على خلفية إعلان رئيس حكومة كندا، جاستن ترودو، الاثنين، استقالته من منصبه، واضعا نقطة النهاية لعشرة أعوام من الحكم تميّزت بسياسة هجرة “منفتحة ومتوازنة”، يرقب المهاجرون المغاربة بالديار الكندية، بنوع من “التوجس”، تنامي صعود شعبية المحافظين في البلاد حيث تتزايد “المخاوف” من أن يشكّل فوزهم في الانتخابات العامة المزمع تنظيمها في أكتوبر المقبل بداية حقبة إجراءات أكثر تشددا تجاه المقيمين بصفة غير نظامية أو مؤقتة.
ورغم أن رئيس الوزراء المستقيل ختم حقبته بسلسلة إجراءات تقييدية للهجرة منذ شهر غشت الماضي، لا سيما تخفيض عدد العمال المؤقتين الذين سيتم جلبهم بعشرات الآلاف سنويا، إلا أن مهتمين أوضحوا أن “ظفر المحافظين بالأغلبية المطلقة إن تمّ خلال الانتخابات المقبلة قد يجهض آمال الجاليات في إنهاء أو تعليق هذه الإجراءات، بل قد يمهد لتعضيدها بإجراءات أكثر تعقيدا سيتضرر منها أساسا الطلبة والعمال المقيمون بصفة مؤقتة، وهؤلاء بينهم مغاربة”.
وتشير استطلاعات الرأي، وفق وسائل إعلام دولية، إلى أنه “إذا نظمت الانتخابات اليوم، فسيفوز بها حزب المحافظين المعارض بشكل حاسم”، مبيّنة أن “زعيمه بيير بوالييفر يتقدّم حاليا بفارق 20 نقطة عن زعيم الليبراليين ترودو”.
“هواجس قائمة”
صلاح العسلاوي، مستشار في الهجرة مقيم بمونتريال الكندية، قال إن “الهواجس من رفع تعقيد كندا لسياسات الهجرة، إذا عاد المحافظون إلى السلطة، بدأت ترتفع في صفوف مغاربة هذا البلد، منذ ظهور خلافات داخل الائتلاف الحاكم وبوادر تراجع شعبية حزب جاستن ترودو”، مضيفا أن “المحافظين نهجوا تاريخيا سياسات متشددة حيال المهاجرين، وكرّسوها بعد صعودهم للسلطة سنة 2014، من خلال قرارات عدة أجهزت على مكتسبات لهذه الفئة”.
وأوضح العسلاوي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه القرارات التي ما زالت تداعياتها قائمة حتى الآن، شملت إيقاف برنامج لم الشمل العائلي (Parrainage)، الذي كان يسمح للمقيمين بإلحاق آبائهم وأجدادهم بهم، قبل أن يستعيضوا عنه بتمكين 5000 من هؤلاء الأخيرين سنويا من الاستفادة من Super visa، وهو عدد جد ضئيل، ورفع السن اللازم للحصول على الجنسية إلى 4 سنوات من الإقامة الدائمة، مع تخويل القاضي صلاحية تحديد [نية] المترشح في الظفر بها فعلا”.
وتابع المتحدث: “التراجعات في عهد المحافظين همّت كذلك إنهاء حق الشاب الراغب في الزواج في منح الوكالة لوالده لتزويجه، بمبرر أن المعني قد يكون أرغم عن الزواج”.
واستحضر المستشار في الهجرة المقيم بمونتريال الكندية أنه “منذ شهر غشت الماضي، شرعت حكومة الليبراليين في اتخاذ سلسلة قرارات لا تصب في صالح المهاجرين، خصوصا فئة الطلاب وفئة العمال المؤقتين، على رأسها إعادة إيقاف الحقّ في لمّ الشمل العائلي بالوالدين أو الأجداد، وتعقيد إجراءات الحصول على رخصة العمل بالنسبة للطلبة”، مبرزا “إشارة مهمة هنا، تتعلّق بكون هذه القرارات تحكم فيها تعقد الوضع الاقتصادي والاجتماعي”.
“المحافظون في حمضهم النووي يحملون التشدد تجاه المهاجرين، وخطابهم حيال هذه الفئة واضح”، يؤكد المصّرح لهسبريس، قبل أن يردف بأن “مخاوف الجاليات والمهاجرين من إجراءات لا تصب في صالحهم، إذا صعد هؤلاء إلى السلطة، كبيرة، وستزداد إذا تمكنوا من الظفر بأغلبية مطلقة، على أنه في حال لم يظفروا بها واضطروا للتحالف مع حزب آخر، فسيكون هناك اطمئنان بأنهم سيتخذون سياسات متوازنة في تدبير الهجرة”.
واستدرك المتحدّث بأنه “في حال تحالف حزب كاك في الكيبيك التي يتمركز فيها غالبية المهاجرين المنتمين إلى الدول ذات الخلفية الفرانكفونية (المغرب، تونس، الجزائر…)، مع المحافظين، فلا شيء قد يعلو عن تشديد سياسات الهجرة في أجندة الحكومة المقبلة، خصوصا أن هذا الحزب كان موضوع الهجرة دائما محل صراع بينه وبين الليبراليين من خلال جاستن ترودو”.
وأورد المصرّح لهسبريس أن “المخاوف سالفة الذكر يغذيها توعد ترامب برفع الرسوم الجمركية على كندا إلى 25 في المئة، نظرا لأن من شأن تطبيق هذا الوعيد إضعاف جاذبية المنتج الكندي لدى المستهلك الأمريكي، ما سيؤدي إلى تسريح مئات العمال الكنديين والمهاجرين وزيادة البطالة بالبلد”.
فئات معنية
عمر أزوكار، خبير قانوني محام بمونتريال الكندية، قال من جهته إن “الهجرة ظلّت دائما أحد الملفات المستحضرة عند الحديث عن أي انتخابات في كندا”، مذكرا بدوره بأن “القيود على ولوج هذا البلد تنامت خلال الفترة الأخيرة من حكم جاستن ترودو؛ إذ همّت إلغاء نظام لمّ الشمل العائلي، والتنصيص على إلزامية التوفر على مستوى B2 في اللغة الفرنسية، وتعقيد إجراءات وشروط الحصول على رخصة العمل بالنسبة للطلاب، إلخ”.
وأبرز أزوكار، في تصريح لهسبريس، أن “المهاجرين المغاربة، على غرار كافة أفراد الجاليات، بكندا ينقسمون إلى فئات عدة، فمنهم من ولجوا البلد بنظام الدخول السريع، وهؤلاء تمّت تسوية وضعيتهم إلا أنههم لا يستفيدون لا من السكن ولا من التطبيب أو المواكبة الاجتماعية، وهناك المستفيدون من الهجرة المختارة، وهم في وضعية ميؤوس منها، فلا هم قادرون على الرجوع ولا على تسوية وضعيتهم”، بتعبيره.
“المخاوف من صعود المحافظين غير قائمة بالنسبة لمن يستفيدون من نظام الإقامة الدائمة، فلا يمكن أن تمس حقوقهم مستقبلا أو ينتقص منها، خصوصا أن الوضع بالنسبة للحقوق الممنوحة للمقيم يختلف بين الدول الأوروبية وكندا”، يورد الخبير القانوني عينه، مؤكدا أن “الهواجس تهم أساسا إمكانية ضعف الولوجية إلى كندا بسبب التقييدات التي ختم بها جاستن ترودو حقبته، والتي لا يستبعد أن تزداد تعقيدا خلال حكم المحافظين المحتمل”.
وأوضح أزوكار أن “من يتوفرون على الإقامة المؤقتة من طلبة وعمال هم المعنيون أساسا بالتخوف من أي تشدد في سياسات الهجرة المحتمل إذا صعد المحافظون إلى السلطة”، مبرزا أن “الطلاب تحديدا ستطرح التساؤلات حول حظوظ ولوجهم إلى فرص الشغل خلال الحقبة المنتظرة، وبعد التقييدات المتخذة”.
0 تعليق