وسط “غياب” مؤشرات واضحة على توافق بين قيادات وأعضاء حزب العدالة والتنمية بشأن مدى الحاجة إلى انتخاب قيادة جديدة، شبابية بالأساس، أو تجديد الثقة في الوجوه التقليدية (الممسكة بزمام القرار حاليا)، خلال مؤتمره الوطني المقبل، تمكنت الهيئة السياسية المغربية من انتخاب جامع المعتصم، بأغلبية مطلقة، رئيسا لهذه المحطة التي يؤكد مهتمون أنها “ستكون حاسمة في عكس مدى تعافي ‘البيجيدي’ داخليا وتنظيميا”.
ويطرح نيل لمعتصم تصويت 110 أعضاء من أصل 114 عضوا بالمجلس الوطني، لصالح رئاسته المؤتمر التاسع “لحزب المصباح” المرتقب يومي 26 و27 أبريل المقبل، تساؤلاتٍ حول ما إذا كان يعكس مؤشرا على استمرار تقلص وتيرة الخلافات الداخلية التي عصفت به في انتخابات 2021؛ لا يجيب عنها باحثون مطلعون ومتابعون “بالإيجاب قطعا”، إذ يؤكدون أن “انتخاب الرجل جاء لأن ثمة توافقا على كونه لا يدين بالولاء لأي من قيادات الصف الأول بالحزب”.
ويرى الباحثون أنفسهم أن “ذلك يترجم جدية ورغبة كافة أطياف حزب “المصباح” في الحسم في طبيعة القيادة الجديدة خلال المؤتمر المقبل، الذي ستكون له الكلمة الفصل لبيان ما إذا كان الحزب طوى مشاكله الداخلية”؛ فيما يدفع آخرون بأن “الرقم المذكور لا يؤكد سوى مباركة الأمين العام للعدالة والتنمية، للرجل المنتخب”، معتبرين أن “خلف ‘الزعيم’ ورئيس المجلس الوطني للهيئة السياسية، لن يخرجا بدورهما عن هذه المباركة”.
توافق على الحسم
بلال التليدي، الباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي، أوضح أن “الإشكال موضوع النقاش داخل حزب العدالة والتنمية هو انتخاب قيادة جديدة؛ فيما يبقى اختيار رئاسة المؤتمر مجرد خطوة لا غنى عنها لتنظيمه وانتخاب هذه القيادة في ظروف جيدة”، مُستدركا أن “هذا الاختيار لا يعني طي الخلاف بشأن القيادة المقبلة فهو مستمر؛ بل لأنه كذلك ذهب الجميع لانتخاب شخصية بإمكانها إنجاح المؤتمر”.
وأوضح التليدي، مصرحا لهسبريس الإلكترونية، أن “حزب العدالة والتنمية لم يتعافَ تنظيميا بعد؛ غير أنه يتجلى من انتخاب المعتصم أن ثمة جدية لدى جميع أعضائه ومكوناته، سواء المناصرة لبنكيران أو المختلفة معه، في جعل محطة المؤتمر الوطني المقبل مفصلية في الحسم في من سيتولى دفة القيادة”.
وشرح الباحث ذاته أن “كل ‘العداليين يعرفون أن الرجل ليس لديه ولاء لأي من الشخصيات القيادية المختلفة فيما بينها، (العثماني، بنكيران، الرميد..) فهو اشتغل مع الجميع؛ ولذلك فإن انتخابه سيشكل عنصرا مطمئنا للمؤتمرين”، مُشددا على أن “المؤتمر المقبل هو من سيحسم النقاش حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية قد تعافى سياسيا وتنظيميا”.
وبشأن مدى أهمية “إنهاء المؤتمر المقبل للخلافات الداخلية” في تحديد تموقع الحزب في نتائج المحطة الانتخابية المقبلة، أبرز التليدي أن “هذا التموقع غير مرتبط بالجاهزية التنظيمية لوحدها؛ بل راجع بشكل مهم إلى مدى إرادة الدولة نفسها، وما إذا كانت ثمة أزمة بينها وبين هذه الهيئة السياسية أو قيادتها؛ لأنه في نهاية المطاف الحزب يبدو كأنه مسح خلال انتخابات 2021 من الخريطة الانتخابية، عدا أنه لم يفز بأي مقعد في الانتخابات الجزئية”.
“مباركة الزعيم”
رشيد لزرق، محلل سياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أوضح “صعوبة قياس ما يجري في حزب العدالة والتنمية بمعيار الديمقراطية، حيث إن الترشيحات داخل هذه الهيئة السياسية يصعب أن تتم غالبا دون مباركة الزعيم (الأمين العام)”، قارئا في “الأغلبية المطلقة التي نالها المعتصم، تعبيرا عن أن بنكيران هو من يمسك بزمام الأمور في ‘البيجيدي’ ليس إلا”.
وعدّ لزرق، مصرحا لهسبريس الإلكترونية، أن “التصويت المذكور هو فقط إجرائي؛ فلا يمكن بتاتا أن يكون مطروحا داخل الحزب إسقاط أعضائه لمن رشحهم الأمين العام”، معتبرا أن “كل المؤشرات تدل على أن خلف بنكيران المقبل لن ينتخب بدون مباركته”.
وأبرز المحلل السياسي عينه أنه “من غير المستبعد، وفقا للمؤشرات ذاتها، أن يُنتخب إدريس الأزمي الإدريسي أمينا عاما، وسعيد خيرون رئيسا للمجلس الوطني، بالإجماع”، مُبرزا أن “عبد الإله بنكيران سوف يصبح مرشدا عاما للحزب بعد انتخاب هذه القيادة الجديدة”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “تموقع حزب العدالة والتنمية داخل الخريطة السياسية، التي سوف تفرزها انتخابات 2026، لن يحسمه انتخاب القيادة الجديدة فحسب، إذ ستتدخل فيه كذلك طبيعة التحولات الإقليمية؛ فإذا أفضت إلى عودة الإخوان المسلمين فمن غير المستبعد أن يعود ‘البيجيدي’ إلى الحكومة خلال المحطة الانتخابية المذكورة”.
جدير بالذكر أن المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، المنعقد يومي 18 و19 يناير الجاري، بمدينة بوزنيقة، انتخب أيضا كلا من عبد العزيز العماري وسعيد خيرون ومنينة مودن أعضاء بلجنة رئاسة المؤتمر الوطني للمقبل؛ فيما صادق كذلك “على كل اللوائح المتعلقة بالمؤتمر وتنظيمه والأوراق المرفوعة من لدن اللجان، إما بالإجماع أو الأغلبية”.
0 تعليق