بعد مرور نحو شهرين على دعوة الملك محمد السادس إلى إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بتدبير شؤون مغاربة العالم التأم نقابيون وباحثون مهتمون، لإخضاع الإصلاحات المرتقب أن تتمخض عنها عن هذه الدعوة لمجهر التحليل، مؤكدين أنها تأتي في ظل “تحديات عديدة تواجه مساهمة الجالية في تحريك عجلة التنمية بالمغرب، وتقوية الروابط صلبة، وذلك لنقص التأطير الذي تحظى به في جميع المجالات، جراء خلل في عمل المؤسسات المعنية”، يرى هؤلاء أن الملك استحضره في دعوته.
هؤلاء الذين كانوا يتحدثون ضمن ندوة “الإصلاح المؤسسي لشؤون الجالية المغربية المقيمة بالخارج (في ضوء الخطاب الملكي بتاريخ 6 نونبر 2024)”، نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل بالمغرب، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومنظمات غير حكومية، شددوا على وجوب “استعجال الحكومة في تنزيل التوجيهات الملكية، مع تبني مقاربة تشاركية في ذلك من خلال الانفتاح على جمعيات المجتمع المدني والأحزاب والباحثين والأكاديميين”.
وشدد المهتمون أنفسهم في الندوة، التي صاحبتها أخرى حول “نظام تدبير الهجرة واللجوء في المغرب”، على أن هذه الإصلاحات المنشودة يرتقب أن تعضدها أخرى تهم فئة المهاجرين الأجانب بالمغرب، مقترحين “مراجعة القانون المتعلق بدخول وإقامة المهاجرين في المغرب”، و”إحداث هيئة عليا لإدماجهم في المجتمع المغربي”.
“عوامل محفزة”
علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل بالمغرب، وضع هذه الندوة في سياق “المتغيرات المتلاحقة والمتسارعة التي يعرفها عالم اليوم في عدة مجالات، والتحديات التي يواجهها المغرب، وتستدعي تجند جميع المواطنين لمواجهتها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والإقلاع الاقتصادي المنشودة”، مبرزا أن “مغاربة العالم يعوّل عليهم للعب دور مهم في هذا الجانب، وتعزيز مساهمتهم في تنمية المغرب، ولذلك أكد الخطاب الملكي على ضرورة إصلاح آليات التعامل معهم، وتوفير بيئة ملائمة لهم لأداء هذا الدور”.
وأضاف لطفي، في كلمته بمناسبة الحدث، أن “دعوة الملك محمد السادس إلى إعادة هيكلة المؤسسات التي تعنى بالجالية المغربية المقيمة بالخارج تهدف إلى حماية مصالح هذه الفئة التي تفوق تحويلاتها سنويا 11 مليار دولار؛ غير أن 2.9 فقط في المائة من أفرادها من يستثمرون في أرض الوطن، لاسيما في مجال العقار، رغم المشاكل التي يعرفها القطاع”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “الرفع من مستوى مساهمة الجالية في النسيج الاقتصادي الوطني، وكذا دعم الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب، في إطار الدينامية التي يشهدها، لاسيما مع إصدار القانون الإطار المتعلق بالاستثمار، كان يستدعي بالفعل إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج لأجل مضاعفة استثمارتها بالبلد”.
وشددّ الفاعل النقابي نفسه على أن “إعادة هيكلة مؤسسات الجالية المغربية المقيمة بالخارج ضرورية للقطع مع تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، وستمكن من تلبية الحاجيات الجديدة لمغاربة العالم”، مشيرا إلى “وجوب استثمار الإصلاحات الجديدة التي ستتمخض عن دعوة الملك محمد السادس في إدماج مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني بشكل فعال، وإزالة العراقيل التي تعترض ذلك”.
وأكد لطفي أن “هذه العراقيل تشمل غياب رؤية استثمارية شاملة وضعف آليات التمويل وتعقيد الإجراءات الإدارية، فضلا نقص الحوافز الضريبية وضعف البيئة المحفزة”، موردا أن “انعدام مؤسسات تدعم مستثمري الجالية ينعكس سلبا على قدرتهم على فهم التعقيدات والفرص المتاحة لهم بالمغرب، ويضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية المعنية داخل المغرب”.
“دعوة إلى إصلاح الخلل”
عبد الكريم بلغندوز، الباحث في قضايا الهجرة، قال إن “خطاب 6 نونبر لا يمكن فصله عن ذلك الذي ألقاه الملك محمد السادس في 22 غشت عام 2022، ودعا فيه إلى تأهيل أوضاع الجالية المغربية المقيمة بالخارج”، موردا أنه “شكّل تشخيصا دقيقا لهذه الأوضاع، وطرح سلسلة أسئلة: ما الذي فعلناه للحفاظ على الروابط بين مغاربة العالم ووطنهم؟ وكيف هو مستوى تأطيرهم على المستوى الديني والثقافي؟ وأية إجراءات اتخذت لتبسيط المساطر الإدارية وتسهيل ظروف إقامتهم ببلدان المهجر؟”.
وشدد بلغندوز، في كلمته خلال الندوة ذاتها، على أن “أمر الملك بإصلاح المؤسسات المعنية بشؤون الجالية يحيل ضمنيا على وجود خلل في عمل هذه المؤسسات، ويأتي أيضا بغرض تأهيلها لتواكب التحديات المطروحة المستجدة التي تواجه الجالية المغربية المقيمة بالخارج”، مؤكدا أن “هناك ترقبا لخطوات الحكومة لتنزيل هذا الأمر، وما إذا كانت اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج سوف تقدم خارطة طريق لتفعيل هذه التوجيهات الملكية”.
ووضع الأستاذ الجامعي ذاته دعوة الملك محمد السادس إلى إعادة هيكلة مجلس الجالية المقيمة بالخارج وإخراج قانونه الجديد في سياق “عدم إصدار هذا المجلس، الذي له دور استشاري، أي رأي استشاري طيلة سبع عشرة سنة مضت منذ إنشائه، وعدم تقديمه أي تقرير إستراتيجي”، مردفا بأن “الضوابط القانونية المؤطرة لعمله تنص على وجوب إصداره هذا التقرير كل سنتين، ورفعه للملك محمد السادس”، ومفيدا بأن “من شأن هذه التقارير أن تحيط الحكومة بأهم الصعوبات التي يواجهها مغاربة العالم، وما يتعيّن عليها أن تتخذه من إجراءات لتذليلها”.
وفي المقابل سجّل الباحث في القضايا الهجرة أن “المجلس قام بتحركات مهمة ومثمّنة على المستوى الثقافي، خصوصا من خلال معرض الكتاب”، مستدركا بأن “التأطير الثقافي ليس الدور الرئيسي والأساسي للمجلس”.
وشددّ المتحدث ذاته على أن “حذف الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج جعل الخدمات والإجراءات التي تستهدف تحسين أوضاع مغاربة العالم مشتتة بين عدة قطاعات وزارية ومؤسسة رسمية، وبدون أي التقائية”، مبرزا أن “خطاب الملك محمد السادس أمر كل مؤسسة بضرورة تحمل مسؤوليتها والاضطلاع بدورها على أتمّ وجه”.
“مقاربة تشاركية”
واستدرك بلغندوز بأن “تنزيل هذه الأدوار من قبل الجهات المذكورة يتعيّن أن يتم وفق رؤية شاملة، كما يتضح من خطاب الملك”، مؤكدا أن “ورود دعوة العاهل المغربي إلى إعادة هيكلة مؤسسات الجالية مباشرة بعد الحديث عن قضية الصحراء المغربية رمزي ومهم؛ ما يشكل امتدادا لتأكيده دائما على أهمية ومحورية دور الجالية في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة”.
وبالعودة إلى تنزيل التوجيهات الملكية أوضح الباحث عينه أنه “إلى حدود الساعة لم نر أي خطوة في هذا الصدد من القطاعات الوزارية المعنية؛ فلم تجتمع لا بالمجتمع المدني ولا بالأحزاب ولا الجامعات بخصوص هذا الموضوع”، موردا أن “هذا الإصلاح المنشود ملف يجب أن يبقى مفتوحا على جميع هذه الأطراف”.
من جهته وصف غوتييه بريجو، ممثل المنظمة غير الحكوميةecho communication ، الإصلاحات التي دعا الملك محمد السادس إليها لإعادة هيكلة مؤسسات الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بـ”الطموحة”، التي “ستساهم في تحسين أوضاع مغاربة العالم”، مشددا على أن “هذه الإصلاحات يجب أن تواكبها كذلك أخرى تشمل آليات تدبير هجرة ولجوء الأجانب بالمملكة المغربية”.
هذا الطرح بدا أن عبد الكريم بلغندوز يؤيده، فقد دعا إلى “وجوب إدماج المهاجرين المقيمين بالمغرب في مقاربة الإصلاح التي أمر بها الملك محمد السادس، ومراجعة القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة المهاجرين بالمغرب”، مؤكدا على الحاجة “إلى هيئة عليا خاصة بإدماج هذه الفئة في المجتمع المغربي”.
0 تعليق