قاربت ورقة بحثية جديدة الإصدار “فعلية الحق في الحصول على المعلومات بالمنطقة العربية: المكاسب والإخفاقات”، من أبرز استنتاجاتها “تميز التجربة المغربية مقارنة بباقي الدول العربية موضوع المقارنة (الكويت، تونس والأردن)”، وفق ما خلص إليه كاتبها عبد الرفيع زعنون، أستاذ زائر بجامعة عبد الملك السعدي.
الورقة خلصت إلى “وجود تطور نسبي في تصنيف معظم الدول موضوع الدراسة بالمؤشرات الدولية ذات الصلة”، قبل أن تستدرك: “إلا أن الوصول إلى فعلية الحق في المعلومة يتطلب إصلاحات شاملة لتحسين كفاءة نظام المعلومات”، موصية بأن يتم “توسيع مجالات النشر الإلزامي، وتوفير وتدريب الموظفين المختصين، وتطوير منصات استقبال ومتابعة الطلبات، مع إشراك أكثر لأصحاب المصلحة في حكامة تدبير المعلومات، ضمانا لتحقيق الآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنشودة”، وفق تعبير زعنون.
محاولا الإجابة عن “سؤال مركزي” مفاده “إلى أي حد تمكنت الدول العربية من إتاحة فعلية التمتع بالحق في النفاذ إلى المعلومة؟ وما هي المداخل الممكنة لتدارك الإخفاقات وتجاوز المعوقات التي تحول دون تطوير أنظمة الوصول إلى المعلومات؟ اقتفى الباحث المغربي في القانون الإداري والسياسات العامة أثر “الحصيلة المرحلية للأطر التشريعية والتدبيرية التي تستهدف تحسين شفافية المعطيات العمومية بكل من المغرب والأردن والكويت وتونس”.
كما توسل بـ”إبراز التقدم المسجل بمؤشرات الشفافية والانفتاح وتأثيرات ذلك على انكشاف الحياة العامة وعلى الحقوق الأساسية للمواطنين”، بتعبير ملخص الورقة.
وبشكل أساسي، استندت الدراسة، التي طالعت هسبريس نسختها الكاملة المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية في مجلة “رواق عربي” (دورية فصلية محكمة يصدرها “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان”)، إلى المنهج المقارن” بهدف “تحليل أوجه التقاطع والتمايز بين التجارب العربية الأربع موضوع الدراسة.
فضلا عن “إطار نظري” والدراسات السابقة، توزعت مضامين هذه الورقة البحثية على “أربعة محاور تتناول المرجعيات والممارسات والإشكالات والمداخل الخاصة بتدعيم الولوج الشامل وغير المقيد إلى المعلومات”.
“تفعيل حبيس النصوص”
رصد زعنون، ضمن مقدمة ورقته المنشورة في العدد الثالث من المجلد 29 من المجلة سالفة الذكر، أن “مسار تقنين الحق في الحصول على المعلومة شهد تباطؤا ملحوظا في تشريعات معظم الدول العربية”، قبل أن يسجل أنه “بالرغم من إصدار التشريعات التي اعترفت بحق المواطنين في الحصول على المعلومات المتاحة لدى الإدارات والمؤسسات العمومية، فإن تفعيلها ظل حبيس نصوص تنظيمية لم تصدر سوى بعد مرور فترة ليست باليسيرة”.
وأضاف أنه “بغض النظر عن تأخر صدور النصوص التطبيقية، فإن التقييدات التي انطوت عليها ساهمت في تغليب المقاربة التقنية على المعالجة الحقوقية في تفعيل هذا الحق الدستوري الحيوي، كما “أسفرت الدسترة المتأخرة لهذا الحق بمعظم التجارب العربية عن توسيع الاستثناءات الواردة على الحق في النفاذ إلى المعلومات بدلا من تضييقها”.
“سبق مغربي”
عند تسليطه الضوء على دائرة الدول العربية بشأن “الإطار التشريعي والمؤسساتي للحق في الوصول إلى المعلومات”، أبرز الباحث أن “الأردن كان أول دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وضعت تشريعا خاصا بحماية الحق في الحصول على المعلومات بموجب قانون صدر سنة 2007، غير أن المغرب كان سباقا إلى دسترة حق الوصول إلى المعلومات، بموجب الفصل 27 من دستور 2011، الذي حاول التماهي مع التوجه العالمي الداعي لكشف تدبير الشأن العام لمصلحة المواطنين”.
وفي ضوء ذلك صدر القانون رقم 31.13 الذي “كفل عدة ضمانات لإتاحة المعلومات للعموم، من بينها إلزام الهيئات العامة بالكشف عن جميع المعلومات الممسوكة لديها وعدم إمكانية الحد من هذه الفرضية سوى في حدود ضيقة جدا، مع التمييز بين النشر الاستباقي الذي تكون الإدارة ملزمة بموجبه بنشر الحد الأقصى من الوثائق والمعلومات التي تتحصل عليها، وبين النشر التفاعلي من خلال عدة تدابير لمتابعة طلبات الحصول على المعلومات، كتصميم منصات متخصصة وتعيين أشخاص مكلفين بتلقي طلبات الحصول على المعلومات ودراستها ومعالجتها”.
وأشار إلى تضمينه “التأكيد على إحداث لجنة مختصة تعمل تحت إشراف رئيس الحكومة لضمان التفعيل الأمثل للحق في المعلومة، من خلال البت في الطعون والشكاوى المقدمة من طالبي الحصول على المعلومات، وإصدار توصيات وتقارير لتحسين جودة مساطر الحصول على المعلومات، وكذا تقديم الاستشارة والخبرة للمؤسسات والهيئات المعنية”.
خلاصات وتوصيات
بإيجابية سجلت الدراسة في ختامها أن “الدول العربية موضوع الدراسة خطت خطوات حثيثة على درب التمكين للحق في الوصول إلى المعلومات، عبر مقتضيات دستورية حددت ضمانات وكيفيات ولوج المواطنين إلى المعلومات، وما تلاها من نصوص قانونية وتنظيمية رامت تدقيق المساطر وإرساء البنيات والآليات الخاصة بنظام المعلومات العمومية، مع الارتكاز أكثر على التقنيات المعلوماتية في تكريس الشفافية الإدارية من خلال منصات متخصصة تم الرهان عليها في تعظيم فرص وصول المواطنين للبيانات الحكومية”، وفق زعنون الذي تابع مستدركا: “لكن في المقابل، لم ترتق الحصيلة إلى سقف التوقعات كما لم تنضبط بالشكل المطلوب للمعايير الدولية، جراء تراخي الجهات الحكومية في النشر المسبق للمعطيات المتاحة، وضعف تجاوبها مع طلبات الحصول على المعلومات في ظل وجود معوقات هيكلية تحد من ممارسة الحق في المعلومة”.
وأوصت الورقة البحثية المحكمة بـ”وجوب سن إصلاحات جديدة لتدارك هذا التأخر، من خلال تكثيف جهود الكشف الأقصى للمعلومات سواء في إطار تدابير الإفصاح الاستباقي بإلزام كل الهيئات العمومية بنشر الوثائق والمعلومات التي تتوفر عليها، وبتعميم نشر البيانات المفتوحة مع تحسين جودتها؛ أو فيما يخص النشر التفاعلي بناء على طلب، بتطوير البوابات الوطنية المخصصة لتلقي طلبات الحصول على المعلومات والرد عليها، على نحو يسمح بمواكبة طالبي المعلومات خلال مختلف المراحل، مع تبسيط الإجراءات الخاصة بالطعن في قرارات الرفض”.
كما “يتعين الارتقاء بصلاحيات وأدوات تدخل هيئات مراقبة أنظمة الوصول إلى المعلومة، من خلال توسيع هامش استقلاليتها عن الحكومة، وتكريس إلزامية القرارات التي تصدرها في وجه الإدارة، مع إصدار تقارير دورية لفحص مدى نجاعة التدابير المتخذة لتدعيم الولوج إلى المعلومات العمومية في ضوء المعايير الدولية”، توصي الورقة.
0 تعليق