موقف بنكيران من تثمين عمل الزوجة يُطلق اتهامات "العداء لأعراف أمازيغية"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثار الموقف “السلبي” لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق وأمين عام حزب العدالة والتنمية، بخصوص مقترح “تدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثمين عمل الزوجة داخل المنزل واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسَبة خلال قيام العلاقة الزوجية”، حفيظةَ بعض المدافعين عن هذا المبدأ الذي يتجسد حسبهم بالضرورة في فتوى للفقيه أحمد بن عرضون المالكي وتُعرف بـ”الكد والسعاية”.

بنكيران قال، في إحدى خرجاته عبر تقنية الفيديو في صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إن هذه النقطة “يجب إزالتها وإلغاؤُها نهائيا من المقترحات”، معتبرا أن “العلاقة بين الزوجين مبنية على المكارمة. واللقمة حين يضعها الزوج في فم زوجته تعتبر له صدقة”، متسائلا: “كيف سنحتسبُ 40 سنة من العمل المنزلي؟”، وزاد: “هذا منكر؛ وعمل المرأة المنزلي لا يملك أن يأجرها عليه إلا الله”.

هذه التصريحات تأتي في وقت نُشرت توضيحات تكشف أن “تطبيق هذا التعديل سيكون مرهونا بعوامل عديدة؛ مثل مدة الزواج وظروف الطرفين، وهي خطوة تُعد تقدما في الاعتراف بأهمية العمل غير المدفوع الذي تقدمه الزوجة، دون أن يعني ذلك فرض أية التزامات مالية مجحفة على الأزواج”. لكن مدافعين عن “العرف الأمازيغي” اعتبروا أن تصريحات الأمين العام لـ”المصباح” هي “عداء واضح لثقافة البلد”.

“تدخل غير مفهوم”

المحامي محمد ألمو، الذي حرر مقالات وتصريحات خلال السنوات الأخيرة للتعريف بالعُرف الأمازيغي “تمازالت”، قال إن “تصريحات بنكيران غير مفهومة، لأنها لا تستند إلى أي أساس قانوني حقيقي ولا حتى علمي”، معتبرا أن “هذا يفتح الباب لعودة التأويلات التي ارتفعت مرات كثيرة بوجود عداء مبطن لدى رئيس الحكومة الأسبق تجاه كل ما هو أمازيغي”.

ولفت ألمو، في تصريح لهسبريس، إلى أنه بصدد تحضير ورقة تتضمن ردودا على “المغالطات” التي تقدم بها أمين عام “بيجيدي” للتشكيك في تثمين العمل المنزلي وفق منطق فتوى الفقيه المالكي ابن عرضون الشهيرة بـ”الكد والسعاية”، موضحا أن “الأمر يتعلق بالتثمين وليس بالتسعير؛ فهذه الفتوى كانت انتصارا واضحا لحقوق المرأة، بالنظر إلى مساهمتها الواضحة والمباشرة في ادخار الثروة الأسرية”.

وأفاد المحامي المغربي بأن “المسألة تجد أساسها الأخلاقي والديني في فتوى ابن عرضون، وهي جد متقدمة؛ بالنظر إلى السياق الذي ظهرت فيه”، مبرزا أنها “التقطت عرفا ساريا بمناطق سوس وآزرتهُ دينيا. وقد بيّن الراحل الحسين الملكي أن محاكم بهذه المناطق كانت تنتصرُ لهذا العرف السائد، باعتباره التجسيد الأسمى لقيم العدالة التي تنشدها القاعدة القانونية”.

وبالنسبة للفاعل الحقوقي، فإن بنكيران من خلال إثارة أسئلة مرتبطة بصعوبة تحديد قيمة العمل المنزلي بالنظر إلى سنوات الزوجية هو “محاولة لخلط الأوراق؛ لأن النظام واضح ومتحقق عمليا في نظام الكد والسعاية”.

وفي هذا الصدد، أضاف أن “هذه القوانين تتضمن قواعد جرى تطبيقها، وتم التوافق حولها ولم تُقابل بالكثير من الامتعاض إلا من لدن سلفيات وتصورات إسلاموية مُستوردة وخارج أفق الفقه المالكي المغربي المنفتح الذي تعتمده الدولة”.

وشدد المتحدث عينه على أن “اعتبار جزاء العمل المنزلي هو مأكل الزوجة وغير ذلك أو وصفه بأنه صدقة يكشف مرة أخرى التعاطي مع الموضوع بمنطق خارج التاريخ وخارج تطلعات المجتمع والدستور وكذا خارج مكانة المرأة ببلادنا”، مشيرا إلى أن “أشغال البيت تؤازرُ الزوج في تخفيض تكاليف معينة؛ وبالتالي الوعي الأمازيغي المبكر التقط أهميته وضرورة تثمينه”.

“فقه مغربي”

عبد الواحد درويش، رئيس مؤسسة درعة تافيلالت للعيش المشترك، اعتبر أن “موقف بنكيران هو محاولة يائسة لنسف عملية اجتهاد متأصلة داخل الفقه المغربي منذ القرن العاشر الهجري”، مضيفا أن “القيادي الإسلامي لا يكف كل مرة عن إظهار مواقف غريبة تجاه الهوية الأصلية للمغاربة”، وزاد: “مواقف عدمية لم نستطع أن نستوعبها لكونها ممتدة وتتجاهل المكتسبات في ملف الهوية”.

واعتبر درويش، في حديثه لهسبريس، أن “هذا موضوع يهم الحضارة المغربية بشكل عام، ويهم الاجتهاد الفقهي الذي التقطه المجلس العلمي الأعلى وسانده بعملية قبول هادئة ولا غبار عليها”، مشددا على أن “هذا العرف يتماشى مع التكريم الذي خصه الإسلام للمرأة. بالتالي، حتى رفض ‘تمازالت’ من مدخل ديني فهو تلقائيا مردود على أصحابه”.

وأورد أن “موافقة المجلس العلمي الأعلى على هذا المقترح ليس مجاملة للفعاليات الأمازيغية، ولا هدية للحركة الحقوقية؛ بل هو انتصار لفتوى فقيه مغربي تعد الأكثر إنصافا للمرأة داخل العلاقة الزوجية أثناء اقتسام الثروة المكتسبة خلال فترة الزوجية”، مضيفا أن “تقدير قيمة العمل المنزلي تعود إلى تقدير القضاء الذي سيطلع على مقدرات الثروة مساهمة الزوجة في الوصول إليها”.

إن هذه الفتوى، حسب درويش، “لا تبتعد عن واقع الناس، ولم ترفضه بقدر ما انتصرت إلى إنصاف كائن ومتحقق ومعاش يجتر معه قرونا من التنفيذ العفوي في إطار العرف المحلي”، مبرزا أنه “عوض أن يعتبرها الإسلاميون مرجعية وتدخل في إطار الفقه المتنور والحداثي الذي يساير العصر يرفضونه لمجرد أنه مغربي”، وقال: “لو كان قادما من المشرق لاعتُبر غاية ما وُجد”.

وحاولت جريدة هسبريس التواصل مع عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب “المصباح”، لمنحه حق الرد على وجهات النظر التي رافقت تصريحاته حول رفض تثمين العمل المنزلي للزوجة خلال فترة الزوجية؛ غير أن هاتفه ظل يرن دون جواب، ولم يجب رغم ترك رسالة نصية له تبين هوية المتصل والجدوى من الاتصال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق