عن بكرة أبيها خرجت مصر الكبيرة، رجالًا ونساء، حكومة وشعبًا، أحزابًا ونقابات، رافضين مقترح ترامب، واصطفافهم أمام معبر رفح بالأمس كان رسالة للعالم مفادها: «أن الشعب خلف القائد الذي قال لا»، وأن الإرادة الشعبية والسياسية على قلب رجل واحد رافضة تصفية القضية الفلسطينية، ولن نقبل بالمساس بالأمن القومي المصري، ولم نسمح أبدًا بتهديد السيسي، لأنه خط أحمر.
كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي من ثلاثة أيام خلال المؤتمر الصحفي بقصر الاتحادية مع الرئيس الكيني كانت حاسمة وقاطعة، ولا تقبل الشك أو التأويل، حينما أكد أن هناك حقوقًا تاريخية لايمكن تجاوزها، وأن هناك ظلمًا تاريخيًا وقع على الشعب الفلسطيني، وأن مصر لن تشارك فيه، وأنه لابد أن يعي الجميع أن في هذه المنطقة أمة لها موقف من القضية الفلسطينية، وأن الشعب المصري يرفض بشكل قاطع لأنه «لن يقبل المشاركة في ظلم».
هذه الكلمات الحاسمة لرئيس أكبر دولة عربية وشرق أوسطية كانت كالصاعقة ضربت مقترح ترامب، وقبرته في مهده، وزادت من جنون نتنياهو ويمينه المتطرف، ما جعل صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية تنشر صورة للرئيس السيسي مع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، في ساقطة صحفية منها، والغرض منها تهديد مبطن، لكن المصريين كان ردهم عملي وحاسم وقاطع باصطفافهم أمام معبر رفح في رسالة قوية للعالم وليست إسرائيل وحلفاؤها فقط.
الرئيس السيسي، رد على الصورة التي تناولتها جيروزاليم بوست، في المؤتمر الصحفي مع نظيره الكيني، بجملة ترد على كل أفكار التطرف الإسرائيلي التي تستعملها حكومة نتانياهو ويمينها المتطرف، فقد قال مسبقًا: «المنطقة فيها أمة لها موقف في هذا الأمر، سواء كنت موجود في مكاني أو مشيت منه.. في أمة لها موقف».
الرئيس السيسي، يقولها بوضوح أن القضية ليست متوقفة عليه، فهذا نهج لا يملك أحد في مصر أو الوطن العربي أن يحيد عنه، وأن الانتصار لحق الشعب الفلسطيني المظلوم منذ نحو 77 عامًا هو جزء من عقيدة كل مصري، ومن كل عربي، ومصر دائمًا وأبدًا هي قلب العروبة النابض وعقله، رغم كل التحديات والصعوبات، ولايمكن أبدًا أن تفرط في حق الشعب الفلسطيني المظلوم.
خروج المصريين بالأمس في مشهد يعكس ثبات الموقف المصري إزاء القضية الفلسطينية، أعلن على الملأ رفض مصر القاطع لأي مخطط يستهدف تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى سيناء، وأن القاهرة لن تكون طرفًا في أي ترتيبات تسعى إلى تصفية القضية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وأن الرئيس السيسي والأمن القومي المصري خط أحمر، وهذا الموقف المبدئي ينسجم مع تاريخ مصر في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ويؤكد أن القاهرة كانت وستظل خط الدفاع الأول عن قضية الشعب الفلسطيني العادلة.
لا يمكن النظر إلى الموقف المصري بمعزل عن مسؤوليتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، فمصر كانت ومازالت الدولة العربية الأكثر التزامًا بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، ورفض التهجير ليس إلا امتدادًا لهذا الإلتزام، وأي محاولة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم لا تمثل فقط خرقًا للقانون الدولي، ولكنها أيضًا تمثل سابقة خطيرة تعيد إلى الأذهان النكبة وما تبعها من تهجير قسري للشعب الفلسطيني منذ عام ١٩٤٨.
الرئيس السيسي، بموقفه هذا، يبعث برسالة واضحة إلى العالم: مفادها أن مصر لن تشارك في هذا الظلم، وأنه لن يكون هناك حل للقضية الفلسطينية عبر القفز على حقوق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، وأن محاولات تغيير الواقع الديموغرافي والسياسي للأرض الفلسطينية بهذه الطريقة لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد وتأجيج الصراع، ومصر، بحكم دورها التاريخي، لن تكون شريكًا في أي مخطط من هذا النوع.
نطق الرئيس عبدالفتاح السيسي بلسان كل مصري وعربي من المحيط إلى الخليج، فالمواقف الشعبية هي سيدة المواقف، والشعوب العربية قاطبة ترفض الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وترفض تهجيره واغتصاب حقوقه، وتؤكد هذا موقف الشعب المصري بالأمس بالوقوف أمام معبر رفح، وكيف نطق كل بيت مصري بحب الفلسطينيين، وبدعم القيادة السياسية المصرية.
حشود المصريين أمام معبر رفح يؤكد أنه بمجرد التفكير في الوطن البديل للفلسطينيين، سيرى، ترامب ونتنياهو، من المصريين عجبًا، واللي يقرب من الحدود المصرية يجرب، غضب المصريين، سيرى الغضب آتيًا من كل فج عظيم، من كل قرية ونجع، المصريون إذا غضبوا دمدموا.. وعلى نفسها جنت ليست براقش بل أمريكا وإسرائيل.
ما قام به المصريون بالأمس أجبر إسرائيل على الإعلان عن انسحابها من معبر رفح، واستعدادات لفتحه اليوم، كما أحدث حالة من الرعب والهلع في تل ابيب من الاعداد الهائلة للمصريين عند المعبر، بحسب ما تداولته قنواتهم الفضائية، كما أعلن مراسل قناة 12 الإسرائيلية: «أنه على الجانب المصري من معبر رفح، الليلة واليوم مظاهرة تحدي حاشدة ضد مقترح ترامب لترحيل الفلسطينيين إلى مصر».
وأخيرًا: ما قام به المصريون بالأمس يؤكد أن اللاءات المصرية الثلاث: لا للتهجير، لا للتوطين، لا للوطن البديل، لاتزال صامدة كالجبال الرواسي في مواجهة المخطط الإسرائيلي الأمريكي «الصهيوني» الاستعماري الخبيث الذي يقضي بتفريغ سكان غزة في سيناء.
0 تعليق