أثار استدعاء وزارة الخارجية الجزائرية الأسبوع الماضي سفير فرنسا لتوجيه ما أسمته “تحذيرا شديد اللهجة”، على خلفية “ممارسات عدائية تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد”، تحليلات مختلفة، إذ أكد متابعون أنه “تعبير عن تخبط وعشوائية السياسة الخارجية الجزائرية”.
القرار الذي جاء وسط ادعاءات جزائرية بـ”زعزعة فرنسا الاستقرار الداخلي للجزائر” يعكس بحسب محللين “محاولة للضغط على باريس بسبب مواقفها الداعمة لمغربية الصحراء”. وفي هذا السياق يرى متابعون أن التصعيد الجزائري ليس سوى امتداد لسياسة ردود الفعل التي تنتهجها الجزائر تجاه مواقف الدول الأوروبية.
ورغم أن هذه الخطوات التصعيدية غالبًا ما تُواجه بالتجاهل إلا أنها تكشف حجم العزلة التي أضحت تعانيها الدبلوماسية الجزائرية على الصعيد الإقليمي والدولي.
وفي هذا الإطار قال حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية: “يعكس هذا القرار حالة التخبط وعدم الاتزان التي تعيشها الدبلوماسية الجزائرية، التي تتورط في اتخاذ مواقف عشوائية بناء على اتهامات ضبابية دون أن تكلف نفسها عناء تقديم دلائل ملموسة وواقعية”.
واعتبر بلوان، ضمن تصريح لهسبريس، أن “ما وقع مع استدعاء الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي في الجزائر وتبليغه رسائل احتجاجية يعكس النهج العشوائي نفسه الذي تتسم به السياسة الخارجية تجاه دول المحيط الإقليمي، وهو الذي أدخلها في عزلة تحاول التنفيس عنها بمثل هذه التصرفات”.
وأوضح الأستاذ الباحث ذاته: “رغم الاتهامات الثقيلة التي تكيلها الجزائر لفرنسا بزعزعة الاستقرار الداخلي إلا أن الأمر يرتبط بالأحداث التي تعرفها المنطقة، خاصة في مالي وباقي دول الساحل. بالإضافة إلى ارتباط هذا القرار بشكل وثيق بمستجدات قضية الصحراء المغربية التي دخلت منعطفا حاسما مع اعتراف فرنسا بسيادة المملكة على جميع أقاليمها الصحراوية”.
وتابع المتحدث ذاته: “هي ورقة أخرى مكشوفة تلعبها الجزائر للضغط على فرنسا من أجل تغيير أو تليين موقفها من قضية الصحراء المغربية، كما تأتي استكمالا لاحتجاز الجزائر للمفكر الجزائري/الفرنسي بوعلام صلصال، المعروف بمواقفه الثابتة حول مغربية الصحراء الغربية والشرقية؛ كما يعرف أكثر بأفكاره التي تضرب شرعية النظام الجزائري الذي لا يتمتع بأي مصداقية داخلية أو خارجية”.
من جانبه قال عبد الفتاح الفاتيحي، الباحث المتخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي: “دأبت الخارجية الجزائرية على اعتماد دبلوماسية ردود الفعل تجاه مواقف أوروبية متنامية بخصوص الدعم القانوني والشرعي لسيادة المغرب على الصحراء؛ وإن بدت عوائد ردود الفعل الدبلوماسية الجزائرية مخيبة لآمالها في إعادة العديد من الدول النظر في مواقفها الداعمة للموقف التفاوضي المغربي من قضية النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء”.
وحسب الفاتيحي فإن الموقف الأخير يأتي “على غرار ما اتخذته الجزائر من ردود فعل على الموقف الإسباني المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، عبر استدعاء سفيرها من مدريد أو قطع علاقاتها التجارية مع إسبانيا، إلا أن هذه الردود لم تجد تجاوبا، بل لقيت تجاهلا قاتلا إلى أن تراجعت الجزائر من جانب واحد عن قراراتها دون مفاوضات”.
وتابع المحلل ذاته: “عبر السلوك الأرعن ذاته تواصل الدبلوماسية الجزائرية السير في الطريق غير السالك لمحاولة ممارسة ضغوط على الموقف الفرنسي المؤيد لمغربية الصحراء، الذي تم إقراره رسميا عقب زيارة تاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط”.
وأردف المتحدث ذاته: “لأن رد فعل الجزائر باستدعاء سفيرها من باريس لقي تجاهلا وصمتا مطبقا من الجهات الفرنسية، لاسيما أن السلوك الجزائري الانفعالي دأب على استدعاء السفراء قبل إرجاعهم إلى مهامهم الدبلوماسية دون تفاوض كما حصل عقب الموقف الإسباني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء، فإن الجزائر ستدفع في اتجاه مزيد من الضغوط على باريس عبر استدعائها سفيرها وإبلاغه الاحتجاج على ما تعتبره مواقف عدائية تستهدف أمن واستقرار البلاد”.
وتوقع الخبير المغربي أن “تتجاهل فرنسا الاحتجاج الجزائري عبر استدعاء سفيرها، لكونها تفهم بجد حدود الضغط الجزائري، لاسيما أن الجزائر لا تمتلك جرأة اعتبار السفير الفرنسي شخصا غير مرغوب فيه، وتطلب مغادرته التراب الجزائري على وجه السرعة”، متابعا: “هو ما يفيد بحدود الضغط الجزائري الذي لا يتجاوز التهديد فقط؛ ولذلك لم تعلن الخارجية الجزائرية عن الأمر من خلال بلاغ رسمي، بل اكتفت بتسريب الخبر عن طريق وسائل الإعلام الجزائرية المؤيدة للنظام العسكري الحاكم”.
وأضاف الفاتيحي: “لا أعتقد أن باريس ستتجاوب مع رعونة الدبلوماسية الجزائرية طالما أنها تختلق أسباب الأزمة والتصعيد مع فرنسا على خلفية مواقفها الثابتة، كموقفها من مغربية الصحراء، وطالما أن الجزائر تأتي بمواقف غير مستقرة ولا متسقة، بل انفعالية على ادعاءات مختلفة”، وختم: “كما لا يتوقع أن تذهب الجزائر بعيدا في تهديداتها لفرنسا طالما أنها ترغب فقط في جلسة مفاوضات معها لتحقيق مكاسب بعد الموقف الفرنسي الجديد من النزاع في الصحراء. حتى إن الجزائر كانت سحبت سفيرها من باريس، والسلوك نفسه اتخذته للرد على الموقف الإسباني بخصوص النزاع حول الصحراء المغربية”.
0 تعليق