تمر الدولة اللبنانية بمرحلة جد مفصلية في تاريخها السياسي الحديث، إذ تشهد تحولات جذرية في معادلات السلطة والتحالفات الداخلية والخارجية؛ وذلك عقب انتخاب قائد الجيش، العماد جوزيف عون، رئيس للدولة، حيث يأتي انتخابه في سياق إقليمي يتسم بالتعقيد وبتراجع مد إيران في منطقة الشرق الأوسط بعد اغتيال كبار قادة حزب الله، ذراعها السياسي والعسكري في لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
وتتجه الأنظار إلى تأثير هذه التحولات على علاقات لبنان مع مجموعة من الدول العربية؛ من ضمنها المغرب، الذي سبق أن اتهم حزب الله بالتآمر ضد وحدته الترابية، حيث تعهد الرئيس اللبناني الجديد في خطاب تعيينه أمام البرلمان بإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية انطلاقا من الانتماء العربي للبنان، وببناء شراكات استراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا وأن “نمنع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها وأن نمارس سياسة الحياد الإيجابي”، بتعبيره.
كما أعلن الوافد الجديد على قصر “بعبدا”، عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ لبنان، مؤكدا على حق الدولة في احتكار السلاح، والاستثمار في الجيش لضبط الحدود، فيما فهم على أنه إشارة قوية إلى حزب الله الذي صنع دويلة له داخل الدولة اللبنانية، والذي له ارتباطات بعدد من التنظيمات الانفصالية والإرهابية؛ بما فيها جبهة “البوليساريو”، التي سارع زعيمها إلى تهنئة الرئيس اللبناني الجديد بمناسبة انتخابه من لدن نواب البرلمان.
محور جديد ومحاولة يائسة
في هذا الإطار، قال محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن “تعيين جوزيف عون رئيسا للدولة اللبنانية، بعد الفراغ الذي شهده هذا المنصب، قوبل بتحفظ كبير من الأطراف الشيعية في لبنان، خاصة حزب الله، الحليف لجبهة “البوليساريو” والطرف اللبناني الذي اتهمه المغرب بدعم هذا الكيان الانفصالي تنفيذا لأجندة إيران في منطقة شمال إفريقيا”.
وأوضح ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “انتخاب عون رئيسا للبنان يشكل انتصارا للمحور العربي في هذا البلد على المحور الإيراني الذي كان يسيطر بشكل قوي على الدولة اللبنانية ويمارس الوصاية عليها عن طريق وكيله حزب الله”، مؤكدا أن “لبنان تحرر من العهد الإيراني والوصاية السورية وعاد إلى الحاضنة العربية؛ وهو ما يؤكده خطاب الرئيس الذي تحدث عن الانتماء العربي للبنان”.
وسجل المتحدث ذاته أن “العبارات التي استعملها الرئيس اللبناني الجديد في حديثه عن الشراكة الاستراتيجية مع دول شمال إفريقيا ورفض المس بسيادتها هي العبارات نفسها تقريبا التي تستعملها بيانات مجلس التعاون الخليجي؛ وهو ما يشير إلى بداية العهد السعودي في لبنان الذي لا يستند إلى منطق الوصاية أو التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية”.
وشدد على أن “الموقف اللبناني من قضية الصحراء المغربية لا يمكن إلا أن يكون منسجما مع مواقف محيطه العربي ومواقف جامعة الدول العربية الداعمة للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية”، معتبرا أن “تهنئة زعيم الانفصاليين في تندوف للرئيس اللبناني الجديد ما هي إلا محاولة يائسة من “البوليساريو” لإظهار أنها ما زالت موجودة على الساحة، وتندرج في إطار دبلوماسية التهاني التي لجأت إليها الجبهة الانفصالية في الآونة الأخيرة من أجل إخفاء حقيقة بداية موت أطروحتها عن سكان المخيمات”.
أجندة إيرانية ومواقف مغربية
من جهته، قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إن “نظام آل الأسد في سوريا ظل يشكل عائقا أمام استقرار الوضع في لبنان، إذ يتصرف في لبنان كما لو أنه حديقة خلفية لسوريا”، مضيفا أن “النظام السوري المُسقط يتعامل مع لبنان ليس كدولة موحدة وإنما كطوائف متفرقة، وكان عائقا أمام اتفاق البرلمان اللبناني على انتخاب رئيس للبنان منذ سنوات، حيث أسس في عهد بشار الأسد علاقات قوية مع حزب الله بدلا من لبنان الدولة، وأصبح تحالف سوريا في عهد بشار مع إيران يمر عبر تقوية حزب الله في لبنان وتفعيل دوره التخريبي بما يخدم أهداف إيران ليس في لبنان والشام فقط وإنما في الخليج العربي وشمال إفريقيا بمساندة حركة “البوليساريو” المقيمة في تندوف الجزائرية”.
وأكد المصرح لهسبريس أن “الرئيس اللبناني حينما يعبر عن رغبة لبنان في إعادة بناء علاقاته مع الدول العربية في الخليج وشمال إفريقيا، فإنه يعلن نهاية حزب الله العسكري وذراع إيران في المنطقة، وأن السلاح لن يكون إلا بيد الدولة، وأن مستقبل علاقات لبنان يتم صياغته داخل لبنان بما يخدم دبلوماسيته وعلاقاته مع الدول العربية، وأن عهد صناعة المصير السياسي للبنان من طهران ودمشق عبر التحكم في حزب الله لم يعد له إمكانية النجاح مع تقزيم دور حزب الله ونهاية نظام بشار الأسد”.
وأشار إلى أن “علاقة المغرب مع لبنان الدولة كانت دائما علاقات عادية ومتميزة بخطها الأفقي الذي لا يتعرض لتأثيرات سياسية، رغم أن موقف المغرب كان ولا يزال صارما تجاه حزب الله الذي يعتبره المغرب الذراع العسكري لتنفيذ مخططات إيران في استهداف الوحدة الترابية للمغرب، بما فيها تأطير وتدريب العناصر العسكرية لـ”البوليساريو” من طرف حزب الله بتواطؤ من النظام السوري”.
وخلص إلى أن “تهنئة زعيم “البوليساريو” للرئيس اللبناني لا تعد مؤشرا على أن “البوليساريو” سيجد في لبنان ما بعد نظام بشار الأسد وتراجع حزب الله عسكريا مرجعية لتقوية عدائه للمغرب، خاصة أمام إعادة صياغة منظومة التحالفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط التي يتم إعادة تشكيلها في محور أنقرة-دمشق-الرياض بدل محور موسكو-دمشق-طهران. وعليه، فإن هذه التهنئة لن يتجاوز مفعولها السياسي الورقة التي كُتبت عليها؛ لأن لبنان، الآن، في مرحلة بناء الدولة السياسية الموحدة التي تتقوى بعلاقاتها العربية من أجل بناء اقتصادات متكاملة ومتعاونة”.
0 تعليق