في محاولة لتجاوز إشكالية تراكم النفايات وتناثرها في الشوارع والحد من السلوكيات السلبية للمواطنين المتعلقة بها، يجري التحضير بمدينة الدار البيضاء لإطلاق جهاز جديد يُدعى “شرطة النظافة”.
وتأتي هذه المبادرة كجزء من الجهود الرامية إلى الحفاظ على نظافة العاصمة الاقتصادية للمملكة وتطوير قطاع إدارة النفايات، في ظل تزايد شكاوى المواطنين من انتشار القمامة وتفاقم مشكلات النظافة في الأحياء السكنية.
وبينما يشيد بعض المتتبعين بهذه الخطوة ويرونها حلا لمشكلة النفايات، يعبّر آخرون عن شكوكهم حول مدى فعاليتها، خاصة إذا لم تكن مصحوبة باستراتيجيات شاملة تُشرك كافة القطاعات المعنية وتعزز الوعي البيئي لدى المواطنين.
مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، قال إن إطلاق جهاز “شرطة النظافة” في الدار البيضاء يُعد خطوة ملحة لمعالجة السلوكيات السلبية المتعلقة بالتخلص من النفايات، ليس فقط في الدار البيضاء بل في مختلف المدن المغربية.
وأشار بنرامل إلى أن هذه السلوكيات تعكس وجود فراغ قانوني وإداري في التعامل مع قضايا النظافة، سواء على مستوى وعي المواطنين أو على مستوى تنظيم قطاع إدارة النفايات الذي تشرف عليه المجالس المحلية أو الشركات المتعاقدة معها.
في السياق نفسه، استعرض الفاعل البيئي سالف الذكر تجارب سابقة مشابهة مثل “الشرطة البيئية” التي أنشأتها وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة و”شرطة المياه” التابعة لوزارة التجهيز والماء، والتي بقي أثرها محدودا بالرغم من أهميتهما في الحفاظ على الموارد الطبيعية نظافة المجالات الطبيعية والمحمية.
وأرجع المتحدث عينه عدم نجاح هذه التجارب إلى وجود ثغرات قانونية وتنسيقية حدّت من تأثيرها العملي، مستنتجا أن إنشاء “شرطة النظافة” لن يكون ذا جدوى كبيرة إذا لم يتم دمجه في إطار استراتيجي شامل تشترك فيه جميع القطاعات ذات الصلة.
وشدد بنرامل على ضرورة إشراك العديد من الوزارات في هذه الجهود، بالإضافة إلى تعزيز التوعية البيئية على مختلف الأصعدة، مشيرا إلى أن تجارب الرباط وطنجة وتطوان ومراكش وأكادير تؤكد “أننا لسنا بحاجة إلى شرطة النظافة أكثر مما نحن في حاجة إلى خطة مندمجة تتدخل فيها جميع القطاعات من أجل التحسيس والتوعية وفرض القوانين وتتبع تطبيقها”.
بدوره، ربط شكيب سبايبي، عضو فريق المعارضة بجماعة وجدة، بين فكرة “شرطة النظافة” وبين التجربة السابقة للشرطة البيئية التي تم إطلاقها في عام 2017.
وعبّر سبايبي، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، عن شكوكه حول فعالية هذه المبادرات، مشيرا إلى أن “الشرطة البيئية لم تخضع لتقييم حقيقي على الرغم من توسيع مهامها على الصعيد الوطني؛ مما يجعل من الصعب قياس نجاحها أو تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين”.
وسجل عضو فريق المعارضة بجماعة وجدة أن الحل الأساسي لأزمة النفايات يكمن في “التربية البيئية” والتوعية المستمرة، مع التركيز على الفئات الصغرى في المؤسسات التعليمية وسكان الأحياء.
واقترح المتحدث تطوير حملات توعية مبتكرة تستهدف المواطنين والجمعيات المحلية، التي لها اتصال دائم بالسكان، مؤكدا على ضرورة تعزيز المبادرات التي تشجع على تحسين البيئة المحلية، مثل مسابقات “أنظف حي”.
وأشار إلى الدور الكبير الذي تلعبه الشركات المتعاقدة مع البلديات في تدبير قطاع النفايات، مشددا على “ضرورة تحسين آليات جمع النفايات وتنظيم أماكن وضع الحاويات”، لافتا إلى أن هذه الشركات لها مسؤولية كبيرة في تعزيز النظافة العامة، مقترحا تحسين التنسيق بينها وبين المجالس المحلية لضمان فعالية أكبر في إدارة النفايات.
وخلص العضو الجماعي ذاته إلى أن المقاربة الزجرية وحدها “لن تكون كافية لحل مشكلة النفايات”، مشيرا إلى أن فرض العقوبات على المخالفين لم يثبت جدواه في تجارب سابقة، مشددا على “أهمية التربية البيئية كركيزة أساسية لنجاح أية مبادرة تتعلق بالنظافة”.
0 تعليق