يُعتبر قانون تنظيم الجامعات المصرية رقم ٤٩ لعام ١٩٧٢ من التشريعات الأساسية التي ساهمت في تطوير النظام الأكاديمي والإداري في الجامعات المصرية.
وُضع هذا القانون في فترة شهدت فيها مصر تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة وكتب بحرفيه عالية وىمشاركة المجتمع الجامعي ورضائهم عنه، وتضمن بنودًا تنظم عمل أساتذة الجامعات وتحدد رواتبهم وعلاواتهم وبدلاتهم وطرق مكافئتهم ومسائلتهم، إلا أن مرور الوقت والتغيرات الاقتصادية والمجتمعية المستمرة جعلت من الضروري إعادة النظر في كامل القانون وخصوصا جدول الرواتب الذي لا يزال مستندًا إلى قيم اقتصادية قديمة، لم تعد تتماشى مع الواقع الحالي ومعدل التضخم المتزايد.
منذ أكثر من خمسين عامًا، تم تحديد جدول رواتب الجامعيين ككادر خاص بحدول محدد داخل قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية، استنادًا إلى قيم اقتصادية كانت تتناسب مع الوضع الاقتصادي في تلك الفترة. ففي عام ١٩٧٢، كان الدولار يعادل حوالي ٤٠ قرشًا، وهو ما كانت الرواتب مناسبه للظروف الاقتصادية في ذلك الوقت.
ولكن مع مرور الوقت، وتجاوز سعر الدولار الخمسين جنيهًا، تغيرت الأوضاع الاقتصادية بشكل جذري وارتفع معدل التضخم بشكل كبير واستمرت قيم جدول الرواتب كما هي، مما جعل الرواتب الجامعية تصل إلى مستويات تقترب من خط الفقر حسب بيانات البنك الدولى وتعريفه لخط الفقر، وهو ما دفع البعض للتركيز على العمل خارج الجامعات لتلبية احتياجاتهم المعيشية على حساب مهماتهم الأكاديمية داخل الجامعة وازدادت معه بعض السلبيات. على سبيل المثال، في تعديل قانون العلاوة الدورية المنشور في جريدة الوقائع بتاريخ ٢٩ يونيو ١٩٨٣ لتحسين بند من بنود كان مكتوب عام ٧٢، تم زيادة العلاوة السنوية لدرجة "مدرس دكتور" بمبلغ ستون جنيهًا "سنويًا"، أي خمسة جنيهات شهريًا.
بينما علاوة "أستاذ مساعد" ستة جنيهات شهريًا، وعلاوة "أستاذ دكتور" ستة جنيهات وخمسة وعشرون قرشا شهريًا، بفارق ربع جنية فقط عن علاوة أستاذ المساعد.
فهل يُعقل أن يكون هناك أستاذ دكتور بربع جنيه علاوة عام ٢٠٢٤ ؟! في العديد من القطاعات المصرية، تم تعديل القوانين الخاصة بالكادرات لتواكب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتم بالفعل تحسين رواتبهم.
كما تم تعديل قانون العمل تحت اسم قانون الخدمة المدنية، بهدف تحسين تنظيم العمل الحكومي وتحقيق العدالة في توزيع الأجور بالنسبة لقيم الاجر الثابت والمتغير " على حد قول من تقدم بالمشروع وقتها".
وفي المقابل، تم الاكتفاء بتعديل محدود في كادر الجامعات، حيث تم زيادة حافز الجودة فقط بشكل سنوي ليصل الآن إلى نسبة غير منطقية مقارنة بإجمالي الراتب وأساسيه الذي لازال لم يتجاوز ٢٠٪ من اجمالي دخل دكتور جامعي.
بينما يُعتبر قانون الخدمة المدنية كادرًا عامًا يطبق على جميع العاملين في الجهاز الإداري للدولة، فإن قانون تنظيم الجامعات يُفترض أن يكون كادرًا خاصًا لأعضاء هيئة التدريس، لكنه في الواقع لا يعدو كونه "كادرًا مع وقف التنفيذ".
ففي قانون تنظيم الجامعات، يشكل الأجر الأساسي أقل من 20% من إجمالي دخل الأستاذ الجامعي، بينما يشكل الأجر المتغير (من بدلات وعلاوات ومكافئات) أكثر من 80% من دخله. هذا التفتيت في الرواتب إلى بدلات وعلاوات ومكافآت له تأثيرات سلبية عديدة. حيث يؤدي إلى ضعف الأداء الأكاديمي، مع تركيز الأساتذة على المناصب بصراعات ومشاكل، والتكالب على عضويات اللجان، وكل بند له مخصص اضافي يزيد من الدخل على حساب التدريس والبحث العلمي يتم بالشد والجذب.
هذا الوضع يعزز الصراعات والتكالب على المناصب القيادية، ويزيد من صراعات الإشراف والمناقشات العلمية، وأعمال الامتحانات والكتاب الجامعي...الخ، مما يركز على الكم وزيادة البنود بدلًا من التركيز على تحسين الجودة الأكاديمية وتكليف الأكفأ والتركيز على اهمية الانتاج والنتيجة وفاعليتهم.
من الضروري أن يتضمن قانون تنظيم الجامعات تعديلًا جذريًا في هيكلة الرواتب، بحيث يصبح كتلة واحدة بدلًا من تفتيتها إلى بدلات وعلاوات تؤثر على قيمة المعاشات للأعضاء الذين لا يستطيعون الاستمرار في العمل بعد التقاعد بسبب مرض أو وفاة.
و يكون الراتب الأساسي 80% من إجمالي الدخل، بينما لا تتجاوز البدلات والمتغيرات ومقابل المناصب القيادية لا يزيد عن ٢٠% كما خدث بالخدمة المدنية ولكن بمراعاة طبيعة الكادرات الخاصة ومتطلباتها. كما يجب أن يتم وضع آلية لفرض خصومات على من يرفض تكليفًا أكاديميًا وليس من يفوز بتكليف يتقاضى اكثر.
هذا من شأنه القضاء على الصراعات وضمان تولى الأكفأ المهمة المطلوبة بدلًا من الاعتماد على الأهواء أو النفوذ وتشجيع الصراعات والتكالب على بعض المهام.
وفي المقابل، يتمتع رؤساء الجامعات بعدد من الامتيازات المالية التي تشمل بدلات عديدة مثل مقابل حضور الاجتماعات واللجان الخاصة، بالإضافة إلى مكافآت مرتبطة بأنشطة إضافية عديدة مثل الإشراف على لجان فض المنازعات أو الأنشطة الطلابية والإنشاءات والوافدين ونسب من الوحدات الخاصة لكل كليات الجامعة ونسب الجلب وفائض الميزانية....الخ هذه البدلات قد ترفع دخل رؤساء الجامعات إلى أرقام تتجاوز مئات الآلاف ان لم تتخطى المليون واكثر، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذا التفاوت الكبير في الرواتب على التخطيط والجودة والأداء العام، وكذلك العدالة في توزيع الموارد.
من الضروري تعديل الرواتب في قانون تنظيم الجامعات بحيث يعزز الاستقرار المالي للأساتذة الجامعيين لتحقيق التفرغ الكامل لمهامهم، ويشجع على تحسين الأداء الأكاديمي. كما يجب وضع حد أقصى لدخل القيادات الجامعية يتناسب مع رواتب الأساتذة، حيث أن المناصب القيادية هي تكليف للأكفأ وليست تشريفًا حسب الرغبات الشخصية.
0 تعليق