك، فإنه من المؤسف أن لا شيء مما سبق صحيح، فالطاقة الشمسية والرياح كلتاهما تقنيات متقطعة ومتقلبة في التوليد حسب ظروف الطقس، كما أن هذه المصادر ما زالت منخفضة الكثافة وموزعة جغرافيًا على نطاق واسع.

تكلفة التوليد المتقطع للطاقة المتجددة

تحتاج إضافة كميات كبيرة من الطاقة المتجددة لنظام الكهرباء إلى عملية إعادة بناء كبيرة ومكلفة للشبكات، كما يتطلب توفير إمدادات احتياطية من مصادر أخرى عندما لا تهب الرياح أو لا تشرق الشمس.

ورغم أن هذه المسألة ليست محلًا للجدل، فإنه تم تجاهلها من قبل الحكومات على نطاق واسع، بما في ذلك حكومات البلاد الأوروبية الرائدة في سياسات المناخ ومسارات تحول الطاقة عالميًا.

ويمكن للطاقة المتجددة أن تتكيّف مع أنظمة الشبكات الحالية إذا كانت مساهمتها محدودة، لكن عندما تصل قدرتها إلى 50 غيغاواط كما في المملكة المتحدة على سبيل المثال، أو يُعتمد عليها بصورة كاملة في تلبية الكهرباء، فإن هذا يتطلّب تقديرات مختلفة للآثار المحتملة في الشبكات.

وتشير هذه المعضلة إلى أن الاعتماد على الطاقة المتجددة ذات التوليد المتقطع في توفير كل الكهرباء المطلوبة في بلد ما، سيتطلب مزيدًا من التوليد الثابت الاحتياطي المعتمد على الغاز أو الطاقة النووية لموازنة الشبكات في أوقات اضطراب الطقس.

ولا يحب العديد من نشطاء المناخ استيعاب هذه المعضلة وآثارها، فكل ما يريدونه ويلحون عليه هو التخلص من الوقود الأحفوري فقط، كما أن لديهم تاريخًا طويلًا من مناهضة الطاقة النووية.

ورغم ذلك، فلا يمكن للنشطاء الهروب من الحقائق، فلا مفر في نهاية المطاف من إبقاء المصابيح مضاءة عندما لا تهب الرياح بما يكفي، أو عندما يكون سطوع الشمس محدودًا، بحسب الباحث هيلم.

انهيار اقتصادات مصادر الطاقة الاحتياطية

يغفل أنصار انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة حقائق أخرى أبرزها أن تكاليف الحفاظ على أمن الطاقة ستكون باهظة في حال التوسع في ربط الشبكات بمصادر ذات طبيعة متقطعة.

كما قد يؤدي الاحتفاظ باحتياطي كبير من الغاز لتوليد الكهرباء لمدة قصيرة لا تتجاوز 5% من الوقت، أو جعل المحطات النووية تعمل جزئيًا بمعدل 50% من الوقت فقط، إلى انهيار اقتصادات هذه المصادر في قطاع التوليد.

وعادة ما يقترح أنصار الطاقة المتجددة حل مشكلة التقطع في التوليد عبر الجمع بين أنظمة البطاريات والتخزين طويل الأمد، بالإضافة إلى تبني تقنيات إدارة الطلب الذكية.

ولا شك أن كل هذه الحلول يمكنها أن تُسهم في حل المشكلة، لكنّ هناك مشكلتين مزعجتين لا يحب أنصار المناخ سماعهما من المنتقدين:

الأولى: هذه الحلول مكلفة جدًا ويجب أن تُضاف إلى حساب صافي تكاليف الطاقة المتجددة.

الثانية: الإمدادات الاحتياطية للكهرباء تحتوي على محتوى كربوني كبير في تصنيعها، يشمل المعادن المستعملة في البطاريات والأسلاك وغيرها، ما سيؤدي بصورة أو بأخرى إلى إطلاق كميات من الانبعاثات الكربونية غير المحسوبة على طول سلسلة القيمة.

طاقة الرياح البحرية في بريطانيا
طاقة الرياح البحرية في بريطانيا - الصورة من windeurope

ولا يتوقع أستاذ السياسة الاقتصادية في أكسفورد بيتر هيلم، أن تُسد فجوة التوليد المتقلب لمصادر الطاقة المتجددة بسهولة الآن وربما لعقود مقبلة، ما يعني أن المعضلة ستظل قائمة، وستحتاج إلى مصادر التوليد الثابتة مثل الغاز والطاقة النووية.

ويستند الباحث إلى أن أنماط الاقتصاد الصناعي الخدمي الرقمي المتزايد المدعوم بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، ستتطلب إمدادات احتياطيات كبيرة من الكهرباء لضمان عدم انقطاع التيار أو تقلبه.

وهذه الطاقة التوليدية الاحتياطية هي تكلفة كبيرة لنظام الطاقة المتجددة، ولعل هذا ما دفع كبرى شركات التكنولوجيا ومراكز البيانات إلى التفكير في تشغيل محطات الطاقة النووية الصغيرة تحسبًا من آثار هذه المعضلة مستقبلًا.

وفي حالة بريطانيا يزداد الأمر سوءًا، لأن المملكة لا تتحكم في سلاسل توريد الطاقة المتجددة لديها، فلا توجد لديها معادن حيوية أو أي عمليات تكرير للمعادن.

كما ليس لديها إنتاج كبير للنحاس أو الأسلاك الأخرى، أو المحولات أو الألواح الشمسية أو أبراج الرياح ومكوناتها، ما يُلقي بظلال من الشك على الافتراض الشائع بأن منحى تكاليف الطاقة المتجددة في بريطانيا سيظل ينخفض إلى الأبد.

الخلاصة..

لا يشير التحليل إلى أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة فكرة سيئة، بل ينبه فقط إلى أنها ليست رخيصة عندما تُؤخذ تكاليف النظام كاملًا في الحسبان، وبالتأكيد ليست أرخص 10 مرات من الوقود الأحفوري، كما يروج وزير أمن الطاقة وصافي الانبعاثات البريطاني.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

  1. نقد مقولات انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة من دراسة الدكتور ديتر هيلم البريطاني.
  2. مقارنة تكاليف الطاقة المتجددة بالوقود الأحفوري في 2023 من وكالة آيرينا.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق