في ظل التحولات التي يشهدها نظام التعليم في مصر، أصدرت وزارة التربية والتعليم تقريرها السنوي الذي تناول إعادة هيكلة المواد الدراسية لطلاب الثانوية العامة، وبينما تحظى هذه الخطوة باهتمام كبير لتحسين جودة التعليم، أثارت بعض القرارات المتعلقة بتوزيع المواد الدراسية تساؤلات جدية حول مدى عدالتها ومنطقيتها، خاصة فيما يتعلق بمادتي الفلسفة وعلم النفس.
التقرير أشار إلى أهمية الفلسفة وعلم النفس في بناء شخصية الطالب وتنمية قدراته الفكرية، وقررت الوزارة تدريسها لجميع طلاب الصف الأول الثانوي كمادة تأسيسية، ومع تقدير أهمية هذه الخطوة، إلا أن اقتصار علم النفس لاحقًا على طلاب الشعبة الأدبية في الصف الثاني فقط، واستبعاده من جدولهم في الصف الثالث لصالح مادة الإحصاء، يعكس تناقضًا واضحًا.
فمن غير المنطقي أن يُجبر طالب أدبي على دراسة الإحصاء، وهى مادة لا تتماشى مع طبيعة دراسته، بينما يُعفى منها طالب علمي يحتاجها في تخصصه المستقبلي.
بصفتي أستاذًا جامعيًا، أرى أن تدريس الفلسفة وعلم النفس لجميع الطلاب في الصف الأول فكرة جيدة لكونها تعزز التفكير النقدي والشخصية المتكاملة.
ولكن تخصيص علم النفس فقط للشعبة الأدبية لاحقًا يُثير تساؤلات حول غياب العدالة التعليمية، خاصة وأن هذه المادة تُسهم في تنمية فهم الإنسان لذاته وللآخرين، وهو أمر ضروري لجميع الطلاب بغض النظر عن توجههم الأكاديمي.
أما عن مادة الإحصاء، فإن إدراجها في جدول طلاب الشعبة الأدبية في الصف الثالث، دون أن تشمل طلاب الشعبة العلمية، يعد قرارًا غير متوازن.
وطالب العلمي يحتاج الإحصاء أكثر من الأدبي، بالنظر إلى ارتباطها المباشر بمجالات دراسته مثل الهندسة والعلوم، إذا كانت هناك ضرورة لتدريس الإحصاء، فمن المنطقي أن تُدرج لجميع الطلاب في الصف الثاني، على أن يركز طلاب الأدبي في الصف الثالث على مواد تخصصهم، مثل الفلسفة وعلم النفس، باعتبارها جوهر القسم الأدبي.
من غير المقبول أن يتم فرض مادة مثل الإحصاء على طلاب الأدبي في مرحلة الثانوية العامة، حيث لا تتناسب مع طبيعة دراستهم، بينما تُترك مواد تخصصية كالفلسفة وعلم النفس دون استكمال في الصف الثالث. هذه المواد ليست مجرد مواد دراسية، بل أدوات أساسية لتشكيل الوعي وبناء شخصية الطالب، خاصة في القسم الأدبي الذي يُعنى بالفكر والقيم والإنسانية.
أدعو وزارة التربية والتعليم إلى مراجعة هذه القرارات بعناية، لضمان عدالة توزيع المواد الدراسية بين الطلاب.
التعليم ليس مجرد نقل للمعلومات، بل هو وسيلة لبناء الإنسان الواعي القادر على التفكير النقدي واتخاذ القرارات المستنيرة، وتجاهل هذا الهدف الأساسي يُفقد العملية التعليمية معناها الحقيقي، ويؤدي إلى نتائج عكسية تُعيق تحقيق التطور المنشود.
0 تعليق