أكدت دار الإفتاء أن صلاة الجمعة تُعد شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة، حيث أوجب الشرع الحنيف على المسلمين السعي إليها والاجتماع لأدائها، وذلك لتعزيز أواصر الترابط والائتلاف بينهم.
وقد استشهدت الدار بقول الإمام التقي السبكي في "فتاويه": "والمقصود بالجمعة: اجتماع المؤمنين كلهم، وموعظتهم، وأكمل وجوه ذلك أن يكون في مكان واحد؛ لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم".
وأضافت الدار أن الله تعالى فرض صلاة الجمعة على المسلمين جماعةً، بحيث لا تصح من المكلف منفردًا، مستشهدة بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 9-10].
وجوه دلالة الآيات على وجوب صلاة الجمعة:
صيغة الجمع: حيث وردت الآيات بصيغة الجمع، مما يدل على أن التكليف جماعي، وأن أحكامها متعلقة بالمجموع.
ذكر الله: المقصود به الصلاة والخطبة، كما أجمع العلماء، ومنهم الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار".
مقصود السعي: هو حضور الجمعة، كما أوضح الإمام الرازي في تفسيره، والأمر بالسعي يقتضي الوجوب.
وأكدت الدار أن العلماء أجمعوا على وجوب حضور الجمعة على كل من تلزمه، مستشهدة بقول الإمام ابن جزيّ في "التسهيل لعلوم التنزيل": "حضور الجمعة واجب؛ لحمل الأمر الذي في الآية على الوجوب باتفاق".
الأدلة من السنة النبوية:
عن طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» [رواه أبو داود والحاكم].
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيُّ أَوْ مَمْلُوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ غَنِيُّ حُمَيْدٌ» [رواه الدارقطني والبيهقي].
عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» [رواه مسلم].
عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» [رواه أبو داود].
التشديد في ترك الجمعة:
أشارت الدار إلى أن الشرع شدد على من يتخلف عن أداء صلاة الجمعة بغير عذر، حيث نقلت عن الإمام بدر الدين العيني قوله: "هذا باب في بيان التشديد بالوعيد في ترك الجمعة من غير عذر".
كما نقلت عن الملا علي القاري تفسيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها طبع الله على قلبه"، مؤكدًا أن التهاون يعني التساهل دون عذر.
ختامًا، أكدت دار الإفتاء على أهمية صلاة الجمعة ووجوب حضورها، محذرة من التهاون في أدائها لما في ذلك من وعيد شديد.
0 تعليق