تتكرر كل عام احتفالات الجامعات المصرية بما تُعلنه من "تقدم في التصنيفات العالمية"، ليخرج علينا مسؤولو الجامعات بتصريحات نارية حول "الإنجاز العظيم" و"الطفرة النوعية"، لكن وسط هذه الضجة، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل انعكس هذا التقدم فعليًا على مستوى التعليم والبحث العلمي؟ هل استفاد المجتمع المصري والخريجون من هذا النجاح الرقمي؟.
الجامعة والتصنيفات العالمية: ما وراء المشهد؟
منذ سنوات، باتت التصنيفات العالمية مثل "QS"، و"التايمز"، و"شنغهاي" شغلًا شاغلًا للجامعات المصرية. تتنافس الجامعات فيما بينها لتحقيق مراكز متقدمة أو التفوق على غيرها محليًا، لكن حين ننظر إلى الأثر الحقيقي لهذا "التقدم"، نجد الكثير من التساؤلات التي لا تجد إجابة واضحة:
هل أدى صعود الجامعة في التصنيفات إلى تحسن جودة التعليم؟
هل أصبح الخريج المصري مؤهلًا لمتطلبات سوق العمل الدولي والمحلي؟
هل تجاوز الخريج المصري مرحلة "انسى اللي اتعلمته وتعال اتعلم من جديد"؟
للأسف، يظل واقع الخريجين مؤلمًا. فشريحة كبيرة منهم تصطدم بسوق العمل الذي يفرض عليهم مهنًا بعيدة كل البعد عن تخصصاتهم العلمية، تجد خريج الهندسة يعمل في مراكز الاتصالات، وخريج العلوم موظفًا بمبيعات، وآخرون ينتظرون فرص عمل لا تأتي أبدًا، ليجدوا أنفسهم جالسين على المقاهي بلا أمل حقيقي.
البحث العلمي: هل تأثر بالتصنيف؟
تُعتبر جودة البحث العلمي أحد المعايير الأساسية التي تُصنف بها الجامعات عالميًا، وهنا يطرح سؤال جديد نفسه: هل تقدم ترتيب الجامعة انعكس على مستوى البحث العلمي وجودته؟.
الحقيقة أن الوضع يشير إلى "كمٍّ بلا كيف"، أغلب الأبحاث التي تُنشر دوليًا لا تُسهم في حل مشكلات المجتمع المصري، بل إنها "دشت" نظري مكرر، أو "قص ولزق" من بحوث قديمة، الهدف منها فقط زيادة عدد المنشورات الدولية لضمان التقدم في التصنيف.
كما أن التمويل الحقيقي للأبحاث ما زال غائبًا، فلا تزال الميزانيات ضئيلة، والتشجيع على البحوث التطبيقية التي تساهم في التطوير نادرًا.
الجامعة والمجتمع: شو إعلامي أم دور حقيقي؟
تتفاخر الجامعات بفعالياتها الموجهة لخدمة المجتمع، لكن المخرجات الفعلية لهذه الجهود محل شك.
كم جامعة أطلقت مشروعات حقيقية لتحسين البيئة المحيطة بها؟
هل وفرت الجامعة حلولًا علمية للمشكلات الصحية أو الاقتصادية أو البيئية التي تعاني منها مصر؟
للأسف، تقتصر معظم الأنشطة على ندوات واحتفالات دعائية تُلتقط خلالها الصور، ويُكتب عنها في البيانات الصحفية، دون تحقيق تأثير فعلي على المجتمع.
هل استقطبت الجامعات المصرية الوافدين؟
واحدة من المزايا المفترضة للتقدم في التصنيفات العالمية هي جذب الطلاب الوافدين للدراسة في الجامعات المصرية. لكن هنا يُطرح سؤال حساس:
هل الوافدون الذين تجتذبهم الجامعات هم طلاب جادون يدفعون مقابلًا ماديًا يُسهم في تطوير الجامعة؟.
أم أن الجامعات تستقطب "وافدين" بشروط أقل ومصاريف رمزية، مما يضيق الفرص على الطلاب المصريين؟.
للأسف، الواقع يشير إلى أن استقطاب الوافدين أصبح أحيانًا مجرد "رقم" يُضاف إلى الإحصائيات، دون تحقيق عائد حقيقي يُحسن من جودة التعليم أو يُطور بنية الجامعة.
الحقيقة الغائبة وراء الأرقام
إن الاحتفال بتقدم ترتيب الجامعات في التصنيفات العالمية ليس إنجازًا يُحتفى به ما لم يُترجم إلى واقع ملموس. التقدم الحقيقي يظهر عندما:
يتحسن مستوى التعليم بشكل جذري.
يجد الخريج المصري فرص عمل تُليق بتعليمه.
يُصبح البحث العلمي جسرًا لحل مشكلات المجتمع.
تكتسب الجامعات ثقة الطلاب الوافدين كشريك تعليمي حقيقي.
حتى يحدث ذلك، فإن "الزفة الإعلامية" حول التصنيفات العالمية ستظل مجرد ضجيج يُخفي وراءه كثيرًا من العيوب، فالنجاح لا يُقاس بالأرقام فقط، بل بما تقدمه الجامعات لمجتمعها وطلابها في الواقع.
رسالة أخيرة.. قبل أن تحتفل جامعتك بترتيبها الجديد، أجب عن هذه الأسئلة بصدق:
هل أصبح التعليم أفضل؟
هل تحسن البحث العلمي؟
هل وجد خريجك فرصة عمل حقيقية؟
إن لم تكن الإجابة "نعم" عن كل سؤال، فدعونا نوفر هذا الجهد ونبحث عن حلول حقيقية.
0 تعليق