فيلم "ويكد" .. الجماليات البصرية تسقط في نمطية الصراع بين الخير والشر

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ماتت الشريرة – “Din Don the witch is dead”.. عبارة رددها البريطانيون غداة وفاة رئيسة الوزراء البريطانية اليمينية “مارغريت تاتشر.

استثمار سينمائي لنجاح مسرحي

بعد أكثر من عشرين عامًا من النجاح الكبير للمسرحية الموسيقية “Wicked” على خشبة برودواي منذ عرضها الأول عام 2003، وبعد محاولات لنقلها للسينما لم يكتب لها النجاح، ها قد تمكن فريق متكامل من المنتجين، (Marc Platt & David Stone)، مدعوم بجيش من الفنيين في الكتابة الدرامية السينمائية، وفي التأليف الموسيقي والصوت والصورة والمؤثرات المتنوعة والديكور والملابس وتصفيف الشعر والماكياج وفنون الكمبيوتر طبعا، في رفع تحديات وتأخيرات عديدة لإنتاج إحدى أكبر الملحمات السينمائية الغنائية.

شهد مشروع إنجاز فيلم Wicked منذ الإعلان عن إنتاجه، تغيرات متكررة في طاقم العمل والإخراج، إلى أن تم الاستقرار في النهاية على تقسيمه إلى جزأين، جزء أول يستغرق الفصل الأول من العرض المسرحي الأصلي، ويمتد لمدّة ساعتين وأربعين دقيقة، بينما يستغرق الجزء الثاني المنتظر بعد سنة بقية سرد العرض المسرحي.

ويرى الكثير من النقاد الغربيين أن تبرير منتجي الفيلم تقسيم الفيلم لجزئين باعتبارات فنية، تكمن في الواقع وراءه رغبة هوليوودية مألوفة في تحقيق أرباح أكبر، ولما كانت الكلمة الأخيرة للمنتج كما هو معروف في السينما الأمريكية، فمن المنتظر، كما هو الشأن في الجزء الأول، أن يكون لأولوية الربح المالي على الإبداع السينمائي انعكاسات سلبية، على الرغم من أن الاستجابة لمتطلبات شباك التذاكر، غالبا ما تكون مدرة للربح، في ظل سيادة الذوق النمطي لدى عامة المستهلكين للسينما عبر العالم عموما.

حبكةُ الفيلمِ رهينةُ نمطيةِ الخير والشر

إعادة تأويل لثنائية الخير والشر تحت مظلة نمطية تصنيف ثقافي وعرقي.

تظل ثنائية الصراع بين الخير والشر من أقوى مسوغات الفيلم على شباك التذاكر.

يروي الفيلم قصة الساحرتين الشهيرتين من عالم “The Wizard of Oz”، “إلفابا – “Elphaba هي من أداء الممثلة “سينثيا إريفو”، الخضراء البشرة ووليدة خطيئة الخيانة. إنها الشخصية التي رباها حيوان/دُبَّةٌ إثر رفض أبيها لها ببيته بسبب لون بِشرتها الأخضر. تكاد هذه الشخصية أن تحمل مخالبَ الدُبِّة التي ربتها، لاحظ شكل أظافرها الأقرب للحيوان، مقارنة بأظافر الشقراء “غليندا” وهي أظافر وردية فاتحة وملساء، دور “غليندا” من أداء الممثلة ونجمة البوب ”أريانا غراندي”، وقد وردت في الفيلم بيضاء البشرة وشقراء. التقت الشخصيتان في الحكاية أيام دراستهما في جامعة ، “Shiz” حيث جمعتهما الصداقة وفرق بينهما صراع القيم.

أكثر مما سبق تأتي الشقراء “غليندا” إلى مملكة أوز محمية في فقاعتها، ومتعالية عن العامة، لتحكي عن شر صادقته، (سؤال مواطنة مملكة أوز لغليندا) وتتبرؤ منه في نفس الوقت باعتبارها حاملة للخيرا أصلا وفصلا.

إنه الصراع الأبدي بين الخير والشر، مجسد سينمائيا على خشبة عالم “أوز” الأسطوري والمعروف.

ينطلق السرد في فيلم Wicked من لحظة انتصار “دوروثي – “Dorothy” على “إلفابا – “Elphaba، حيث تسترجع “غليندا” ماضيها المشترك معها.

على الرغم من العداء الأولي بينهما. تتحول العلاقة تدريجيًا إلى صداقة مُعقدة، في ظل كشف الستار عن التمييز الذي عانت منه “إلفابا – “Elphaba طوال حياتها بسبب لون بشرتها الأخضر، الذي كسبته من العلاقة غير الشرعية لأمها مع عشيقها عند خيانتها لوالدها، وحيث انتشت الأم والعشيق قبل ممارسة الخيانة بمشروب أخضر.

" frameborder="0">

في هذا السياق يعرض الفيلم صراع ثنائية الخير والشر التقليدي، من خلال عرض أبعاد سردية ودرامية، تنتقد المجتمع وتصنيفاته وأحكامه الجاهزة حولهما، وعن كيف يكون الشر والخير وفي من يتجسدا وكيف.

لم يكن الفيلم ليقدم شخصية “إلفابا – “Elphaba كشريرة بطبيعتها منذ البداية، بل نظر إليها باعتبارها كذلك خُفية من خلال أفعالها لا حقا في الفيلم – مع التحفظ في انتظار نهاية الحكاية ضمن الجزء الثاني – حيث انتهت كاشفة وجهها الحقيقي كشريرة Witch، عند تمردها على نظام مملكة أزو وعلى أستاذتها، اللذان ظهرا في الفيلم كمجرد راغبين في الاستعانة بسلطاتها الفوق طبيعية، لتحسين الحياة في مملكة أزو في الفيلم وفي العالم من خلال دلالاته. بالمقابل قدم الفيلم ”غليندا – Glinda” كشخصية “خيِّرة” ضمن ثنائية الخير والشر، على الرغم من تقديمها في المشاهد الأولى بالجامعة ساذجة مغرورة بل وغبية ومتعالية على الآخرين وعلى “إلفبا -Elphaba “أساسا.

لم يقدم الفيلم من جهة أخرى أي عُمق ولا تصحيحٍ دراميٍّ أودلالي، لعلاقة الألوان الدالة والحاملة للوضع وللسياق الاجتماعي لشخصيات الفيلم وهي: الأبيض مقابل الأخضر، والوردي بالأسود ولا لعلاقة الغنى بالفقر كذلك، وذلك ما ميّز في الفيلم بصريا بين الشخصيتين الرئيسيتسن، فبقي الإقصاء والتمييز عالقا بالذهن تكريسا لتقليد غربيٍّ سينمائي سائد.

على الرغم من سرعة وخفة تغيير تصاميم والمشاهد الحركية في توضيب الفيلم، إلا أن الأحداث في الجامعة ضمن سرد الفيلم، لم تعرف تغييرا فعليا في مسارها، رغم صخَبِ الرقص وإيقاع الموسيقى ودينامية تغيير الملابس، ورغم سردية الأستاذ/الحيوان: (لا رأي للحيوانات في مملكة الإنسان Animals must be seen and not heard عبارة كتبت بالأحمر على سبورة قسم الدرس بالجامعة والأستاذ الماعز يُدرِّس) التي بدت دالّة، لكنها تكاد تكون مُقحَمَة. ورغم حضور الأمير الوسيم والغبي، من أداء “جوناثان بيلي” الذي كان حضورا باهتا أمام التفوق الساحق لمُمثلتيْ دوْرَي إلفابا وغليندا سينثيا إريفو وأريانا غراندي.

“تلاحم إبداع الغناء والتشخيص”

من أروع مشاهد الفيلم أداء “سينثيا إريفو” لأغنية “تحدي الجاذبية – “Defying Gravity بمعنى القيود الاجتماعية وهي بالضبط الإقصاء والتمييز بسبب اللون والخطيئة …، التي تُعد من أقوى لحظات الفيلم وأهم مقاطعه الموسيقية، حيث التحول العميق في شخصية إلفابا الكشف عن الإمكانيات الصوتية الهائلة للممثلة سينثيا إيفو.

لكن،

حفلة الرقص بقاعة البال The ozdust ballroom تبدو وكأنها من تلك التفاصيل التي تمطط دون دلالة أصلية متناسقة مع ثنائية القيم: فتعاطف إلفابا وغليندا بدت مفتعلة إذ سرعان ما ستنهار مع اشتداد الصراع بين القيميتين رغم الكتابة الدرامية التي سعت لإخاءه إلى حين.

“إخراجٌ أنيقٌ وعُمقٌ رقِيق”

يتمتع المخرج “جون إم. تشو – John M. Chu”، الذي سبق وأخرج أفلاما جيدة منها “Crazy Rich Asians” و”In the Heights”، بقدرة مؤكدة على تقديم مشاهد سينمائية مذهلة، وهو ما يظهر في المشاهد البصرية الفخمة في فيلم Wicked، مثل وصول القطار العجيب إلى جامعة “Shiz” ، أو في تصميم قاعات مدينة الزمرد. كما أن الاعتماد على ديكورات حقيقية بدلاً من المؤثرات الرقمية، منح فيلم Wicked طابعًا كلاسيكيًا يذكّر بسحر الإنتاجات القديمة التي صُوِّرت بتقنية السكوب الرائعة. لكن رغم هذه الجماليات البصرية والصوتية الفخمة والمذهلة، فإن Wicked كفيلم سينمائي ضخم الإنتاج، لم يتمكن تجنب السقوط في النمطية والإطالة:

النمطية، دلاليا حيث ظل يدافع عن المؤسسة والنظام القائم، والإطالة، حيث هناك تفاصيل كثيرة من الممكن التخلي عنها ليكون السرد أكثر تلاحما وتناسقا في قوة الإيقاع الدرامي وتناغم الحكي السينمائي.

خاتمة.

أما حكاية الطريق الأصفر إن كان يؤدي إلى مراتِبِ الحكمة أم إلأى فضاءات المحاسبة الأخلاقية أم إلى منابع القوة، فذلك ما لن يتضح إلا مع الجزء المنتظر من الفيلم.

وفي انتظار الجزء الثاني أيضا، تبقى هذه القراءة بين قوسين وإن كانت “الليلة الفضيلة ظاهرة من عند العصر” كما يقول المغاربة، أما قُوة الفيلم دراميا ودقةً في كل تقنياته وفي حكيِه، فلا غبار على هوليووديةٍ مُتمكنة من أدواتها ومن مُسوغات شباك التذاكر الذي تُسيطر عليه من عشارياتٍ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق