على خلفية مصادقة الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، على اتفاقية التعاون العسكري مع المملكة المغربية التي صوت عليها برلمان هذا البلد أواخر دجنبر الماضي، وتحدد مجموعة من مجالات التعاون الدفاعي بين البلدين، بما يشمل التدريب والتصنيع الحربي، أكد خبراء في الشأن العسكري والإستراتيجي أن التعاون بين الرباط وباكو على هذا المستوى يمكن أن يشكل نموذجا للشراكات الدولية الإستراتيجية في مجال الصناعات الحربية من أجل تطوير منظومات ردع قادرة على مواجهة التحديات الأمنية القائمة والدفاع عن السيادة والوحدة الترابية.
الخبراء الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن أن التعاون العسكري مع أذربيجان يوفر للمغرب فرصة لتعزيز طموحه في توطين الصناعة الدفاعية على المستوى المحلي، من خلال تبادل الخبرات والتجارب على هذا المستوى، خاصة أن البلدين يدمجان الطائرات المسيرة ضمن ترسانتهما العسكرية ويتقاسمان الطموح نفسه، معتبرين أن تجربة أذربيجان في حسم النزاع حول إقليم كاراباخ مع أرمينيا يمكن أن تشكل مصدر إلهام للعديد من الدول الساعية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، ومن بينها المغرب، للاستفادة من الخبرة الأذربيجانية في إدارة النزاعات واستخدام التكنولوجيا العسكرية الحديثة لحسمها.
إستراتيجية وطموح
قال عبد الرحمن مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “التعاون العسكري بين المغرب وأذربيجان سيشهد نقلة نوعية بعد توقيع هذه الاتفاقية، إذ إن هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى تمتلك صناعة حربية مهمة وتنتج مختلف أنواع الذخائر والمعدات العسكرية، مستفيدة من البنية التحتية الدفاعية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي، بالإضافة إلى شراكاتها مع الفاعلين التركي والإسرائيلي، خاصة في مجال صناعة الطائرات المسيّرة”.
وأوضح مكاوي، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التعاون سيشكل فرصة للبلدين لإقامة علاقات شراكة إستراتيجية على المستوى الدفاعي وتبادل الخبرات في ما يتعلق بالتصنيع الحربي، الذي خطا فيه المغرب خطوات مهمة”، مشيرًا إلى أن “الخبراء الإستراتيجيين والعسكريين المغاربة تابعوا الحرب بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم كاراباخ، التي حسمتها الأخيرة في زمن قياسي باستخدام تكتيكات وتقنيات متقدمة”، وبيّن أن “هذه التكتيكات، خاصة ما يتعلق بالاستخدام المكثف للطيران المسيّر، يمكن أن تشكل مصدر إلهام للمغرب الذي يراهن بدوره على الطائرات المسيّرة لحماية حدوده من تهديدات جبهة البوليساريو الانفصالية، خاصة أن البلدين يستخدمان تقريبًا الطائرات المسيّرة نفسها التي تنتجها مصانع الدفاع التركية والإسرائيلية”.
وتابع الخبير ذاته بأن “تعزيز التعاون العسكري بين البلدين من خلال اتفاقيات شراكة عسكرية يخدم جهود المغرب في توطين الصناعات الدفاعية، عبر تبادل الخبرات والتجارب في هذا المجال”، مسجلًا أن “أذربيجان دولة نفطية غنية بالموارد الطبيعية، وبالتالي فإن المغرب سيكون مهتمًا بالاستثمارات الأذربيجانية في مجال التصنيع العسكري”، مبرزًا أن “الرباط وباكو تشتركان في طموح تطوير صناعتهما الدفاعية، وقد يكون ذلك في إطار شراكة ثلاثية سواء مع تركيا أو إسرائيل”.
تجربة وتفوق
قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، إن “مصادقة الرئيس الأذري على اتفاقية التعاون العسكري بين المغرب وأذربيجان تمثل خطوة إستراتيجية مهمة يمكن أن تُسهم في تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة المغربية وتوسيع آفاق التعاون العسكري مع شريك يمتلك تجربة ميدانية ناجحة في النزاعات الإقليمية، بالنظر إلى التجربة الأذربيجانية في حرب ناغورني كاراباخ ضد أرمينيا، التي حسمتها باكو بسرعة بفضل تكتيكات عسكرية حديثة وتكنولوجيا متقدمة”.
وأضاف معتضد أن “أذربيجان تُعد على الصعيد العسكري نموذجًا مثاليًا للاستفادة من التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة والذخائر الذكية”، وزاد: “من خلال هذه الاتفاقية يمكن للمغرب الوصول إلى الصناعات الدفاعية الأذربيجانية، التي أثبتت فعاليتها في تحقيق تفوق ميداني حاسم”، مشيرًا إلى أن “إدماج هذه التقنيات في القوات المسلحة المغربية من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في قدرات الردع ويعزز التفوق العسكري للمملكة في المنطقة”.
وتابع المصرح لهسبريس بأن “تعزيز التعاون مع أذربيجان على هذا المستوى يتماشى مع نظرية الردع الاستباقي، التي تُركز على بناء قوة ردعية متطورة تمنع الخصوم من التفكير في خوض أي مواجهات”، معتبرًا أن “أذربيجان تعتمد في إستراتيجيتها العسكرية على نظرية الحرب الشبكية، التي تقوم على التنسيق بين مختلف وحدات الجيش واستخدام المعلوماتية لتعزيز الكفاءة العملياتية؛ وبالتالي فإن نقل هذه المعرفة إلى القوات المسلحة المغربية يمكن أن يُحدث تحولًا في أساليب إدارة المعارك، خاصة في البيئات التي تتسم بالتعقيد الميداني والتحديات غير التقليدية”.
وأكد المتحدث ذاته أن “هذه الاتفاقية تمثل فرصة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ يمكن أن يُشكل التعاون العسكري بوابة لتوسيع التعاون الاقتصادي والثقافي”، مبرزًا أن “أذربيجان، بفضل موقعها الجيوستراتيجي بين آسيا وأوروبا تقدم للمغرب نموذجًا للتأثير في مناطق متعددة عبر أدوات القوة الناعمة والعسكرية”.
وخلص معتضد إلى أن “اتفاقية التعاون العسكري مع أذربيجان تُعد خطوة إستراتيجية تحمل أبعادًا متعددة”، مردفا: “من خلال استغلال التجربة الميدانية والتكنولوجيا الأذربيجانية يمكن للمغرب تعزيز قدراته الدفاعية والإستراتيجية، ما سيُسهم في تعزيز استقراره وأمنه الوطني، ويجعله نموذجًا في التكيف مع التحديات الأمنية الإقليمية والدولية”، ومشددًا على أن “هذه الاتفاقية تُرسل رسالة واضحة إلى الخصوم، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، إذ إن تعزيز الشراكات العسكرية مع دول ذات وزن إقليمي مثل أذربيجان يعزز موقف المغرب كقوة إقليمية قادرة على حماية مصالحها والدفاع عن وحدتها الترابية”.
0 تعليق